الآراء الواردة في مقالات الرأي تعبر عن مواقف كاتبيها وليس على الخط التحريري لمؤسسة الصحيفة 1. الرئيسية 2. آراء الانتخابات، الذكاء الاصطناعي والديمقراطية محسن السوري الأربعاء 5 فبراير 2025 - 14:58 تتيح التطورات الأخيرة التي شهدتها الساحة السياسية الوطنية فرصة تقديم قراءة متماسكة لمجموعة من العناصر المختلفة التي ظلت تتفاعل فيما بينها فترة من الوقت غير أن تناثرها وتوزعها هنا وهناك كان يجعل عملية التوليف بينها ليست يسيرة. في الواقع، التحليل السياسي نفسه، بالمعنى التقني للمفهوم، إن هو توقف عند وصف "المعطيات" المؤسساتية والقانونية فقط، فإنه يتعذر عليه لم شمل المعلومات والتطورات المتعددة التي يكون مسرحها مجتمع ما محدد. في ضوء هذه التوطئة النظرية السريعة، يمكن أن نعتبر أن ما سمي "تسخينات انتخابية"، تمثلت في تراشقات سياسية يظهر صراحة أنها نابعة من لا شيء ولا مبرر لها، طالما أن التأكيد المتواصل على تماسك وانسجام الحكومة لم ينقطع منذ اللحظات الأولى لتشكيلها. إن ما يكشفه هذا الارتفاع في منسوب التوتر السياسي هو حقيقة أن هناك نوع من النسيان المؤسف للديمقراطية في بلادنا. والحال أن البنية التحتية لكل ما عداها من قيم ومؤسسات لن يكون له معنى إلا في ظلها وفقط. بطبيعة الحال، يلاحظ الجميع أن هناك قفز متسرع للحديث عن حكومة المونديال، لكن ماذا عن انتخابات حكومة المونديال، بل وحتى عن الانتخابات التي بعد سنة 2030، ماذا تم الإعداد لها سياسيا وقيميا بعيدا عن "شرعية الإنجاز"، ألن يكون من الأفيد والأولى أن نبدأ بالأقرب قبل أن نصل إلى الأبعد، أقصد أن الطريقة السليمة لمعرفة المستقبل هي عبر العمل باتجاهه وليس القفز إليه رأسا، والعمل المشار إليه هنا يخص قبل كل شيء الخطاب والتواصل السياسيين والاستراتيجيا والتراكم الديمقراطي اليومي المتعلق بانتخابات وحكومة 2026. أو ما يمكن أن نختصره ب "واجب الإقناع". إننا يجب أن نضع نصب أعيننا أنه علينا أن نخرج ببلد بعد المونديال ليس فقط معززا بتجهيزات وبنيات أساسية وملاعب وفنادق، على أهميتها، وإنما تحديدا أيضا بوعي جديد، وثقة مستجدة تمس أكبر قدر من المواطنين إذ لولاها لا يستقيم إطالة الكلام عن الابتكار والاستدامة والتنافسية، وما إلى ذلك من الشروط والمقتضيات الرئيسية اللازمة لنمو الاقتصاد الوطني، وفيما يتعلق بالتنمية البشرية والاجتماعية والثقافية... ولعل من المتغيرات الكثيرة التي ستنظَم ضمنها الانتخابات المقبلة، وتجد الديمقراطية نفسها فيها ملزمة بالتعامل والتعايش معها، لن يكون أبرزها بالتأكيد سوى الذكاء الاصطناعي، فلئن كانت الإحالة إلى هذا المتغير قد ارتفعت بشكل كبير في الآونة الأخيرة، وأضحى في واجهة المشهد الإعلامي والسياسي، رغم أنه قديم نسبيا إلى حد ما، فإن تأثير الذكاء الاصطناعي اليوم سوف يكون بما لا يقاس مع السنوات الفارطة، ولأن التقنيات الجديدة التي ظهرت لم تكن موجودة من قبل على غرار القدرة على الكتابة وإنجاز المهام المختلفة المرتبطة بالعديد من المهن. مما لا شك فيه، يوجد فعلا نوع من الوعي بأهمية الذكاء الاصطناعي والمخاطر والتحديات المرتبطة به، لكن واقعيا لا يبدو أن هناك فهم لكيفية اشتغاله إذ على ما يتبين أن "بداهته" تخفي وتحجب عن أغلبية الناس والفاعلين فعاليته الحقيقية، فلا معنى لانتقاد وسائل التواصل الاجتماعي "كفيسبوك" مثلا، والاندهاش من قدرته على التوقع والاقتراح كما لو أنه يقرأ الأفكار، وفي نفس الوقت نظل طيلة الوقت نُسِّر بالأفكار والرغبات والانتظارات في أحاديث على "الواتساب" نصا وصوتا وصورة طالما أن هذه الخدمة تتبع للشركة الأم ذاتها "ميتا"ّ، ونوافق في نفس الآن على شروط الاستخدام الخاصة بهذه البرمجيات. إن الذكاء الاصطناعي يظل اصطناعيا، وهذه فكرة عليها أن تبقى حاضرة في أذهاننا، فالأخبار الزائفة على سبيل المثال قد تكون ضارة ولا شك، لاسيما في القضايا الحرجة، بيد أنها قد تكون نافعة في تغذية الخوادم. إنها تقوم بشكل ما بنوع من التضليل "للعقل" الذي يضبطها بحيث تزوده بمعلومات مغلوطة تحد من قدرته على الاستباقية والاقتراح. وبالتحديد، هذه هي الخطورة الحقيقية للأخبار الزائفة، ومدار التجريم القانوني يجب أن ينصب على هذا الأمر قبل غيره، خاصة في الحالة التي يصير فيها التضليل مؤسسة قائمة الذات تقف خلفها قوى وشركات متخصصة. سوف تُجرى انتخابات سنة 2026 في سياق هيمنة شاملة لمواقع التواصل الاجتماعي، وقد كان التقرير الأخير للمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي تحت عنوان "من أجل بيئة رقمية دامجة توفر الحماية للأطفال" دلا كثيرا في هذا الباب، حيث تصل نسبة الأطفال المغاربة الذين يستعملون مواقع التواصل الاجتماعي إلى 100% تقريبا، مع ما يصاحب ذلك من مخاطر وتأثير قد يمس السيادة أو الأمن الفكري إن جاز التعبير، فقد تنكسر تلك الرابطة الهشة التي تجمع الواقع بالافتراضي في أي وقت، وهذا سبب كاف لكي ننتبه إلى خطورة وعدم جدوى الفراغ والصمت ومحاولة تغطيته ب "المهارات التدبيرية" أو الفيديوهات التسويقية "لإنجازات" قد لا يعرف أهميتها سوى نحن دون غيرنا. لكن المسألة ليست سلبية بالكامل. فهناك أيضا بعض الجوانب الجيدة قد لا تظهر للجميع لكنها موجودة. ولئن كان الذكاء الاصطناعي حاليا يلعب دورا محوريا، سواء فيسبوك أو تيكتوك أو يوتوب وغيرها، فإن الصحافة الحزبية الورقية صارت اليوم جوهرية في الصراع السياسي، إذ قد تُكسب فيها ومن خلالها بعض الأشياء والمواقع على نحو ناعم إن لم نقل خفي. هذا دون أن نُعرِّج على اليقظة السياسية التي ترى أن صورة واحدة من شأنها أن تختزن وتختزل آلاف الكلمات. على أنه لا ينبغي أن نعود إلى زمن سياسي سابق انقضى وولى، لدرجة أن يصرح فاعلون بأن المغرب عاد إلى ما قبل 2011، وأن الديمقراطية صارت في خبر كان والمشهد متحكم فيه، فهذا الكلام كان وجيها في سياق معين، أما وأن تستمر "الحيلة" إياها وأنت لا تنحذر أصلا من أحزاب الحركة الوطنية، فلا تلومن إلا أنفسكم إن لم يحالفكم الفهم في الانتخابات المقبلة التي لم يبقى لها من الزمن سوى عام ونصف. بطبيعة الحال، وختاما، فالبنية التحتية المادية الصلبة للانتخابات تظل هي نفسها، والتغير الفجائي الكبير للأحجام غير وارد، كما أن السياسة في ذاتها لا تنسى وذاكرتها قوية، فإن كان هناك ما يجب الافتخار به فعلا فلن يكون إلا ذلك التسييس الواسع والتنشأة الاجتماعية التي اختبرها العديد من المواطنين خلال حكومة العدالة والتنمية الأولى، وهو الأمر الذي يبدو أنه أضحى جميع الفرقاء السياسيين مدعويين للقيام به لكن في حدود معقولة وخطوات مدروسة ينبغي على الكل التفكير فيها من الآن للانتقال إلى التنزيل في أقرب وقت.