1. الرئيسية 2. تقارير ملف ترسيم الحدود البحرية "المؤرق".. هل يُعيد العلاقات المغربية الإسبانية إلى نقطة الصفر؟ الصحيفة - خولة اجعيفري الأحد 12 نونبر 2023 - 15:01 خلف الإعلان الذي أصدره الملك محمد السادس، في خطابه بمناسبة الذكرى 48 للمسيرة الخضراء، بشأن عزم المغرب مباشرة أعمال التنقيب عن الموارد الطبيعية بالمحيط الأطلسي قبالة سواحل الصحراء المغربية، حالة من القلق في صفوف الفاعلين السياسيين الإسبان خصوصا على مستوى جزر الكناري، نظراً لما تُمثله السواحل البحرية من أهمية استراتيجية بالنسبة للطرفين. ويُعد ملف ترسيم الحدود البحرية بين المملكتين، واحدا من أهم النقاط الخلافية التي لم يثرها البيان الختامي للقمة "المغربية - الإسبانية" التي احتضنتها العاصمة الرباط، في فبراير الماضي، لفض الخلاف الدبلوماسي، وتدشين خارطة طريق المصالحة التي تَمّت في أبريل 2022، ووضع حدّاً لقطيعة دامت لأكثر من عامين، عقب الاعتراف التاريخي للجارة الشمالية بمغربية الصحراء. إرادة في الرباط .. انزعاج بالجُزر وطمأنة من مدريد وعليه، شكلت دعوة الملك محمد السادس في خطابه بمناسبة ذكرى ال 48 "للمسيرة الخضراء"، إلى ضرورة التنقيب عن الموارد الطبيعية بعرض المحيط الأطلسي المقابل للصحراء المغربية، نوعا من "التهديد" بالنسبة لعدد من السياسيين الإسبان، خصوصا المنتمين منهم إلى اليمين المتطرف المُعاكس لمصالح المملكة، وغير المتوافق تماما مع المواقف الدبلوماسية لحكومة بيدرو سانشيز وعلى رأسها انضمام مدريد لمصاف الدول الأوروبية المؤيدة لمغربية الصحراء، وهو الموقف الذي أفرز في النهاية حالة التقارب الوطيدة بين المملكتين في السنوات الأخيرة والتي أرخت بظلالها الإيجابية على مستوى التنسيق والتعاون المشترك المثمر في مختلف المجالات. وبلغ مستوى القلق من الدعوة الملكية، حد تحذير النائبة الوحيدة عن ائتلاف الكناري، كريستينا فاليدو كريستين، العضوة في الائتلاف الكناري، والتي تشغل منصب نائبة الحزب في مجلس النواب الإسباني منذ يوليوز 2023، حكومة بلادها من هذا المشروع الاستراتيجي الذي يروم بناء أسطول بحري تنافسي من شأنه تحريك عجلة التنمية لتشمل ليس فقط الأقاليم الجنوبية لكن أيضا الدول الأفريقية. و دعت وزير الخارجية الإسباني، خوسية مانويل ألباريس الأربعاء الماضي إلى رفع مستوى الحذر إلى أقصاه، منبّهة إلى أن " مستقبل جزر الكناري، على المحك إذا تحققت مشاريع المغرب للتنقيب عن النفط في المياه القريبة من الأرخبيل"، ومستنكرة ما وصفته ب "صمت الحكومة الإسبانية" أمام الإعلان الذي أصدره الملك محمد السادس. وسُرعان ما تفاعل وزير الخارجية الإسباني المؤقت بدوره، مع هذه التحذيرات التي شرعت في التصاعد، ليطمئن عموم المشككين في النوايا المغربية، موردا أن الرباط "شريك استراتيجي لإسبانيا، وجميع القرارات التي تهم الطرفين ستكون مبنية على الصداقة الثنائية، وهو ما يضمن عدم المس بمصالح جزر الكناري وإسبانيا عموما، حيث أكد أن "هناك العديد من فرق العمل المشتركة بين إسبانيا والمغرب، ومن بينها فريق عمل حول ترسيم الحدود البحرية بين البلدين، وبالتالي لا يوجد أي داع للقلق". توتر ملغى بفضل خارطة الطريق ورغبة المغرب الكبيرة في الاستثمار في الثروات الطبيعية التي تزخر بها سواحله، في الحقيقى ليست وليدة اللحظة أو هي خطة استراتيجية حديثة العهد، إذ لطالما عبّر عنها في مناسبات عدّة "خصوصاً مع الحاجة المتزايدة إلى مصادر الطاقة والموارد الطبيعية.. وهو ما سيُمكن المملكة من تكريس هذه الموارد في تعزيز التنمية بشكل مستدام"، حسبما جاء في تقرير مركز الدراسات التابع للبرلمان المغربي، بيد أن إثارتها من طرف عاهل البلاد وفق توجيهات واضحة للحكومة بالعمل على تسريع الوتيرة بكل "الجدية" التي لطالما دعا إليها، هي التي تسبّبت في إزعاج "البعض" من معادي مصالح المملكة. وفي حديثهم ل "الصحيفة"، حول إمكانية أن تتسبب خطوة التنقيب عن الموارد الطبيعية في عرض المحيط الأطلسي بتوتر جديد وغير مستحب على العلاقات المغربية الإسبانية، أجمع عدد من المحللين السياسيين والفاعلين الحزبيين المغاربة، على أن التعاون وعلاقة الصداقة الوطيدة بين المملكتين ستجعلهما يدبّران نقط الاختلاف بما يضمن إرساء روح خارطة الطريق التي اتفقا عليها قبل سنتين، ومنع تحولها إلى نقطة خلافية تدمّر نسق الرقي بالعلاقات وتعزيزها وفق المتفق عليه. ويرى محمد ملال، رئيس لجنة البنيات الأساسية والطاقة والمعادن والبيئة بمجلس النواب، أن التوافق المغربي الإسباني، سيُواجه كافة التحديات التي تقوم على إحقاق التعاون والخروج من نفق الخلاف حول أي نقطة بما فيها مسألة ترسيم الحدود البحرية التي لا تزال شائكة في نسق العلاقات الثنائية. ملال وفي تصريح خصّ به "الصحيفة"، اعتبر أن نقطة ترسيم الحدود البحرية الإقليمية، هو نقاش بدأ منذ سنوات، ولكن الجديد فيه، هو وجود توافق بين الرباطومدريد بشأنه، وبالتالي "سيخرجون بحلول تقوم على مبدأ رابح رابح، خصوصا وأن إسبانيا تبحث استقرار العلاقات والمغرب يمد لها يد التعاون وهي تبادله نفس الشيء". وشدّد رئيس لجنة البنيات الأساسية والطاقة والمعادن والبيئة في البرلمان المغربي، على أن البلدين "دشنا مجموعة من الاوراش ذات المنفعة المشتركة من بينها تنظيم كاس العالم 2030، والاوراش الاقتصادية التي هي في طور الدراسة والمناقشة بين المملكتين وبالتالي مسألة ترسيم الحدود البحرية لن تكون عائقا مادامت المصلحة المشتركة هي التي ستكون حاضرة" مضيفا: "العالم يعيش على وقع البراغماتية، والمصالح المشتركة لها وقعها ليس فقط على الجانب السياسي والايديولوجي، لكن يبقى كذلك الجانب الاقتصادي لديه الأولوية في كل العلاقات الدولية". وساوس إسبانية لا معنى لها وصادق المغرب على اتفاق الأممالمتحدة لقانون البحار في عام 2007، أي قبل حوالي 15 سنة فقط، وهو التأخير الذي يرجع مرده لسببين رئيسيين وفق تقرير مركز الدارسات البرلماني، يتعلقان بالتأخير الذي استغرقه النقاش حول القانون قبل المصادقة عليه، والمناخ السياسي لتلك الفترة، والتي شهد فيها ملف الصحراء تطورات عدة، خصوصاً بعد دخول اتفاق وقف إطلاق النار حيز التنفيذ مع الجبهة الانفصالية "البوليساريو" في 1991. وتعليقا على الأمر، قال محمد الغربي، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة عبد المالك السعدي بطنجة، إن العلاقة بين مدريدوالرباط باتت "واضحة" أكثر من أي وقت مضى، إلى جانب كون الخطاب الملكي الأخير بمناسبة المسيرة الخضراء بدا "صريحا وواضحا" هو الآخر، وبناء عليه، فإن العلاقات ستبقى في منأى عن أي خلاف مادامت المصلحة مشتركة. وأوضح الغربي، في تصريحه ل "الصحيفة" أن المغرب أظهر نواياه المستقبلية التي تقوم على التوجهات الاستراتيجية، سيّما في الشق المرتبط بالبعد الاطلسي، على اعتبار أن المملكة تعرف مكانتها الافريقية والاهداف التي تسعى إليها في إطار بعدها الاطلسي، والأفريقي، ومدى إيجابية ما ستجنيه أيضا الدول المحيطة بالمحيط، والتي ستستفيد تنمويا من الرؤية الاستشرافية التي وضعها المغرب للمنطقة، بما فيها مشروع أنبوب غاز الاستراتيجي الكبير مع نيجيريا يوالذي خدم مصالح البلدين إلى جانب الاتحاد الأوروبي. وبالنسبة للتحفظ الذي أبداه سياسيو جزر الكناري، اعتبر الخبير في العلاقات المغربية الإسبانية أن "من حق بعض الدول الاخرى، أن يكون لديها مخاوف، لكن المغرب من جانبه، يعي جيدا ماهية الحدود البحرية القائمة بينه وبين الكيانات المستقلة التابعة لكيانات أخرى". وقلّل الغربي، من شأن المخاوف التي أبدتها الأحزاب السياسية الإسبانية حول رؤية المغرب الاستراتيجية، موردا "لا داعي لتضخيم الموضوع في هذا الوقت، لا يجب أن نعطيه أبعادا سياسية، لأنه بالأساس تحدث عن عمق المغرب في أفريقيا وعمقه أيضا في الدول المطلة على المحيط الأطلسي ". وشدّد المتحدث على أن المغرب دول مؤسسات وقانون، وباعتباره موقعا على قانون البحار هو بذلك ممتثل لكل ما ينص عليه، وبالتالي "يبق له مع اسبانيا أن قام بمبادرة عصم حدوده وليس للجزر أن يكون لها وساوس من البعد المغربي في مجاله لأنه مشروع ذو بعد استراتيجي يقوم على بعد المملكة الاطلسي وبعده مع الجوار الافريقي والدول المحيطة بالمحيط الأطلسي التي يربطها علاقات استراتيجية مع المغرب". تشويش إسباني على حكومة سانشيز من جانبه، لفت مدير مركز الصحراء وإفريقيا للدراسات الاستراتيجية عبد الفتاح الفاتيحي، إلى أن المغرب قد حدد حدود مياهه البحرية الإقليمية، وهو بذلك يمتلك ترسانة تشريعية وقانونية التصرف من خلالها بالتنقيب عن الموارد الطبيعية او بأي نشاط اقتصادي بحري 0خر". الفاتيحي، وفي تصريح ل "الصحيفة"، أشار إلى أن اسبانيا قد أخذت علما بخطوة المغرب دون أن تبدي انزعاجا من شأنه أن يُنبئ بأزمات حدودية بين البلدين، وهو ما يؤكد وفق الخبير في العلاقات الدولية والاستراتيجية، أن العلاقات بخير بين المملكتين وفي منأى عن أي خلاف بهذا الخصوص. واعتبر الخبير في العلاقات الدولية، أن ملاحظات بعض الاطياف السياسية الإسبانية لا تعدو أن تكون "وسيلة للتشويش على تحسن العلاقات بين المغرب واسبانيا بناء على مفاوضات قائمة على الاحترام المتبادل"، مشيرا إلى أن البلدين "قررا التنسيق المشترك والتواصل فيما يخص القضايا الحدودية، وبناء عليه تم تشكيل لجنة مختلطة من كلا البلدين لمتابعة تسوية بعض القضايا الخلافية بخصوص بعض المناطق الحدودية البحرية". وحتى وان وجدت فعلا إشكالات عميقة، فيما يتعلق بالحدود البحرية، يقول الفاتيحي، فإن خارطة الطريق المتوافق عليها مغربيا وإسبانيا "قد صيغت بالقدر الذي يستوعب هذه التحديات ويضمن مزيد من الثقة بين البلدين، ولا سيما عند عقد مفاوضات براغماتية تحافظ على مبدأ الندية والشراكة المتكافئة بين البلدين". وصادق البرلمان المغربي، بالإجماع في يناير 2020 على مشروعي قانون يُحددان المساحات البحرية للمملكة، وتَبسُط بموجبهما الرباط ولايته القانونية على السواحل الممتدة من السعيدية شرقاً، مروراً بطنجة شمالاً، إلى الكويرة الواقعة جنوب الصحراء المغربية. وكانت إسبانيا بدورها، قد وضعت مقترحاً عام 2014، لدى لجنة حدود الجرف القاري (واحدة من الهيئات الثلاث التي أنشئت بموجب اتفاق الأممالمتحدة لقانون البحار، إلى جانب المحكمة الدولية لقانون البحار والهيئة الدولية لقاع البحر)، لتوسيع جرفها القاري غرب الكناري، بمساحة تعادل 350 ميلاً بحرياً، لكن المغرب قدم بشأنه تحفظات شفهية، قبل أن يضع في 2017 طلباً مماثلاً أمام الهيئة نفسها.