1. الرئيسية 2. بانوراما إصدار جديد عن تجارب "الحكم الذاتي" حول العالم.. ما بين نجاح الوحدوية وانتكاسات أطروحات الانفصال الصحيفة - خولة اجعيفري الثلاثاء 11 مارس 2025 - 9:00 يشكل الحكم الذاتي واحدًا من أكثر الحلول السياسية نجاعة في تدبير النزاعات الإقليمية، وقد أثبت فعاليته في تجارب عدة حول العالم، وفق ما يستعرضه الكاتب والإعلامي محمد زيتوني في كتابه الجديد "تجارب الحكم الذاتي حول العالم: ما بين نجاح الوحدوية وانتكاسات أطروحات الانفصال"، ليقدم مقاربة تحليلية معمقة حول هذا المفهوم، من خلال استعراض تجارب دولية متعددة، والتطرق إلى أبعاده القانونية، السياسية، والاجتماعية. ويمثل هذا الإصدار إضافة نوعية للنقاشات الأكاديمية والسياسية حول سبل معالجة النزاعات الإقليمية بعيدًا عن النزعات الانفصالية التي كثيرًا ما تقود إلى الفوضى والحروب الأهلية، إذ يعتمد الكاتب على تحليل تاريخي وسياسي، مستندًا إلى نماذج دولية ناجحة، مثل إقليم الباسك في إسبانيا، واسكتلندا في المملكة المتحدة، وإقليمجنوب تيرول في إيطاليا، وإقليم أتشيه في إندونيسيا، لتوضيح كيف يمكن للحكم الذاتي أن يكون أداة فعالة لتحقيق التوازن بين مطالب الأقليات والحفاظ على وحدة الدول. ويبدأ الكتاب باستعراض مفهوم الحكم الذاتي من زاوية قانونية وسياسية، باعتباره آلية دستورية تمنح بعض الأقاليم أو المناطق قدرًا من الاستقلالية في إدارة شؤونها الداخلية، دون الانفصال عن الدولة الأم. ويؤكد الكاتب أن الحكم الذاتي ليس مجرد امتياز تمنحه الحكومات المركزية، بل هو نموذج سياسي متكامل يستند إلى معايير قانونية واضحة، حيث يضمن للأقاليم سلطات تشريعية وتنفيذية في مجالات محددة، بينما تحتفظ الحكومة المركزية بسلطات سيادية مثل السياسة الخارجية والدفاع. ويستعرض الكاتب التطور التاريخي لمبدأ الحكم الذاتي، مشيرًا إلى أن هذا المفهوم تعزز في القانون الدولي كبديل للحركات الانفصالية التي شهدها العالم خلال القرن العشرين، إذ ظهر الحكم الذاتي كمقاربة عملية لتسوية النزاعات القائمة على أسس عرقية أو ثقافية، مما مكن العديد من الدول من الحفاظ على استقرارها الداخلي وتفادي التقسيم. بين مبدأ تقرير المصير وإشكاليات الواقع السياسي يقدم الكتاب تحليلًا عميقًا لمبدأ تقرير المصير، الذي شكل على مدى العقود الماضية إحدى الأدوات الأساسية في القانون الدولي. ويوضح الكاتب أن هذا المبدأ، رغم أنه كان وسيلة رئيسية لإنهاء الاستعمار وتمكين الشعوب من الاستقلال، إلا أنه أصبح في بعض الحالات أداة لتفتيت الدول واستغلال الأقليات لإضعاف الحكومات المركزية. ويشير الكاتب إلى أن مبدأ تقرير المصير تم ترسيخه في القانون الدولي عبر عدة محطات تاريخية، منها، المبادئ الأربعة عشر للرئيس الأمريكي وودرو ويلسون (1918)، التي دعت إلى منح الشعوب الحق في تقرير مصيرها، ميثاق الأممالمتحدة (1945)، الذي أكد على حق الشعوب في اختيار أنظمتها السياسية، إعلان حقوق الشعوب المستعمرة (1960)، الذي منح الشعوب الخاضعة للاستعمار حق الاستقلال، والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية (1966)، الذي رسخ حق الشعوب في تقرير مصيرها ضمن إطار القانون الدولي. لكن الكاتب يحذر من أن الدول الاستعمارية استخدمت هذا المبدأ أحيانًا كوسيلة لفرض أجنداتها السياسية، عبر دعم الحركات الانفصالية في بعض الدول، مما أدى إلى زعزعة استقرارها السياسي والاقتصادي، ويبرز هذا التناقض من خلال تحليل حالات شهدت صراعات انفصالية مدمرة بسبب استغلال القوى الخارجية لهذا المبدأ لخدمة مصالحها الجيوسياسية. نماذج دولية للحكم الذاتي: نجاحات وتحديات يخصص الكاتب جزءًا مهمًا من الكتاب لاستعراض نماذج دولية نجحت في تطبيق الحكم الذاتي، مشيرًا إلى أن هذه التجارب حققت نتائج إيجابية في تحقيق الاستقرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي، من بين هذه النماذج، إقليم الباسك في إسبانيا: يتمتع الإقليم بحكم ذاتي موسع، حيث لديه برلمان وحكومة محلية تدير شؤونه الداخلية، بينما تبقى السلطة المركزية مسؤولة عن القضايا السيادية مثل السياسة الخارجية. وقد ساهم هذا النموذج في تعزيز التعايش السلمي بين مكونات المجتمع الإسباني. واسكتلندا في المملكة المتحدة، إذ تعتبر تجربة اسكتلندا من بين أبرز النماذج الحديثة للحكم الذاتي، حيث تمتلك برلمانها الخاص وتدير شؤونها العامة بشكل مستقل، في حين تبقى السياسة الخارجية والدفاع من صلاحيات الحكومة البريطانية المركزية. ثم يسلط الضوء على إقليمجنوب تيرول في إيطاليا، إذ يتمتع بحكم ذاتي موسع يضمن لسكانه الناطقين بالألمانية إدارة شؤونهم المحلية بشكل مستقل، مع الحفاظ على ارتباطهم بالدولة الإيطالية، وأخيرا إقليم أتشيه في إندونيسيا، إذ تمكن من تحقيق استقلالية واسعة بعد سنوات من النزاع المسلح، مما ساهم في إنهاء الصراع وتحقيق التنمية المحلية. ويؤكد الكاتب أن هذه التجارب أثبتت أن الحكم الذاتي يمثل حلًا سياسيًا ناجعًا في الحد من النزاعات الإقليمية، وتعزيز التنمية، وضمان الحقوق الثقافية واللغوية للأقليات، دون اللجوء إلى الانفصال. الحكم الذاتي في السياق المغاربي: حل لقضية الصحراء المغربية في سياق تحليله لأهمية الحكم الذاتي في حل النزاعات، يسلط الكاتب الضوء على ملف الصحراء المغربية، معتبرًا أن المقترح المغربي للحكم الذاتي يمثل الحل الواقعي والمستدام لإنهاء هذا النزاع، خصوصًا في ظل الدعم الدولي المتزايد لهذه المبادرة. ويرى الكاتب أن التقارب المغربي-الجزائري يمثل مفتاحًا رئيسيًا لحل الخلافات الإقليمية، داعيًا إلى تجاوز الصراعات السياسية التي تعرقل تطور وازدهار دول المغرب العربي، ويشدد على أن اعتماد خيار الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية، كما يقترح المغرب، يمثل حلاً عمليًا يضمن حقوق سكان الصحراء، ويعزز الاستقرار في المنطقة. الجيوسياسية العالمية وتأثيرها على النزاعات الإقليمية إلى جانب استعراضه لنماذج الحكم الذاتي، يتناول الكاتب التحولات الجيوسياسية العالمية، مسلطًا الضوء على التنافس بين القوى الكبرى، مثل الولاياتالمتحدة والاتحاد الأوروبي من جهة، وروسيا والصين من جهة أخرى، وتأثير هذا الصراع على القضايا الإقليمية. كما يناقش الكاتب دور إيران في إعادة تشكيل خريطة النفوذ في الشرق الأوسط، مشيرًا إلى استراتيجياتها الهادفة إلى إضعاف الدول العربية من خلال دعم حركات انفصالية ومليشيات مسلحة، مما يساهم في زعزعة الاستقرار الإقليمي. ويخلص الكتاب إلى أن الحكم الذاتي يمثل أحد أكثر الحلول السياسية نجاعة في تسوية النزاعات الإقليمية، كونه يوفر إطارًا قانونيًا يوازن بين مطالب الاستقلال الذاتي والحفاظ على وحدة الدول، ويشدد الكاتب على ضرورة تطوير آليات تنفيذية للحكم الذاتي في المناطق التي تشهد توترات سياسية، بما يضمن استقرارها على المدى البعيد. ويمثل هذا الإصدار إضافة مهمة للنقاشات حول كيفية إدارة التنوع السياسي والثقافي داخل الدول، وهو مرجع أساسي لصناع القرار، والباحثين في الشؤون السياسية، والمهتمين بقضايا الحوكمة والنزاعات الإقليمية