1. الرئيسية 2. المغرب من زاكورة المهمشة إلى بلاد "العم سام" ثم تل أبيب.. قصّة عبد العزيز قاضي الذي وصفته الصحافة الإسرائيلية ب"الذئب المنفرد" الذي خدع "الشاباك" الصحيفة من الرباط الأربعاء 22 يناير 2025 - 14:37 وسط شوارع تل أبيب المزدحمة، اهتزت المدينة على صدمة جديدة، شاب مغربي يدعى عبد العزيز قاضي، البالغ من العمر 29 عامًا، نفذ عملية طعن أصابت أربعة إسرائيليين، بينهم جندي سابق، وصارت عنوانا عريضا للصحف والمجلات حول العالم. العملية، التي باركتها حركتا حماس والجهاد الإسلامي، أثارت تساؤلات حول قصة هذا الشاب القادم من عمق المغرب العميق زاكورة، والذي وجد نفسه في خضم مواجهة دموية على أرضٍ بعيدة، جاءها طالبا ل"الشهادة". ولد عبد العزيز قاضي عام 1995 في إقليم زاكورة، إحدى المناطق الأكثر تهميشًا في المغرب، كبرت أحلامه في بيئة قاحلة، حيث يطارد الشباب فرص النجاة في وجه ظروف اجتماعية واقتصادية قاسية أهمها البطالة. لحظة التحول الكبيرة في قصة الشاب العشريني كانت في شتنبر 2022، عندما وجد عبد العزيز بابًا مفتوحًا للهجرة بعد فوزه في "القرعة" الخاصة ببرنامج تأشيرات التنوع الأمريكي، ما أتاح له فرصة الهجرة إلى الولاياتالمتحدة، حيث سعى إلى تحسين حياته والارتقاء بوضعه الاجتماعي. بطاقة إقامة عبد العزيز قاضي في الولاياتالمتحدةالأمريكية بعد حصوله على بطاقة الإقامة الأمريكية، بدأ عبد العزيز مرحلة جديدة من حياته، عبر حساباته على وسائل التواصل الاجتماعي، حيث كان يقدم نصائحه للشباب المغاربة حول كيفية التقديم على برنامج الهجرة، مشجعًا الآخرين على اغتنام هذه الفرصة، لكن على ما يبدو، حمل عبد العزيز داخله قضية أكبر من مجرد تحقيق الذات، لتتضح لاحقًا في مساره المفاجئ. في 18 يناير 2025، دخل عبد العزيز إسرائيل عبر مطار بن غوريون، قادمًا من بولندا في رحلة "كونكشن"، ورغم الشكوك التي أثارها، تمكن من تجاوز استجواب مفتشي الحدود الإسرائيليين، الذين حاولوا منعه من الدخول، إلا أن مسؤولي أمن "الشاباك" قرروا السماح له بالعبور، وهو قرار واجه انتقادات لاحقة من وزير الداخلية الإسرائيلي موشيه أربيل. عبد العزيز دخل إسرائيل بمفرده، دون مرافقين أو عنوان إقامة واضح، وكان من المفترض أن يمكث أربعة أيام فقط، إلا أن اليوم الثالث شهد تنفيذ عمليته التي شغلت وسائل الإعلام. بدأ عبد العزيز هجومه في شارع "نحلات بنيامين"، وهو شارع حيوي في تل أبيب، هناك، أصاب شابين في العشرينيات بجروح طفيفة، ثم انتقل إلى زاوية "شارع جروزنبرج" و"كاليشر"، حيث أصاب اثنين آخرين، أحدهما شاب يبلغ من العمر 28 عامًا إصابته متوسطة، والآخر رجل يبلغ 59 عامًا أصيب بجروح طفيفة في يده. وفقًا للشرطة الإسرائيلية، نفذ عبد العزيز العملية بشكل فردي، مستخدمًا دراجة نارية للتنقل بين موقعي الهجوم. تعليق عبد العزيز قاضي على صفحته على الفايسبوك بعد وصوله إلى الولاياتالمتحدةالأمريكية وأظهرت منشورات عبد العزيز الأخيرة على وسائل التواصل الاجتماعي تضامنًا كبيرًا مع الشعب الفلسطيني، خصوصًا أثناء العدوان الإسرائيلي على غزة، فكانت تدويناته تعبر عن غضب عارم وإدانة للانتهاكات الإسرائيلية، مما يعكس تحولًا فكريًا عميقًا في شخصيته. وأثارت عملية الطعن هذه، ردود فعل متباينة، فقد باركت حركة حماس العملية، ووصفتها ب"البطولية"، مشيرة إلى أنها تأتي ردًا طبيعيًا على الجرائم الإسرائيلية في غزة، بينما أكدت حركة الجهاد الإسلامي أن العملية تعبر عن تضامن الشعوب العربية والإسلامية مع القضية الفلسطينية. من جهتها، فتحت السلطات الإسرائيلية تحقيقًا حول الخلل الأمني الذي سمح بدخول عبد العزيز إلى البلاد، ووزير الداخلية الإسرائيلي وصف الحادث ب"الخطير"، داعيًا جهاز الشاباك إلى استخلاص الدروس، فيما رد الأخير بأن التحقيقات الأمنية لم تكشف عن تهديدات كافية لمنع دخوله. صورة لعبد العزيز قاضي نهاية هذه القصة، التي ما تزال تخفي في طياتها الكثير من الأسرار، تنفتح على كومة من التساؤلات المشروعة منها: كيف لشاب مغربي، قادم من أعماق زاكورة المهمشة، غادر البلاد للبحث عن "أحلامه" في الولاياتالمتحدة أن أن يقطع آلاف الأميال إلى تل أبيب، ليقدم على فعل القتل يصنف كعمل إرهابي؟ هل كان الأمر نتاجًا لتخطيط مدروس أم وليد لحظة طغت فيها الانفعالات؟ هل كان عبد العزيز يتحرك منفردًا تحت وطأة أفكاره وقناعاته، أم أن هناك أطرافًا خفية دفعت به إلى تنفيذ هذه العملية؟ وكيف تمكن من الوصول إلى إسرائيل، بل والتجول فيها، رغم كل الاحتياطات الأمنية؟ تتشابك في قصة عبد العزيز خيوط الفقر المدقع والطموح المجهض، مع الغربة وما تحمله من ضغوط نفسية، والغضب الذي تفجر من تراكم المظالم والصراعات الدينية في الشرق الأوسط، حيث القتل والظلم لشعب فلسطيني أعزل أصبح شريطا يوميا في القنوات الإخبارية، يمارس معه العالم حالة تطبيع فضيعة. عموما، لقد رحل عبد العزيز، لكنه ترك وراءه سيرةً مليئة بالأسئلة المفتوحة، وملفًا يثير اهتمام المراقبين والباحثين على حد سواء، ضمن قصة تختصر مأساة شاب ضائع بين آمال فردية واحتجاجات سياسية، وبين واقع اجتماعي قاسٍ وسياق عالمي مشحون بالصراعات.