1. الرئيسية 2. تقارير ماكرون رابع رئيس فرنسي يخاطب المغاربة من تحت قُبّة البرلمان بعدما خصّه الملك محمد السادس ببروتوكول "زيارة الدولة" الصحيفة - خولة اجعيفري الثلاثاء 29 أكتوبر 2024 - 9:00 تتصدر الزيارة، التي يقوم بها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى المغرب واجهة المشهد السياسي والإعلامي، سيّما وأنها تأتي في سياق يكتسي أبعادًا دبلوماسية استثنائية، بعدما خصّ الملك محمد السادس هذه الزيارة بمراسم "زيارة الدولة"، التي تُعد أرقى درجات الاستقبال بين قادة الدول، ما يعكس عمق الأواصر التي تربط الرباط وباريس، وتطلعهما المشترك إلى إعادة ترتيب الأوراق الاقتصادية والسياسية وفق رؤية قائمة على الثقة المتبادلة. وسيكون من أبرز محطات هذه الزيارة التي استهلها ماكرون أمس الإثنين، إلقاءه خطابًا أمام البرلمان المغربي في جلسة مشتركة تجمع بين مجلسي النواب والمستشارين اليوم الثلاثاء، وهي خطوة تحمل رمزية سياسية ودبلوماسية بالغة، تُجدد ملامح الشراكة بين البلدين، وتعبّر عن تقدير المغرب للدور الفرنسي، لا سيما في ما يتعلق بمواقفه المساندة لقضية الصحراء المغربية. وتأتي هذه الجلسة استنادًا إلى الفصل 68 من الدستور المغربي، الذي يُتيح للبرلمان عقد جلسات خاصة للاستماع إلى رؤساء الدول الأجنبية، وبهذا الخطاب، ينضم ماكرون إلى سجل تاريخي حافل، إذ سبقه إلى هذا المنبر كل من الرؤساء السابقين نيكولا ساركوزي، وفرانسوا هولاند، والراحل جاك شيراك، الذي ألقى خطابًا لا يزال محفورًا في ذاكرة العلاقات الثنائية عام 2003، في تقليد دبلوماسي يعيد صدى خطاب الملك الحسن الثاني أمام البرلمان الفرنسي عام 1996. وقد درج العرف الدبلوماسي الدولي على أنه يجب الإعداد المسبق لبرنامج عمل كامل ينظم زيارة الدولة، ويضبط جميع تفاصيلها سواء المتعلقة بعدد الوفد الزائر ومستوياته البروتوكولية، والجدول الزمني للزيارة، وأهم محطاتها ومضامينها وجدول أعمالها، فضلا عن تفاصيل شؤون تأمين حماية وأمن أفراد الوفد، وترتيبات الإقامة والخدمة والطعام والنشيد والعَلَم الوطنييْن، ومواعيد المقابلات والمؤتمرات الإعلامية. وزيارة الدولة، هي الأعلى مستوى بين أنواع الزيارات التي تتم بين قادة الدول ورؤساء الحكومات، ولها مراسمها الخاصة وبرامجها المميزة، إذ تعد أهم أشكال الاتصالات الدولية في مجال البروتوكول الدبلوماسي، ولا تكون "زيارة دولة" إلا بدعوة رسمية من رئيس الدولة المضيفة لنظيره رئيس الدولة الزائر، فيكون فيها ضيفه شخصيا ويسكن في أحد مقرات إقامته الرسمية حتى نهاية الزيارة، وكقاعدة عامة لا تقام لأي رئيس من نفس الدولة إلا مرة واحدة أثناء مدة حكمه. وتنطوي "زيارة دولة" على معنى سياسي كبير، وتسودها أجواء احتفالية وشرفية كبيرة -على صعيديْ الاستقبال والتوديع- تنظمها الدولة المضيفة للرئيس الزائر، ويراعى فيها التقيد التام بجميع إجراءات البروتوكول بعد التوافق عليها بين الطرفين قبل بدء الزيارة. وفي الأعراف الدبلوماسية المتعارف عليها، يُدعى الضيف إلى زيارة الهيئة التشريعية أي البرلمان، ويُسمح له بإلقاء خطاب فيه، وفي العادة يكون طول "البساط الأحمر" الذي ينزل عليه رئيس الدولة الزائر 50 مترا، وهو ما يُفسر من جهة ثانية حجم التحضيرات والترتيبات التي تشهدها العاصمة الرباط، ومُحيطها منذ أيام، وتزيّنها بأعلام الدولتين احتفالا بزيارة الرئيس الفرنسي، التي تعد الثانية من نوعها في إطارها الرسمي، والأولى من نوعها ك "زيارة دولة". وفي هذا الإطار يرى تاج الدين الحسيني، أستاذ القانون الدولي والعلاقات الدولية بجامعة محمد الخامس بالرباط محمد تاج الدين الحسيني، أن هذه الزيارة التي دُعي إليها إيمانويل ماكرون، بوصفها "زيارة دولة"، تفرض استنادا إلى المعجم الدبلوماسي، وجود عدة مقومات، من بينها توقيع اتفاقيات ذات طبيعة استراتيجية، وتواصل أكثر أهمية مع السلطات الأساسية بما فيها السلطة التشريعية، أي نوع من الاهتمام الاستثنائي، وحتى المدة تكون مختلفة عن الزيارات الخاصة أو العادية. الحسيني، وفي تصريح خصّ به "الصحيفة"، أوضح أن زيارة الدولة تكون مؤسسة بهذا الشكل الاستثنائي عادة، معتبرا أن زيارة ماكرون هاته تبرر هذا النوع من التأسيس الاستثنائي سيّما في ظل الموقف الذي اتخذه مؤخرا وعبر عنه من خلال الرسالة التي بعث بها إلى العاهل المغربي في ذكرى ربع قرن من توليه العرش، إذ أقر لأول مرة في التاريخ الفرنسي بأن مشروع الحكم الذاتي سيعتبر من طرف فرنسا هو الحل الوحيد لتسوية النزاع المفتعل حول الصحراء، بل أكثر من ذلك أشار إلى أن حاضر الصحراء ومستقبلها لا يمكن أن يندرج إلا في ظل السيادة المغربية، وهذا التصريح في حد ذاته هو اعتراف قوي وصريح بالسيادة المغربية. وشدّد الخبير في العلاقات الدولية، على أن لهذا الاعتراف ما بعده، ولهذا الملك وجه لماكرون الشكر من قبة البرلمان بمناسبة افتتاح الدورة الخريفية، وهذا أمر نادر في الممارسات الرئاسية أو الملكية، لافتا إلى أن "هذه الزيارة تأتي في إطار رغبة ملحة لطي صفحة الخلاف بشكل كامل بعد ثلاث سنوات من الأزمات، أقلها أزمة التأشيرات، وأزمة "بيغاسوس"، وأخرى عرفتها العلاقات الفرنسية المغربية، وبالتالي البحث في منظور جديد لمستقبل ربما سيخدم مصالح الطرفين خلال الثلاثين سنة المقبلة". ويرى الحسيني، أنه لم يكن من الغرابة بمكان أن يكون الرئيس الفرنسي مرفوقا بمئة من الشخصيات التي انضمت لوفده تضم تسعة وزراء بينهم كل وزراء السيادة الفرنسيين، معتبرا أن "هذا الحضور القوي يفسر بأن الطرفين مقبلان بدون شك على توقيع اتفاقية كبرى سواء فيما يتعلق بمواكبة المغرب في الاستعدادات لكأس إفريقيا لكرة القدم خلال السنة المقبلة أو كأس العالم سنة 2030، أو تنفيذ المشاريع الكبرى التي ينوي المغرب الاشراف عليها خاصة ما تعلق بتمديد خط الغاز من نيجيريا نحو أوروبا عن طريق المغرب أو ما تعلق بتأسيس العلاقات في إطار الأطلسي. ويظهر واضحا من خلال هذه التركيبة الجديدة في نوعية الاتفاقيات وتطوراتها، حسب تصريح الحسيني ل "الصحيفة"، أن المغرب سوف لن يعود كمنافس لفرنسا في قلب القارة الافريقية، كما كان عليه الحال في الماضي القريب، بل سيصبح بمثابة منصة استراتيجية لتحقيق تعاون قائم على المصلحة المشتركة وعلى مبدأ رابح رابح وعلى مبدأ قيادة المنافسة ضد الوافدين الجدد على افريقيا، بما فيهم دول صاعدة مثل تركيا والهند وخاصة الصين التي تمدد الآن مشروع الحزام والطريق إلى قلب القارة الإفريقية، وبالتالي فرنسا أصبحت بعد انسحابها العسكري من عدة بلدان افريقية في حاجة للمغرب. ويعني هذا، وفق الخبير ذاته، أن المغرب الآن سيصبح شريكا قويا للتعامل مع فرنسا في قلب افريقيا، سواء تعلق الأمر بمحاربة الإرهاب أو ببناء مشاريع اقتصادية كبرى.وبالتالي يُضيف الحسيني: "المغرب مع فرنسا، مقبلان على وضعية جديدة سواء في علاقاتها الثنائية أو المتعددة الأطراف، وحتى بالنسبة للجانب الثقافي يعني حضور كل من الطاهر بنجلون ورشيدة ذاتي التي هي وزيرة التفافة سيعطي نكهة جديدة للفرنكوفونية في المغرب وللاهتمام باللغة الفرنسية". زيارة ماكرون للمغرب