تتوالى المؤشرات الدالة على طي صفحة "الأزمة الصامتة" التي طبعت العلاقات المغربية الفرنسية لأزيد من سنتين، خاصة مع الزيارات المتتالية لمسؤولين فرنسيين، كان آخرهم وزير التجارة الخارجية الفرنسي، فرانك ريستر، الذي زار الرباط الأسبوع الماضي.
وأكد الوزير الفرنسي، في تصريحات صحافية، استعداد بلاده للاستثمار بالأقاليم الجنوبية للملكة، مشددا على أن الوقت حان "لإنعاش العلاقة" بين بلاده والرباط. وأضاف "علينا أن نتأكد من أننا نعمل معا، لدينا مصالح مشتركة".
تصريحات الوزير الفرنسي بخصوص الاستثمار في الأقاليم الجنوبية، تعكس، حسب أستاذ القانون الدولي والعلاقات الدولية تاج الدين الحسيني، "تحولا منهجيا ومنعطفا أساسيا في السياسة الخارجية الفرنسية تجاه المغرب"، مضيفا أن "فرنسا وعت في نهاية المطاف بأنه دون تصحيح المسار في العلاقات المغربية سوف لن تتمكن من العودة إلى علاقات طبيعية كما كانت في الماضي".
واعتبر الحسيني، في حديث ل"الأيام 24″، أنه "عندما تقوم فرنسا بإعلان رغبتها في القيام باستثمارات اقتصادية وثقافية في أقاليم الصحراء من قبيل ما يتعلق بالبعثات الفرنسية التي تشتغل في العيونوالداخلة والشركات والمؤسسات الكبرى التي رخصت لها وزارة الخارجية الفرنسية للعمل انطلاقا من الصحراء المغربية وداخلها، فإن هذا يعد في حد ذاته، بمثابة اعتراف ضمني بالسيادة المغربية".
وأوضح أن مظاهر الاعتراف في القانون الدولي تتوزع إلى اعترافين الأول صريح والثاني ضمني، مبينا أن الأول هو الذي تعلنه وزارة الخارجية أو أسمى سلطة في البلاد كما حدث بالنسبة للرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب باعترافه بالسيادة المغربية على الأقاليم الجنوبية، أما الثاني، فيكون، من خلال التعامل بين البلدين في مختلف المجالات.
وتابع أن السلطات الفرنسية ارتأت في نهاية المطاف أن توظف النموذج الثاني (الاعتراف الضمني)، مشيرا إلى عدة مؤشرات تكشف اختيارها هذا النموذج من قبيل اعتماد المحطات الرسمية الفرنسية للخريطة الكاملة للمغرب بعد أن كانت تنشرها مبتورة.
ولفت الحسيني، إلى أن وزير التجارة الفرنسي بصدد الترخيص لشركة فرنسية للقيام بعملية الربط الكهربائي بين الداخلة ومدينة الدارالبيضاء، مشيرا إلى أن هناك عدة مشاريع كبرى ستساهم فيها مؤسسات فرنسية إما رسمية أو خاصة داخل الصحراء المغربية.
ويرى الحسيني، أن فرنسا شرعت منذ الآن من خلال هذا البرنامج في تنفيذ خطة الاعتراف الضمني، مبينا أنه خلال بضعة أسابيع ستتوج زيارات المسؤولين الفرنسيين بزيارة للرئيس ماكرون شخصيا، متسائلا: هل ستكون هذه الزيارة مشفوعة ومرتبطة باعتراف رسمي بالسيادة المغربية؟ أم أن فرنسا ستحافظ على نفس النمط الذي اتبعته في مواقفها السابقة؟.
وأردف: "في اعتقادي الشخصي، ربما قد تؤدي هذه الزيارة إلى مثل هذا الاعتراف"، مستدركا: لكن يبقى موضوع تحفظ باريس مطروحا أيضا، لأن فرنسا لا تأخذ بعين الاعتبار الموقف المغربي فقط، بل تأخذ بعين الاعتبار أيضا الموقف الجزائري أيضا.
ولفت الحسيني، إلى ردود الفعل التي صدرت عن الصحافة الجزائرية وأجهزة الإعلام الرسمي ضد الفرنسيين بخصوص مواقفهم الأخيرة من الصحراء المغربية، مشيرا إلى أن النظام الجزائري ليس له فقط مشاكل مع فرنسا بل له مشاكل مع بلدان الجوار القريبة، بما فها تلك البلدان التي كان يعتقد أن قيامها بانقلابات عسكرية سيحسب لصالحها.
هذا، وذكر الحسيني، أن الملك محمد السادس سبق وأكد في خطاب شهير أن موقف البلدان المتعاملة مع المغرب من قضية الوحدة الترابية هي بمثابة الإطار الذي يحدد مستقبل العلاقات والمعيار الذي يحدد صدق الصداقات ونجاعة الشراكات.
وأكد أن "تطبيق هذا النوع من التصورات يعتبره المغرب بالنسبة لفرنسا أكثر أهمية بالنسبة لغيرها، خاصة وأن دولا كبرى وازنة اتخذت مواقف جد متقدمة مقارنة مع الموقف الفرنسي على رأسها الولاياتالمتحدةالأمريكية عندما اعترفت بالسيادة المغربية على الأقاليم الجنوبية، ثم ألمانيا وإسبانيا عندما اعتبرت أن مقترح الحكم الذاتي هو الأكثر واقعية وجدية والقابل للتطبيق".
وفي المقابل، ظلت فرنسا، يوضح الحسيني، "متقوقعة في مواقفها السابقة، وهذا لا يفهم من دولة يفترض أن تكون الشريك الأول أو الموازي لإسبانيا في إطار الشراكة الاقتصادية".
وسجل أن العديد من المحللين كانوا يرون أن الموقف الفرنسي من قضية الوحدة الترابية لن يتغير إلا مع نهاية عهد الرئيس الفرنسي الحالي إيمانويل ماكرون، مستدركا: لكن الذي حدث هو أن إدارة ماكرون قررت في نهاية المطاف أن تستمع للصوت المغربي بكثير من التروي وأن تتخذ موقفا لا يمكن أن نعتبره موقفا يتناسب مع الطموحات المغربية، ولكن كيف ما كان الحال هو موقف يصحح المسار وطريقة العمل.