1. الرئيسية 2. آراء محمد البوكيلي.. مَتحفُ البادية! أحمد إفزارن الأربعاء 22 مارس 2023 - 17:02 انتقل إلى رحمة الله الناشرُ الفنانُ الكبيرُ المُبدعُ الأستاذ محمد البوكيلي.. لا إله إلا الله.. إنها رحلةُ عُمر تَرتبطُ بالعزيز الغالي.. لا حولَ ولا قُوةَ إلا بالله.. أحرّ التعازي إلى كافة أفراد الأسرة.. البقاءُ لربّ العالمين.. محمد البوكيلي تَشكيليٌّ حَوَّلَ إسطبلَ أكباشٍ إلى مَتحفٍ فنّي.. إنه الفنانُ الناشِر، في القنيطرة.. نتَعارفُ منذ سبعينات القرن الماضي.. ذكرياتٌ متجذرة لا تُنسَى..التقَينا في العَمل بجريدةِ «العلَم» بالرباط، آنذاك، كان مُصحّحًا.. وأنا مُصفّفٌ على "اللّينُوتِيب".. توَطّدَت بينَنا صَداقةٌ حمِيميّة.. وذاتَ يوم، بعد مُنتَصف الليل، وأنا أُديرُ تحريرَ مجلة "الإنسان الجديد"، اتصل بي على الهاتف.. وكالعادة، يبدأ بالضّحك، والتّنكيت، فيتحولُ الحوارُ إلي انتعاشٍ مُمتِع.. - وفي تلك الليلة، أخبرَني البوكيلي أن فكرةً قد خَطرت بباله.. ما هي؟ إنها تحويلُ "إسطَبل الأكباش" إلى مَتحف! قال إنه لا يريد أن يرى الأكباش.. يريدُ أن يرى الإنسان.. الإنسانُ بدلَ الأكباش! ومنذ تلك الليلة، ونحن نتَهاتفُ بعد مُنتَصف الليل.. مئاتُ الأفكار تولّدتْ من حِواراتِنا الثّنائيةِ اللّيلية.. وأهمُّ تلك الأفكار قامَ "محمد البوكيلي" بتجسِيدِها في مَتحفِه الذي دشّنَته وزيرةُ الثقافة السابقة، الفنانة الكبيرة "ثريا جبران".. الإبداعُ لدَى الفنّانِ الكبِير هو الأوكسِيجِين.. الهواءُ الطّلقُ في حياتِه اليومية.. أنشأ المُبدعُ في القُنيطرة مَطبَعة، وصارَ يُمارِسُ هِوايتَهُ المُحبّبة، وهي طَبعُ الكتُب.. مئات الكتُب من مُختلفِ مَشارِب المَعرفة، طَبعَها وَوزّعَها بطريقتِه الخاصة، وحَصل على جائزةٍ أوربية، وعلى "دُكتوراه فخرية"، تقديرًا لمُساهماتِه الفِعلية في نشرِ الثقافةِ بواسطةِ النشر والتوزيع، وتقديرًا للطريقةِ الفنّية الجذّابةِ التي أَخرجَ بها تلكَ الكتُب.. ورغم أزمةِ القِراءة، لم يَتوقّف البُوكيلي عن المُجازفةِ بكُلّ ما يَملك من أجلِ مُواصلة طبعِ ونشرِ الكتُب.. بعضُها تَحمِل اسمَ «البوكيلي للطّباعة»، حصَلت على جوائزَ في المغرب، منها جائزةُ الكِتاب لوزارة الثقافة.. كلُّ غلافٍ من كتُب "دار البوكيلي"، يُشكّلُ في ذاته لوحةً فنّية، بفَضلِ الجَماليةِ التي يَصنَعُ بها هذا الغِلاف، مِن حيثُ الألوان، والحُروف، والإخرَاج، والطباعة.. ومن يتأملُ مَنزلَه، يُدرك أنه تُحفةٌ فنّية.. ويُدركُ أيضا أن البوكيلي هو مَن رسمَ وصمّمَ ووَقف على إنجاز هذا المنزل، وما حول هذا المنزل الجميل.. هو هكذا في الصباح وطيلةَ النهار وفي الليل.. يضحك، ويمرح، ويُنكّت، ويحكِي عجائبَه وغرائبَه، وعلاقاتِه الكبيرة والصغيرة، الجميلة وحتى ما هو مقبول.. وسُرعات ما تكتشفُ أنه قد دخل في حالة شرود.. لقد غاب عنك، ونسيّ ما كان يقول لك، وأصبح مُرتبطا بعالم آخر.. البوكيلي كثيرُ العلاقات.. هو لا يعرفُ فقط أدباء وفنانين ووزراء وشخصيات مرمُوقة، لكنه كثيرا ما يستضيف في جلساته الحميمية بُسطاء الناس.. هذا حارس.. هذا بنّاء.. هذا نجّار، وذاك فلاّح.. البوكيلي محبوبٌ جدا.. لقد فَقدنا شخصيةٌ إبداعيةً كبيرة.. - إنّا للّه! [email protected]