اليسار الأميركي يفشل في تعطيل صفقة بيع أسلحة لإسرائيل بقيمة 20 مليار دولار        خطاب الرئيس الصيني في قمة العشرين.. الدعوة لتعزيز الحوكمة العالمية والتعاون الدولي    شي جين بينغ ولولا دا سيلفا يعلنان تعزيز العلاقات بين الصين والبرازيل    الأساتذة الباحثون بجامعة ابن زهر يحتجّون على مذكّرة وزارية تهدّد مُكتسباتهم المهنية        جائزة "صُنع في قطر" تشعل تنافس 5 أفلام بمهرجان "أجيال السينمائي"    بلاغ قوي للتنسيقية الوطنية لجمعيات الصحافة الرياضية بالمغرب    الفتيان يواصلون التألق بالفوز على ليبيا    الحكومة تتدارس إجراءات تفعيل قانون العقوبات البديلة للحد من الاكتظاظ بالسجون        بوريطة يستقبل رئيسة برلمان صربيا    مجموعة سويسرية تعزز حضورها في الداخلة بالصحراء المغربية.. استثمار متزايد في الطاقات المتجددة        'كوب 29': المغرب يرتقي إلى المركز الثامن في تصنيف مؤشر الأداء المناخي 2025    ولد الشيخ الغزواني يهنئ الملك محمد السادس بمناسبة عيد الاستقلال    "قمة عرض المغرب" تناقش السياحة    المغرب يستضيف خلوة لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة يومي 21 و22 نونبر بالرباط    العصبة الوطنية لكرة القدم الاحترافية تقرر تغيير توقيت انطلاق ديربي البيضاء    الوالي التازي يشرف على افتتاح مركز "للا فاطمة الزهراء" متعدد التخصصات لدعم الأطفال المحرومين من الأسرة    ارتفاع طفيف في تداولات بورصة الدار البيضاء    صفقات مشهوبة تدفع حماة المال العام للمطالبة بالتحقيق مع الوزير السابق ميراوي    ارتفاع طفيف في أداء بورصة البيضاء    فيتو أميركي في مجلس الأمن على مشروع قرار لوقف إطلاق النار في غزة    توقعات أحوال الطقس لنهار اليوم الأربعاء    تفاصيل نجاة فنانة مصرية من الموت    "حزب الله" يتوعد بقصف "وسط تل أبيب"    منح 12 مليون درهم لدعم إنشاء ثلاث قاعات سينمائية    ""البيجيدي" يدعو مجلس المنافسة للتحقيق في شبهة تواطؤات بسوق الدواجن والبيض    الخطوط والألوان في لوحة للفنان التشكيلي عبد الكريم بنطاطو    منظمة الصحة تصدر ترخيصا لأول لقاح لفيروس جدري القردة للأطفال            الفنان حسن الدالي بحصل على 5 نجمات في البرنامج الفني ستارلايت ويواصل التباري من اجل الدخول الى عالم أضواء النجوم    نادال مودعا ملاعب التنس: " أريد أن يتذكرني الناس أنني كنت شخصا طيبا قادما من قرية صغيرة قرب مايوركا"    الجامعة تُهنئ نادي الجيش الملكي بعد التأهل لنهائي دوري أبطال أفريقيا للسيدات    الشامي: 8.5 مليون مغربي ما زالوا خارج التغطية الصحية والقطاع الخاص يلتهم نفقات العلاج    سيناتور أمريكي يدعو لإنهاء تواطؤ بلاده في الإبادة الإسرائيلية بغزة    إلياس المالكي يعود إلى السجن..    تلاميذ مغاربة يحرزون 4 ميداليات في أولمبياد العربية في الراضيات    المجلس الاقتصادي: متوسط كلفة مريض في القطاع الخاص تفوف نظيره بالقطاع العام خمس مرات    حوادث تخلف 36 قتيلا في مدن المغرب    تفاصيل قضية تلوث معلبات التونة بالزئبق..    دراسة: المواظبة على استهلاك الفستق تحافظ على البصر    من الحمى إلى الالتهابات .. أعراض الحصبة عند الأطفال    فعاليات الملتقى الإقليمي للمدن المبدعة بالدول العربية    أمزيان تختتم ورشات إلعب المسرح بالأمازيغية    محاميان مغربيان يطالبان بإعتقال ومحاكمة نتنياهو بتهمة الإبادة الجماعية في غزة        رغم الانتصار على الغابون وليسوتو... المنتخب المغربي يتراجع بمركز في الترتيب العالمي    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    أوكرانيا تستخدم صواريخ "أتاكمس" الأمريكية في ضرب الأراضي الروسية..    "من المسافة صفر".. 22 قصّة تخاطب العالم عن صمود المخيمات في غزة    روسيا تبدأ الاختبارات السريرية لدواء مضاد لسرطان الدم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    غياب علماء الدين عن النقاش العمومي.. سكنفل: علماء الأمة ليسوا مثيرين للفتنة ولا ساكتين عن الحق    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الإسلاميون يسبحون خارج التاريخ والواقع
نشر في الصحيفة يوم 17 - 11 - 2022


1. الرئيسية
2. آراء
الإسلاميون يسبحون خارج التاريخ والواقع
سعيد الكحل
الأربعاء 27 دجنبر 2023 - 15:11
تتعدد مكونات تيار الإسلام السياسي تنظيميا وتختلف سياسيا لكنها تتوحد في موقفها من تعديل مدونة الأسرة. وهذا الموقف ليس وليد اليوم، بل اتخذته منذ الإعلان عن عريضة مليون توقيع من طرف الاتحاد النسائي، في بداية تسعينيات القرن العشرين؛ إذ أعلنت معارضتها الشديدة لأي تعديل لبنود مدونة الأحوال الشخصية. وقد شددت تلك التنظيمات، حينها، على "قدسية" المدونة التي لا ينبغي المساس بها، علما أن بنودها اجتهاد بشري أملته ظروف تاريخية واجتماعية لم تعد قائمة. وعلى مدار ثلاثة عقود لم تقدّم تنظيمات الإسلام السياسي مقترحات تعديل المدونة تنسجم مع قيم العصر وتستجيب للمتغيرات الاجتماعية والثقافية التي يعرفها المجتمع المغربي، وإنما اكتفت بمناهضة المطالب النسائية من أجل رفع كل أشكال الظلم الاجتماعي والعنف المبني على النوع.
أي نموذج للأسرة يقدمه الإسلاميون؟
يلاحظ المتتبع لما تنشره المواقع التابعة لتنظيمات الإسلام السياسي أن هذه الأخيرة تتنكر لنضالات الحركة النسائية ولأهمية المكاسب الحقوقية التي حققتها لعموم نساء المغرب بمن فيهن نساء تلك التنظيمات اللائي استفدن منها رغم مناهضتهن لها. وتعلل تلك التنظيمات مواقفها المناهضة لتعديل المدونة بكون هذه الأخيرة تشكل المجال الوحيد الذي تطبق فيه أحكام الشريعة، ومن ثم فإن الأسرة بحاجة إلى تطبيق التعاليم الدينية أكثر من حاجتها إلى القوانين. وهذا ما أكد عليه الأمين العام لحزب العدالة والتنمية، عبد الإله ابن كيران، خلال الملتقى الجهوي النسائي لحزبه يوم 2 ديسمبر2023، من "أن الأسرة لا يمكن ضبطها وتنظيم علاقاتها وضمان استقرارها بالقوانين فقط، بل أساسا عبر الالتزام بالدين والخوف من الله، وبالمعقول والنية". وإذا احتكمنا إلى هذا المنطق فينبغي أن تكون الأسر المنتمية للتنظيمات الإسلامية نموذجا في المودة والسكينة وخالية من الصراعات والمشاكل العائلية التي تعاني منها الأسر المغربية عموما وتتمتع فيها النساء بحقوقهن. بينما الواقع يشهد خلاف ذلك، إذ لا تخلو أسر الإسلاميين من ذات المشاكل والصراعات التي تشهدها عموم الأسر. وقد شهدت قاعات المحاكم دعاوى التطليق للشقاق رفعتها نسوة من التنظيمات الإسلامية بعدما فشلت "التعاليم الدينية" في تجاوز مسبباتها. وبذلك تثبت تلك التنظيمات أهمية القوانين في معالجة المشاكل الأسرية التي لا يمكن مواجهتها إلا بقوانين زجرية، أو كما قال الخليفة عثمان بن عفان "إن الله ليزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن". وإذا كان الإسلاميون موقنين أن أسرهم ليست بحاجة إلى قوانين حتى تحافظ على استقرارها، فما عليهم سوى التراجع عن مناهضة المطالب النسائية مادامت نساؤهم مستغنيات عنها ولسن بحاجة إليها.
تكريس ظلم النساء باسم الدين.
إن التبريرات التي يقدمها الإسلاميون لمناهضتهم المطالب النسائية تكشف عن عداء صريح للنساء وإصرار على استغلالهن باسم الدين. فما يهم الإسلاميين ليس الدين ومقاصد الشريعة، بقدر ما يهمهم الإخلاص لثقافتهم الذكورية وعقائدهم الإيديولوجية التي تتعامل مع المرأة ككائن قاصر لا يحسن الاختيار ولا يجيد التدبير. لهذا ناهضوا ولاية المرأة على نفسها في الزواج وحرّموا عليها، عقودا، المشاركة في الانتخابات والعضوية في المؤسسات التشريعية، كما حرّموا عليها تولي مهن القضاء بتعلة أن النساء "ناقصات عقل".
لقد تجاوز الإسلاميون امتهان المرأة إلى أكل أموالها بالباطل مستعصمين بالتراث الفقهي الذي أنتجته بيئة اجتماعية وثقافية وسياق تاريخي طواهما الزمان. ومما يتشبث به الإسلاميون دون غيرهم من الأحزاب السياسية المغربية، نظام "التعصيب" الذي لا أساس له في القرآن الكريم. ذلك أن المذكرات التي قدمتها التنظيمات الإسلامية (حركة التوحيد والإصلاح، حزب العدالة والتنمية، القطاع النسائي)، وكذا التصريحات والمقالات التي صدرت عن قياداتها وكتبتها، تشدد على عدم المساس بالتعصيب عند تعديل مدونة الأسرة. إذ جاء في مذكرة حركة التوحيد والإصلاح المقدمة إلى لجنة تعديل المدونة أن "نظام الإرث في الإسلام مصدره العليم الحكيم وهو جزء من نظام الأسرة بأحكامها المتعددة، وكل تدخل فيه بالتغيير قد يؤثر على أحكام أخرى". ففي مقالة للأستاذ خالد الصمدي بتاريخ 8 ديسمبر 2023، نجده متشبثا بالتعصيب ويقدم تبريرات منفصلة عن الواقع الاجتماعي كالتالي (فقد حدد الله تعالى نصيب البنت إذا انفردت في نصف التركة لوحدها "فلها نصف ما ترك" والنصف الآخر يرثه باقي الورثة من العصبة الذكور، ممن هم ليسوا من درجتها بينهم بالتساوي وإن كانوا بالعشرات. وهو الذي أعطى لمتعدد من الإخوة الاناث الثلثان بالتساوي فيما بينهم إذا لم يكن معهم وارث ذكر من درجتهم، حين قال "فإن كن نساء فوق اثنتين فلهن الثلثان مما ترك"، والثلث الباقي للوارثين عصبة الذكور إن وجدوا وإن كانوا بالعشرات أيضا، فيكون نصيب البنت أكبر بكثير من نصيب أي واحد من هؤلاء الذكور، وفي كل هذه الحالات أيضا تبقى نفقة الإناث واجبة على الذكور بالتضامن فيما بينهم الى أن يوجد لهم من يعيلهم ويصون كرامتهم وحرمتهم).
رغم تحمل السيد الصمدي لمسؤولية حكومية ضمن أعضاء من حزبه بينهم وزير العدل السيد مصطفى الرميد، فهو يعاند الواقع وينكر المآسي التي تسبب ويتسبب فيها العصبة للأسر التي لم ترزق ذكورا، بحيث لم تأخذهم رحمة ولا شفقة وهم يشردون البنات ويستحوذون على نصيب من التركة التي لم يساهموا إطلاقا في تحصيلها. وكان على الصمدي أن يستفسر زميله الرميد عن حجم الملفات المعروضة على القضاء في هذا الخصوص قبل أن يخط مقالته. إذ كيف لمن شرّدوا البنات أن يتكفلوا بهن ويؤووهن من الضياع ؟ هل اطلع سيادته على المادة 197 من مدونة الأسرة التي تنص على أن (النفقة على الأقارب تجب على الأولاد للوالدين وعلى الأبوين لأولادهما طبقا لأحكام هذه المدونة)؟ هل درس حضرته التراث الفقهي؟ ألم تستوقفه قاعدة "الردّ"؟ وهل يعلم بوجودها وتطبيقها من طرف الرسول (ص) وصحابته؟ أمام هذا التنكر والتجاهل من سيادته، وهو المتخصص في الدراسات الإسلامية، ندعوه إلى الاطلاع على أقوال عمر بن الخطاب وعليّ بن أبي طالب وعثمان بن عفان وابن عبّاس وابن مسعود وجابر بن عبدالله [= جابر بن يزيد] وشريح وعطاء ومجاهد وتَبِعهم في القول بالرد الثوري وأبو حنيفة وأصحابه، وأحمد في أشهر الروايتين عنه. وقد ذهب عثمان بن عفان وجابر بن يزيد إلى القول بأن يُرد الفائض على جميع أصحاب الفروض حتى على الزوج والزوجة. هؤلاء، يا حضرة الوزير السابق، ليسوا من الصنفين اللذين ذكرتهما في مقالتك كالتالي:
"الصنف الأول لا يؤمن بالقرآن أصلا ومع ذلك يسمح لنفسه بالدخول في تأويله، فالنقاش معه ينبغي أن يكون في أصل الايمان بالقرآن المنزل من الرحمن قبل الدخول معه في أية تفاصيل بالحجة والبرهان، وهذا الصنف ينبغي أن يكون منسجما مع نفسه ومع قناعاته فينآى بنفسه عن النقاش الدائر بين المؤمنين بالقرآن حول قطعياته وفهمها وتأويلها وتنزيلها.
أما الصنف الثاني فهو الذي يؤمن بالقرآن، لكنه يحاول أن يفتح كل نصوصه على الفهم والتأويل دون تمييز بين المحكم والمتشابه من آياته دون حجة أو برهان، ويزعم أن حرص البعض على الدفاع عن. شيء اسمه "قطعيات القرآن" إنما هي قضية يختزلها في فهم فئة مجتمعية ذات توجهات معينة لنصوص الدين لتحقيق مكاسب سياسية لا أقل ولا أكثر".
إنهم صحابة رسول الله (ص) وأئمة المسلمين فهموا القرآن وأفتوا بما يصون حقوق الإناث ويحميهن من العصبة. وعلى هذا النهج ينبغي اعتماد قاعدة الرد وإلغاء التعصيب نهائيا من نظام الإرث تحقيقا للعدل الذي هو من مقصد الشريعة وهدفها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.