يسير المغرب بخطوات سريعة وثابتة في مجال تقوية قدراته العسكرية، خاصة في المجال الجوي، في السنوات الأخيرة، وقد رفع من وتيرة التقوية، من الاعتماد فقط على صفقات تحديث لأسطوله الحربي الجوي ، نحو "توطين" قطاع صيانة الطائرات داخل البلاد، الأمر الذي يُمهد لصناعة عسكرية دفاعيا مستقبلا في المملكة. وفي هذا السياق، فبعد أن صادق المجلس الوزاري على التوجهات العامة لمشروع قانون المالية برسم سنة 2023، أمام أنظار الملك محمد السادس في 18 أكتوبر الجاري، تمت المصادقة على مشروع ظهير شريف يتعلق بصلاحية الطائرات العسكرية للملاحة وبسلامتها الجوية. ويهدف هذا المشروع، الذي تم إعداده تنفيذا لتعليمات الملك، باعتباره القائد الأعلى ورئيس أركان الحرب العامة للقوات المسلحة الملكية، إلى وضع نظام خاص بصلاحية الطائرات العسكرية للملاحة، من أجل التأكد من مطابقتها للقواعد الخاصة بالسلامة الجوية، وإحداث سلطة خاصة للتقنين لدى أركان الحرب العامة للقوات المسلحة الملكية. وتأتي هذه الخطوة الجديدة تماشيا مع المخطط المغربي نحو إرساء قواعد قطاع صيانة الطائرات في البلاد، خاصة أن المصادقة على هذا المشروع تأتي بُعد أشهر على توقيع عبد اللطيف لوديي، الوزير المنتدب المكلف بإدارة الدفاع الوطني، اتفاقية مع شركة "لوكهيد مارتن" الأمريكية لإنشاء وحدات صناعية لصيانة وتطوير الطائرات العسكرية بما فيها مقاتلات "إف 16" المستخدمة من طرف القوات المسلحة الملكية. ويشمل هذا الاتفاق إنشاء وحدة للصناعات الدفاعية بالقرب من القاعدة الجوية لمدينة ابن سليمان، على مساحة 15 ألف متر مربع، ستُشرف عليها مجموعة "أوريزيو " البلجيكية، وسيكون المشروع عبارة عن محطة للصيانة والإصلاح والتحديث وسيحمل اسم MAINTENANCE AERO MAROC أو اختصارا MAM، ومن المرتقب أن يوفر 300 فرصة عمل. وستُمكن هذه الخطوة المغرب لأول مرة من دخول مجال الصناعات الدفاعية الجوية والتوفر على كفاءات بشرية مغربية في هذا المجال، خاصة وأن المرحلة الأولى تشمل صيانة طائرات "إف 16" و"سي 130" المستخدمة من طرف سلاح الجو المغربي، على أن يستضيف مستقبلا وبشكل تدريجي طائرات أمريكية الصنع من طرازات أخرى، كما سيفتح أبوابه أمام الطائرات العسكرية التابعة لدول أخرى في حالة ما احتاجت للإصلاح والتحديث. ولا تتجلى أهمية هذه الخطوة على هذا المستوى فحسب، فهي أيضا ستُمكن الرباط من خفض تكاليف وتطوير الطائرات التي تجري بشكل دوري، والتي كانت تستضيفها عادة القواعد الجوية الأمريكية، وإلى جانب ذلك، فإن هذا الأمر يمثل قفزة نوعية في مجال الصناعات الجوية في المغرب التي تقتصر إلى غاية الآن على تصنيع أجزاء الطائرات المدنية. وكشف ستيفان بيرتون، الرئيس التنفيذي لمجموعة أوريزيو البليجكية المشرفة على المشروع، في تصريح لصحفة "لوبينيون" المغربية الناشرة بالفرنسية، مؤخرا، أن هذا المشروع من المرتقب أن يرى النور في سنة 2024، وسيُركز على صيانة الطائرات العسكرية من المغرب وكذلك تلك الخاصة بالعديد من البلدان في منطقة أوروبا والشرق الأوسط وأفريقيا. وحسب ذات المصدر الإعلامي، فإن هذا الأمر سيجعل تقنيين مغاربة الذين يخضعون حاليا للتدريب من طرف المجموعة هم من يقومون بصيانة وخدمة الطائرات العسكرية في العديد من البلدان، وخاصة تلك الموجودة في منطقة أوروبا والشرق الأوسط وأفريقيا. ولا يُعتبر هذا المشروع هو الوحيد الذي يقترب من رؤية النور داخل تراب المملكة المغربية، بل سيتم افتتاح مصنع جديد في المغرب، خلال الشهر المقبل في منطقة النواصر على مساحة 16 ألف متر مربع، سيكون مخصصا في تجميع هياكل لطائرات بيلاتوس وإيرباص وداسو، ويندرج هذا المشروع في إطار كل من خطة التسريع الصناعي والمشاريع المخطط لها في إطار تطوير الصناعة العسكرية في المغرب، وفق لوبينيون وتتزامن هذه الخطوات مع توقيع المغرب عدد من الصفقات للحصول على أنواع مختلفة من الطائرات العسكرية مع العديد من الدول، وهي كلها طائرات من المنتظر أن تكون صيانتها في السنوات المقبلة داخل المغرب، مما سيُقلص التكاليف المالية في هذا المجال، وسيرفع من فعالية القدرات العسكرية المغربية الجوية بشكل كبير جدا.