كان الخطاب الملكي من تحت قبة البرلماني يوم 11 أكتوبر الماضي بمناسبة افتتاح السنة التشريعية، واضحا ومباشرة في دعوة السياسيين إلى عدم تضييع مزيد من الوقت في الصراعات الحزبية والدعاية الانتخابية السابقة لأوانها، معتبرا أن الأولوية ل"التنافس الإيجابي على خدمة مصالح المواطنين، والدفاع عن قضايا الوطن". لكن لا يبدو أن جميع الأحزاب استوعبت رسائل هذا الخطاب، خاصة حزب التجمع الوطني للأحرار الذي يخوض منذ العام الماضي حملة انتخابية معلنة بقيادة أمينه العام عزيز أخنوش، ولم يفلح الخطاب الملكي في ثني منتخبيه ووزرائه عن المضي في هذه الحملة والالتفات خلال ما تبقى من الزمن البرلماني والحكومي إلى مسؤولياتهم، بل إن "التجمعيين" اختاروا رفع وتيرة الحملة بعد ذلك. هل فهم التجمعيون الملك؟ واختار الملك محمد السادس خلال الخطاب الملكي الأخير بمناسبة الدخول البرلماني الجديد، التوجه رأسا صوب السياسيين ليحذرهم من تضييع المزيد من الوقت موردا "هي سنة تشريعية يجب أن تتميز بروح المسؤولية والعمل الجاد، لأنها تأتي في منتصف الولاية الحالية، وبذلك فهي بعيدة عن فترة الخلافات، التي تطبع عادة الانتخابات". وتابع الملك "لذا ينبغي استثمارها (السنة التشريعية) في النهوض بالأمانة التي تتحملونها، بتكليف من المواطنين، والتنافس الإيجابي على خدمة مصالحهم، والدفاع عن قضايا الوطن، كما تتطلب منكم العمل على إدراجها في إطار المرحلة الجديدة، التي حددنا مقوماتها في خطاب العرش الأخير". ولكن المتابع للحملة الانتخابية المبكرة للتجمع الوطني للأحرار، يقف حائرا حول ما إذا كان الحزب قد استوعب مضمون الخطاب، فرغم أن أخنوش سبق أن قال إن حزبه "التقط الإشارة" وأنه "سيساهم في تنزيل التوجيهات الملكية"، إلا أن تركيزه كان فقط على الجانب المتعلق بالدعوة الموجهة للمؤسسات البنكية، أما ما يتعلق بالابتعاد عن الصراعات الحزبية وتضييع الوقت، فلا يبدو أن الحزب قد "استوعب" توجيهات الملك بخصوصها. حملة مبكرة جدا وبدأت الحملة الانتخابية المبكرة جدا لحزب التجمع الوطني للأحرار بعد عام واحد فقط من تشكيل الحكومة الجديدة برئاسة سعد الدين العثماني، والتي حصل فيها الحزب على حقائب وزارية مهمة، أبرزها الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات، لأمينه العام عزيز أخنوش، إلى جانب الاقتصاد والمالية والعدل والصناعة والتجارة والاستثمار وغيرها. وكان مثيرا للانتباه أن أخنوش الذي كان حجر الزاوية في "البلوكاج الحكومي" الذي تلا انتخابات 2016 التشريعية، والذي تسبب في إعفاء عبد الإله بنكيران من رئاسة الحكومة، بدأ حملته المبكرة بالكشف عن كتاب "مسار الثقة" والذي وصفه بأنه "نموذج جديد للتنمية"، وبأنه يقترح حلولا لقضايا التشغيل والتعليم والصحة والهوية وغيرها. وما يثير الاستغراب في هذه الخطوة هو أنها أتت بعد تشكيل حكومة اعتبرها المتتبعون للشأن السياسي، بمن فيهم منتسبون ومتعاطفون مع حزب العدالة والتنمية الذي يقودها، أنها كانت "على مقاس التجمعيين"، ليس فقط بحصولهم على الحقائب التي أرادوا ولكن أيضا بالنظر لثقل أخنوش داخلها، ما يعني أن تلك الحلول كان يمكن مناقشتها داخل الحكومة الحالية عوض الانتظار إلى سنة 2021. RNI 2021 ولا يخفي أخنوش أن طموحه الأول هو أن يصبح رئيسا للحكومة في 2021، وهو الشيء الذي أعلن عنه عبر حوارات صحفية وفي تجمعات خطابية، فالرجل يريد للحزب الذي يقوده أن يتصدر الانتخابات التشريعية القادمة، وآخر خطوة قام بها للوصول إلى هذا الغرض هي إنشاء صفحة على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" تحمل اسم "RNI 2021". الصفحة التي أطلقها الحزب على "الفايسبوك" استعدادا لانتخابات 2021! والمطلع على هذه الصفحة، التي تتصدرها صورة أخنوش يكتشف أن الانتخابات القادمة هي محور اهتمام الحزب حاليا، وأهميتها تسبق أهمية ما سينجزه وزراء الحزب من خلال الحكومة الحالية التي تم تعديلها مؤخرا وحصل فيها التجمعيون على 4 حقائب، حتى إن كل خطوة يقوم بها هؤلاء الوزراء توظف لأجل الدعاية الانتخابية المبكرة. وبالمعطيات، نشرت هذه الصفحة تقارير إخبارية عن زيارة أخنوش لوحدة توضيب وتلفيف الحوامض بإقليم بني ملال، وزيارته لمعرض التمور الدولي بأرفود، وافتتاحه لسوق بيع الأسماك بالجملة في إنزكان، وعن إشراف حفيظ العلمي وزير الصناعة والتجارة والاقتصاد الأخضر والرقمي على تدشين وحدتين صناعيتين جديدتين تنشطان في قطاع صناعة الطيران بالدار البيضاء، وعن لقاء نادية فتاح العلوي وزيرة السياحة والصناعة التقليدية والنقل الجوي والاقتصاد الاجتماعي، بأعضاء في الحكومة السنغالية. بل إن الصفحة نشرت أيضا تقارير حول ما رصده مشروع قانون مالية 2020 للقطاعات التي يدبرها وزراء تجمعيون، على غرار قطاع الصيد البحري، كل ذلك يتم ترويجه وكأنه أنشطة حزبية لا حكومية، حتى إن المكلفين بالصفحة يقومون بوضع رمز الحزب على التقارير التلفزيونية المواكبة لهذه الانشطة. "الآخرون هم الجحيم" تبدو علاقة حزب التجمع الوطني للأحرار بالحكومة منذ 2011، حالة سياسية فريدة تستحق الدراسة، فبعدما فشل في ترؤسها عندما كان يقوده صلاح الدين مزوار، جمد أمينه العام الحالي عزيز أخنوش مهامه في الحزب آنذاك ليصبح وزيرا في حكومة بنكيران سنة 2012 بصفة "تيكنوقراط"، قبل أن يلتحق به "التجمع" في تعديل 2013 معوضا حزب الاستقلال. وبعد انتخابات 2015 قاتل أخنوش لإدخال حليفه حزب الانتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية للتحالف الأغلبي مقابل إبعاد غريمه حزب الاستقلال، وهو ما تأتى له سنة 2016، ثم ظل متمسكا بالأغلبية في "حكومة الكفاءات" هذا العام، ولكن رغم كل ذلك ظل الحزب "يُعارض" الحكومة مستثنيا وزراءه. ومن خلال سلسلة اللقاءات التي ينظمها الحزب تحت شعار "100 يوم 100 مدينة"، يتضح هذا التناقض بشكل علني من خلال خطابات أخنوش نفسه، فخلال مشاركته في لقاء بمدينة أكادير شهر شتنبر الماضي حذر من أن عدم التصويت لحزبه سنة 2021 سيضيع على الشباب المغاربة "خمس سنوات أخرى من أعماره"، ما يعني ضمنيا أن الحكومة الحالية التي يشارك فيها حزبه "تضيع الوقت". وقبل أسبوعين بدا هذا التناقض بشكل أوضح من خلال اللقاء الجهوي للحزب في طنجة، عندما تحدث وزير الشباب والرياضة السابق رشيد الطالبي العلمي، عندما قال إن وزراء باقي الأحزاب، وفي مقدمتهم وزراء حزب العدالة والتنمية الذي يقود الحكومة، "لم يستطيعوا مواكبة نسق الوزراء التجمعيين". وأورد الطالبي العلمي الذي كان في الأمس القريب فقط عضوا في الحكومة، إن "الكثير من الوزراء لم يسايروا النجاحات التي حققها وزراء التجمع الوطني للأحرار"، موردا "المجالات الاجتماعية التي يدبرها وزراء من أحزاب أخرى، لم تستطع مواكبة النسق الذي نهجه وزراؤنا"، بل مضى أبعد من ذلك عندما اعتبر ذلك ما يفسر "الفشل الذي راكمته مجموعة من القطاعات".