1. الرئيسية 2. غير مصنف تجفيف المغرب لمياه "وادي كير" عبر "سد قدوسة" يضع مشروع "غار جبيلات" الجزائري على المحك.. ويشعل "معركة مياه" بين البلدين الصحيفة - خولة اجعيفري الأثنين 17 مارس 2025 - 22:45 في قلب أزمة متصاعدة بين الجزائر والمغرب، لم تعد الحدود السياسية وحدها محور النزاعات التقليدية، بل امتدت هذه المرة إلى النزاع على المياه، وسط غياب اتفاقيات واضحة تنظم تدبير الأحواض المائية المشتركة بين البلدين، وهنا يتمركز وادي كير، المجرى المائي الذي ينبع من أعالي جبال الأطلس المغربية ويتجه نحو الجنوب الغربي الجزائري، كبؤرة صراع جديدة بين الجارتين اللتين تتبادلان الاتهامات حول "الأعمال العدائية" في أكثر من مناسبة. شرارة الأزمة انطلقت فعليًا سنة 2021، عقب تدشين المغرب لسد قدوسة، بسعة تصل إلى 220 مليون متر مكعب، ما أثار حفيظة الجزائر التي تتهم الرباط بتعمّد تجفيف المناطق الحدودية، وتقليص تدفق المياه نحو سد الجرف الأصفر الجزائري، الذي يعد واحدًا من أكبر السدود في الجزائر، وتبلغ سعته 365 مليون متر مكعب، وقد شُيد في أواخر الستينيات. وتصاعدت الاتهامات الجزائرية بشكل متكرر في المحافل الدولية خلال السنوات الأخيرة، وفق تقديرات تقرير مفصل لصحيفة "لوموند" الفرنسية، التي أوردت تصريحا لوزير الموارد المائية الجزائري، طه دربال، أكدت فيه أنه مرتين على الأقل خلال مشاركته في منتدى بالي العالمي للمياه سنة 2024، ثم في اجتماع دولي آخر عُقد في سلوفينيا أثير هذا الموضوع، وأن المسؤول الجزائري اعتبر أن "المغرب يقوم بتجفيف بعض المناطق الحدودية بشكل متعمد"، متهماً الرباط بتعطيل تدفق المياه الطبيعي نحو الأراضي الجزائرية. وبطبيعة الحال، فإن السلطات الجزائرية لم تكتف بالتصريحات الرسمية فحسب، بل شنّت حملات إعلامية واسعة، محذرة من حدوث "كارثة بيئية"، انعكست سلبًا على الحياة البرية والمحلية، وأدت إلى نفوق الأسماك وهجرة الطيور وتدهور كبير في مستويات المياه في منطقة بشار الحدودية، وقد أوردت صحيفة "الوطن" الجزائرية تفاصيل صادمة عن هذه الأوضاع، مشيرةً إلى أن السكان المحليين يعانون من أزمة مياه حادة، بحيث لا تصل المياه لبعض الأحياء إلا مرة واحدة كل عشرة أيام. في المقابل، اتخذ المغرب موقفًا رسميًا بالصمت وعدم التفاعل مع الاتهامات الجزائرية المتكررة سواء على المستوى الرسمي المحلي أو في المحافل الدولية، مكتفيًا بالرد من خلال وسائل إعلام توصف بكونها مقربة من الحكومة، والتي اعتبرت الاتهامات الجزائرية "عبثية" ووصفت موقف الجزائر ب"الهوس المرضي بالمغرب"، متهمةً إياها بمحاولة التغطية على الفشل في إدارة مواردها المائية الداخلية، كما ذكرت هذه الوسائل الإعلامية أن الجزائر أصبحت "تسيس كل شيء، حتى نشرات الطقس". ومن الناحية العلمية والتقنية، تبدو الصورة أكثر تعقيدًا وأقل حدة مما تروج له الجزائر، فقد نقلت صحيفة "لوموند" الفرنسية عن باحث فرنسي رفض الكشف عن اسمه، توضيحًا هامًا، أشار فيه إلى أن المغرب قبل بناء سد قدوسة، كان يستغل حوالي 8 ملايين متر مكعب سنويًا من مياه وادي كير باستخدام أساليب الري التقليدية، بينما ارتفعت هذه الكمية بعد بناء السد إلى نحو 30 مليون متر مكعب سنويًا، إلا أن الباحث ذاته أوضح أن وادي كير يتلقى روافد متعددة تعوض جزئيًا النقص في المياه، ما يجعل الخسائر الجزائرية محدودة وليست كارثية كما تدعي السلطات الجزائرية. ويؤكد الخبراء أيضًا أن البلدين يواجهان تحديًا بيئيًا مشتركا، وهو تراجع التساقطات المطرية بشكل حاد في السنوات الأخيرة، وهو ما أكده الخبير المغربي فؤاد عمراوي، حين أشار إلى أن "المنطقة تكاد تخلو من الأمطار، ما تسبب في جفاف شديد للأودية"، كما أن سد قدوسة نفسه لم يتجاوز منذ افتتاحه نسبة امتلاء 10 بالمائة، ولم ترتفع هذه النسبة إلا في شتنبر 2024، حين وصلت إلى 28 بالمائة بفضل تساقطات استثنائية نادرة. وخلف كواليس هذه الأزمة المائية، تقف رهانات اقتصادية ضخمة، فالجزائر تسعى بقوة لدعم مشروع صناعي ضخم قرب مدينة بشار لمعالجة خام الحديد من منجم غار جبيلات بتندوف، والذي كان في السبعينيات مشروعًا مشتركًا بين البلدين حين اتفق الملك الراحل الحسن الثاني والرئيس هواري بومدين على استغلاله معًا، غير أن الجزائر اليوم تنفذه بشكل منفرد بشراكة مع شركات صينية، عبر مشروع خط سكك حديدية بطول 950 كيلومترًا. أما المغرب فيركز على دعم القطاع الزراعي في منطقة بودنيب التي تقع أسفل سد قدوسة، حيث تشهد المنطقة توسعًا كبيرًا في زراعة النخيل وتطوير المزارع الضخمة ومشاريع ري حديثة تشمل مجمعات مائية اصطناعية، مما يعكس توجهًا واضحًا لتعزيز الاقتصاد المحلي وتحسين مستويات الحياة. وفي وقت تبقى الحقيقة المؤكدة وسط هذه التوترات، أن المياه لا تعترف بالحدود السياسية، وأن التحديات المناخية والجفاف المتزايد تفرض على المغرب والجزائر تبني حلول عملية مشتركة بدلًا من الدخول في مواجهات جديدة قد تزيد من تفاقم الأزمة، وربما يكون التعاون في إدارة الموارد المائية وتبني مشاريع مشتركة، الحل الأمثل والأكثر واقعية لتجاوز هذا النزاع المستجد، من المرشح أن ترتفع التوترات بهذا الخصوص في الأيام المقبلة، وفق تقديرات الخبير الجزائري في الاقتصاد والموارد المائية، مصطفى راجعي. الخبير الجزائري وفي تصريح خص به "الصحيفة"، اعتبر أن الأزمة الحالية المتعلقة بوادي كير بين الجزائر والمغرب ليست مجرد نزاع محدود على مصادر المياه، بل هي انعكاس مباشر لرهانات اقتصادية واستراتيجية كبرى بالنسبة للجزائر، موردا: "المسألة تتعلق أساسًا بمشروع غار جبيلات الضخم الذي تسعى الجزائر من خلاله إلى تحقيق قفزة اقتصادية نوعية، عبر استغلال ثرواتها الطبيعية الضخمة من خام الحديد، غير أن نجاح هذا المشروع يتوقف بشكل رئيسي على توفر كميات وافرة من المياه، الضرورية لمعالجة خام الحديد وتطوير الصناعات التحويلية المرتبطة به، ومن ثم فإن أي نقص في المياه القادمة من وادي كير إلى سد الجرف الأصفر يعني مباشرة تقويض القدرة الإنتاجية والاقتصادية لهذا المشروع، ويهدد بتراجع الاستثمارات الأجنبية، خاصة الصينية منها، والتي تعتمد على ضمان إمدادات مستقرة من المياه". ومن هذا المنطلق، يرى الخبير الجزائري أن اتهامات الجزائر للمغرب حول تجفيف المناطق الحدودية لا تنبع من فراغ أو مبالغة، بل هي مبنية على قراءة اقتصادية دقيقة للأضرار المحتملة التي قد تتكبدها الجزائر جراء استمرار هذا الوضع، فيما ومن الناحية الفنية، يمكن القول إن السد المغربي قد لا يكون هو السبب الوحيد للأزمة، لكنه بالتأكيد ساهم بشكل أو بآخر في مفاقمتها، خصوصًا مع ارتفاع الاستهلاك المغربي من مياه وادي كير إلى مستويات تقارب أربعة أضعاف ما كانت عليه في السابق. أما على المستوى السياسي والاقتصادي، فإن تصعيد الجزائر، يضيف المتحدث ذاته في حديثه ل "الصحيفة" لهذا الملف في المحافل الدولية يعبّر عن قلق جدي وحقيقي من تأثير هذه التطورات على مشاريع استراتيجية مهمة على غرار مشروع منجم غار جبيلات، مضيفا: "وعلينا أن نتذكر هنا أن هذا المشروع كان في السبعينيات رمزًا للتعاون الجزائري-المغربي في عهد الرئيس الراحل هواري بومدين والملك المغربي الحسن الثاني، لكنه اليوم أصبح مثالاً على عمق الأزمة بين البلدين". وزاد الأستاذ الجامعي ضمن التصريح ذاته: "في اعتقادي الشخصي، فإن الطريق الأمثل للخروج من هذه الأزمة لا يمكن أن يمر عبر المواجهة أو التصعيد الدبلوماسي، بل عبر فتح قنوات حوار اقتصادي وفني وتقني مباشر بين الجزائر والمغرب، يتم من خلاله الاتفاق على آلية واضحة وعادلة لتقاسم الموارد المائية المشتركة، ذلك أن التعاون المائي والاقتصادي، بدل التنافس والصدام، هو وحده القادر على ضمان مستقبل مستدام لكلا البلدين في ظل تحديات التغير المناخي وشح الأمطار والجفاف الذي بات يهدد كامل منطقة المغرب العربي".