ظلت البطالة في بلادنا الى وقت قريب حرة طليقة تصول وتجول لايأبه لحالها أحد ، أخلدت لنوم عميق لما ينيف عن خمس عقود من الزمن تعشعشت في البيوت واستفحلت في الشوارع قصيرة في مداها قاصرة في أهيليتها ومحجور عليها ، ولما اشتد ساقها وبلغت سن رشدها القانوني نفضت غبار الجهل والظلام وارتدت حلة جديدة قوامها العلم والمعرفة وتسلحت بشواهد عليا البتها على الأوضاع البالية متبنية الى حد كبير مذهب ديكارت “أنا أفكر أنا موجود”،هذا الفكر الجديد حررها من طور الكمون والجمود الى طور الاشعاع والتنوير ، فتسللت الى الشوارع بحمولتها المعرفية مطالبة بحقها في الحياة وفق شواهدها ومداركها العلمية بعد أن تراءت لها أشباح تتقاضى أجورا خيالية وانتابها لغز محير أن أناس من طينتها تحققت أحلامهم في رمشة عين ،فما كان عليها سوىالاعتصام أمام مؤسسات برلمانية وادارات عمومية ،غير مبالية لهراوت تتنهال على رأسها ، وأصفاد تكبل يديها ،ونعوش تحمل على ظهرها، وأحكام صورية تصدر في حقها ، فتزج بها في غياهب السجون والمعتقلات ، ذنبها الوحيد الذي أقترفته أنها تعلمت وأصبحت واعية بمصيرها ، وفرضوا عليها شرطا وحيدا للافراج عنها أن تخلع عنها لباس العلم والمعرفة ، وأن تعود الى عصر الجهل والظلمات حتى يستتب الأمن والسكينة ويعود الهدوء الى شوارعنا ونتخلص من صخبها وضجيجها الذي يؤثر ويشوش على السير العادي لمؤسساتنا الادارية …