لم يكن خروج حزب التقدم والاشتراكية من التحالف الحكومي أمرا مفاجئا للكثير من المتتعبين للشأن السياسي بالمغرب، إذ إن أمينه العام نبيل بنعبد الله لم يكن يخفي عدم رضاه عن موقع حزبه في حكومة سعد الدين العثماني خاصة بعد إعفاء كاتبة الدولة المكلفة بالماء شرفات أفيلال، ثم بعد الإعلان عن التعديل الحكومي المقلص لحقائبه الوزارية. ولم يكن قرار المكتب السياسي المعلن عنه مساء أمس إلا تأكيدا على حالة عدم الرضا هذه، والتي سبق لبنعبد الله أن حمل مسؤوليتها لسعد الدين العثماني، غير أن هذه الخطوة التي ستُبعد حزب علي يعتة من الحكومة لأول مرة منذ تجربة التناوب التوافقي سنة 1998، تطرح علامات استفهام كبيرة حول مصيره المستقبلي في ظل عدم انسجامه مع مكونات اليسار الموجودة في المعارضة كما تلك الموجودة في الأغلبية. تحالف بمنطق "العطف" كان من الواضح منذ إعفاء عبد الإله بنكيران من رئاسة الحكومة في 2017 وتعيين سعد الدين العثماني خلفا له، أن حزب التقدم والاشتراكية أضحى في موقف ضعف بعد إبعاد الرجل الذي اعتبره أوفى حلفائه في أول حكومة بعدد دستور 2011، وهو ما يتضح من خلال تصريح المكتب السياسي الصادر أمس، والذي سجل "بأسف" غياب "النفس السياسي" عن الحكومة الحالية. وجاء في الوثيقة أن "الأغلبية الحكومية الحالية، ومنذ تأسيسها إلى اليوم، وضعت نفسها رهينة منطق تدبير حكومي مفتقد لأي نَفَس سياسي حقيقي يمكن من قيادة المرحلة، والتعاطي الفعال مع الملفات والقضايا المطروحة، وخيم على العلاقات بين مكوناتها الصراع والتجاذب والسلبي وممارسات سياسوية مرفوضة، حيث تم إعطاء الأولوية للتسابق الانتخابوي في أفق سنة 2021، وهدر الزمن السياسي الراهن مع ما ينتج عن ذلك من تذمر وإحباط لدى فئات واسعة من جماهير شعبنا". ويرى المحلل السياسي محمد بودن، رئيس مركز أطلس لتحليل المؤشرات السياسية والمؤسساتية، أن انسحاب "التقدم والاشتراكية" له عدة محددات سياسية وشخصية، "فهو تعرض للتقزيم في حكومة سعد الدين العثماني، والذي تمثل في الإعفاء الملكي لأمينه العام نبيل بن عبد الله من الحكومة، ثم إعفاء كاتبة الدولة المكلفة بالماء شرفات أفيلال". وأوضح بودن أن علاقة حزب التقدم والاشتراكية بحزب العدالة والتنمية "كانت مبنية على العطف لا على التحالف السياسي، لأن التحالف يكون بين قوتين سياسيتين متكافئتين، ففي الحكومة الأولى التي ترأسها حزب العدالة والتنمية كانت العلاقة القوية ما بين بنكيران وبنعبد الله هي التي حسمت دخول حزب الكتاب في تلك التجربة، وهو عطف لم يعد حاضرا في التجربة الحكومية الحالية". وأشار المتحدث إلى أن العلاقة السيئة التي تربط بنعبد الله بإدريس لشكر الكاتب الأول لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، ، لعبت دورا كبيرا في هذا الانسحاب، "فلشكر ظل دائما يرى في الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية حليفا لبنكيران، حتى إنه اتُّهم في بعد المجالس بأنه يسرب للصحافة كواليس المجالس الحكومية". تأثيرات متوقعة من الناحية العددية، سيُفقد انسحاب حزب التقدم والاشتراكية من التحالف الحكومي الأغلبيةَ البرلمانية أقل الأحزاب مساهمة فيها، إذ لا يملك رفاق بنعبد الله حاليا سوى 12 مقعدا في مجلس النواب وليس لديه بالتالي فريق نيابي، ما يجعل تأثير انسحابه على العمل الحكومي وعلى المبادرات التشريعية ذا تأثير محدود جدا. ولا يبتعد بودن كثيرا عن هذا الطرح، إذ يعتبر أن قرار الانسحاب "متأخر جدا من ناحية التوقيت وغير مؤثر على مسار الحكومة الحالية، إلا من حيث تقليص الأغلبية النيابية العريضة عدديا والتي تبلغ حاليا 240 نائبا من أصل 395، وبالتالي فإن هذا الأمر لن يكون مقلقا للأحزاب الخمس الأخرى المتبقية". لكن المحلل السياسي يرى أن المتأثر بهذا القرار قد يكون الحزب نفسه، إذ إن تزامنه مع بروز تيار أنس الدكالي، وزير الصحة الحالي، قد يؤدي إلى تشكيل قيادة جديدة، استنادا إلى تنامي هذا التيار الذي تقوى مؤخرا خلال انتخابات شبيبة الحزب والتي انتصر فيها على تيار نبيل بنعبد الله. ونبه بودن إلى أن انسحاب الحزب من الحكومة "لا يعني بالضرورة استقالة وزرائه من التجربة الحالية، فالاستقالة قانونا تقدم من الوزراء بصفة فردية أو جماعية لا من الحزب الذي ينتمون إليه"، مبرزا أنه في حال ما اختار وزراء حزب الكتاب عدم الاستقالة "ستكون وضعية القيادة الحالية هشة، وهو ما يجعل قرار اللجنة المركزية المرتقب أمرا حاسما". في انتظار 2021 ربطت عدة قراءات قرار المكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية بانتخابات 2021 التشريعية، على اعتبار أنها محاولة لتلميع نفسه والتخلص من التركة الحكومية الحالية قبل الاستحقاقات، لكن بودن لا يرى أن لهذه الخطوة أي تأثير إيجابي على النتائج المستقبلية للحزب. ويرى المتحدث أن "التقدم والاشتراكية حزبٌ عتيد تاريخيا، لكنه أضحى معزولا في السنوات الأخيرة ولم يعد فاعلا سياسيا وازنا في المرحلة الحالية، ولا أعتقد أن وضعه سيتحسن على المدى المنظور"، مضيفا أن التواجد في الحكومة كان يمنح أعضاءه "مساحة أكبر للتحرك على الساحة السياسية، حيث كانوا يتوفرون على القبعة الحكومية إلى جانب القبعة الحزبية، ما يعني أن صفاتهم الحكومية كانت عاملا مساعدا للحزب". هل هي حكومة أقلية؟ وأعاد انسحاب التقدم والاشتراكية طرح احتمال حدوث شرخ كبير في الأغلبية الحكومية، استنادا إلى ما يتردد في الساحة السياسية عن رفض حزبي الحركة الشعبية والاتحاد الدستوري بدورهما "تقزيم" وجودهما إلى أقصى حد بحصولهما على حقيبة وزارية واحدة، الشيء الذي قد ينتج عدة سيناريوهات أبرزها تشكيل حكومة أقلية مكونة من حزب العدالة والتنمية والتجمع الوطني للأحرار والاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية. لكن بودن لا يرى أن هذا الاحتمال سيتحقق بسهولة، "فباستثناء التقدم والاشتراكية لم يعلن أي حزب آخر انسحابه من الحكومة، إلى جانب وجود سيناريو آخر متمثل في تعويض حزب الاستقلال للأحزاب المنسحبة، بالإافة إلى أن الدستور لا يتيح إقالة رئيس الحكومة إلا عبر ملتمس رقابة أو سحب الثقة، وهو أمر نادر الحدوث في المغرب". وأورد بودن أن التحالف الحكومي الحالي لا زال يتمتع بدعم أغلبية برلمانية مريحة، لكن لو أدت الظروف إلى تنزيل سيناريو حكومة الأقلية، فهذا يعني أنها ستكون عاجزة عن طرح أي مبادرة تشريعية أو سياسة عمومية، ولن يكون أمامها في نهاية المطاف سوى الانسحاب، ليمر المغرب إلى انتخابات تشريعية سابقة لأوانها.