تضمن عدد العاشر من نوفمبر (تشرين الثاني) لمجلة الكلية الأميركية لطب القلب Journal of the American College of Cardiologyثلاث دراسات طبية هامة حول دور التغذية في خفض مخاطر الإصابة بأمراض القلب والسكتة الدماغية من خلال خفض مستوى نشاط عمليات الالتهابات في الجسم والشرايين. – دراسات جديدة تناولت الدراسة الطبية الأولى لباحثين من جامعة هارفارد بالولاياتالمتحدة دور تناول الأطعمة المثيرة لالتهابات الجسم وكذلك الأطعمة الخافضة لها، في نشوء وتطور الإصابات بأمراض القلب والشرايين، وذلك بعنوان: «القدرة الالتهابية للأطعمة وخطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية بين الرجال والنساء في الولاياتالمتحدة». أما المقالة العلمية الثانية لباحثين من جامعة برشلونة في إسبانيا بعنوان: «الأنماط الغذائية والأطعمة المثالية للوقاية من أمراض القلب والأوعية الدموية، تنبه إلى قدرتها المضادة للالتهابات». والدراسة الثالثة لباحثين إسبانيين وأميركيين من هوسبيتل كلينك في برشلونة وجامعة لوما ليندا بكاليفورنيا حول تأثير سنتين من التناول اليومي لحصة غذائية من الجوز (عين الجمل) Walnuts، كمثال على أحد أنواع الأطعمة المضادة للالتهابات، على مؤشرات نشاط عمليات الالتهابات في الجسم. – تقسيم الأطعمة وثمة اليوم قناعة طبية بأن الأنواع المختلفة من الأطعمة لها تأثيرات مختلفة على نشاط عمليات الالتهابات في الجسم، ولذا يتم تقسيم الأطعمة إلى فئتين كبيرتين. الفئة الأولى هي «الأطعمة المسببة للالتهابات بالجسم» Pro – Inflammatory Diets، والفئة الأخرى هي «الأطعمة المضادة لنشاط الالتهابات بالجسم» Anti – Inflammatory Diets. كما أن هناك قناعة طبية أعمق عن دور النشاط أو الخمول في عمليات الالتهابات بالجسم، في تطور أو ضبط أمراض الشرايين القلبية. وهما القناعتان الطبيتان اللتان عبّر عنهما باحثو جامعة هارفارد في مقدمة دراستهم الجديدة بالقول: «يلعب الالتهاب دوراً مهماً في تطور أمراض القلب والأوعية الدموية. والأنظمة الغذائية تُعدّل وتغير نشاط الالتهاب في الجسم. ومع ذلك، لا يزال من غير المعروف ما إذا كانت الأنماط الغذائية ذات القدرة العالية على تحفيز الالتهابات، مرتبطة بمخاطر الأمراض القلبية الوعائية على المدى الطويل. وسعت هذه الدراسة إلى فحص ما إذا كانت الأنظمة الغذائية المسببة للالتهابات مرتبطة بزيادة مخاطر الأمراض القلبية الوعائية». وقال الباحثون في محصلة نتائج دراستهم الطبية الواسعة: «ارتبطت الأنماط الغذائية ذات الإمكانات العالية للتسبب بالالتهابات، بارتفاع مخاطر الأمراض القلبية الوعائية. وقد يوفر العمل على تقليل القدرة الالتهابية للتغذية، استراتيجية فعالة للوقاية من الأمراض القلبية الوعائية». وكانت الدراسات السابقة قد وجدت أن النظام الغذائي يمكن أن يؤثر على مستويات الالتهاب، وخاصة الأنماط الغذائية الصحية، مثل نظام البحر الأبيض المتوسط الغذائي Mediterranean Diet (الغني بزيت الزيتون، والمكسرات، والحبوب الكاملة، والفواكه والخضراوات، واستهلاك المأكولات البحرية، والقليل من منتجات الألبان واللحوم الحمراء – المصنعة)، الذي أظهر خفض المؤشرات الحيوية الالتهابية وقلل من مخاطر الإصابة بأمراض القلب. ويليها ما يُعرف ب«نظام التغذية المرن» Flexitarian Diet، الذي يتكون في غالبيته من الخضار والفواكه والبقول والحبوب الكاملة وزيت الزيتون، ولكن مع «القليل» من اللحوم الحمراء، أي النباتي في الغالب مع لحوم عرضية. وكان هناك عدد أقل من الأبحاث التي تركز على ما إذا كان الالتزام طويل الأمد بالنظم الغذائية المسببة للالتهابات مرتبطاً بزيادة معدلات الإصابة بأمراض القلب أو السكتة الدماغية. – مؤشر غذائي التهابي وفي الدراسة الحديثة لجامعة هارفارد، تمت المتابعة لمدة 32 سنة، وشملت أكثر من 210 آلاف شخص. واستخدم الباحثون «المؤشر الغذائي لتحفيز الالتهابات» Proinflammatory Dietary Index لتصنيف أنواع الأطعمة المختلفة. وقال الدكتور جين لي، الباحث الرئيسي في الدراسة: «دراستنا هي من بين أولى الدراسات التي تربط بين المؤشر الغذائي لتحفيز الالتهابات والمخاطر طويلة الأمد للإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية». وفي النتائج، كان المشاركون الذين اتبعوا حمية غذائية مُسببة للالتهابات معرضين لخطر الإصابة بأمراض القلب بنسبة 46 في المائة وخطر الإصابة بالسكتة الدماغية بنسبة 28 في المائة، مقارنة بأولئك الذين يتناولون أنظمة غذائية مضادة للالتهابات. ولذا اقترح الباحثون تناول الأطعمة التي تحتوي على مستويات عالية من مضادات الأكسدة والألياف للمساعدة في مكافحة الالتهاب، مثل الخضراوات الورقية الخضراء، الخضراوات الصفراء (اليقطين، الفلفل الأصفر، الفاصولياء، الجزر)، الحبوب الكاملة، القهوة، الشاي. واقترح الباحثون أيضاً الحد من تناول السكريات المكررة ودقيق الحبوب المقشرة والأطعمة المقلية والمشروبات الغازية واللحوم المصنعة والحمراء، لأن هذه الأطعمة هي من بين الأغذية المساهمة الرئيسية في رفع قيمة المؤشر الغذائي المسبب للالتهابات. وضمن مقالته العلمية بعنوان: «الأنماط الغذائية والأطعمة المثالية للوقاية من أمراض القلب والأوعية الدموية، تنبه إلى قدرتها المضادة للالتهابات»، يعلق الدكتور رامون إستروخ، استشاري أول في الطب الباطني في برشلونة، قائلاً: «المعرفة الأفضل بالحماية الصحية التي توفرها الأطعمة والأنماط الغذائية المختلفة، وخاصة خصائصها المضادة للالتهابات، يجب أن توفر الأساس لتصميم أنماط غذائية أكثر صحة للحماية من أمراض القلب». ويضيف قائلاً ما ملخصه: منطقياً، تُعزى الإمكانات الصحية للأطعمة المضادة للالتهابات إلى محتواها من المنشطات الحيوية المضادة للالتهابات Anti – Inflammatory Bioactive، مثل: الفيتامينات، ومضادات الأكسدة من الكارتونيات والبولي فينول، والألياف، والأحماض الدهنية أوميغا – 3 طويلة السلسلة. والأكثر أهمية بين المنشطات الحيوية المضادة للالتهابات هي مادة البولي فينول. ويتم تصنيفها إلى نوعين: مركبات الفلافونويد ومركبات غير الفلافونويد. وهي التي تتوفر في التوت والعنب والكاكاو والشاي والقهوة. والأسماك الدهنية الغنية بالأحماض الدهنية المتعددة غير المشبعة، وخاصة أحماض أوميغا – 3 الدهنية التي لها خصائص مضادة للالتهابات. وأطعمة مثل زيت الزيتون، والمكسرات، والفاكهة، والخضراوات، لها تأثيرات مناعية متعددة الاتجاهات في الحد من نشاط عمليات الالتهابات في الجسم وخفض حالة عدم الاستقرار في تضيقات الكولسترول داخل جدران الشرايين القلبية Atheroma Plaque Instability. – تناول المكسرات وكانت دراسات سابقة قد وجدت أن استهلاك المكسرات بانتظام يرتبط بانخفاض مخاطر الإصابة بأمراض القلب وخفض الكوليسترول الكلي. وفي الدراسة الحديثة الأخرى قيّم الباحثون تأثير تناول الجوز بكمية ما بين 30 إلى 60 غراماً يومياً على مستوى مؤشرات الالتهابات في الجسم لمدة سنتين. وعلق الدكتور مونتسيرانت كوفان، الباحث الرئيسي في الدراسة من معهد أغست صنير للأبحاث الطبية الحيوية بإسبانيا، قائلاً: «الذي يظهر في هذه الدراسة أن التأثير المضاد للالتهابات للتناول طويل الأمد للجوز، يقدم آلية جديدة لفائدة الجوز على مخاطر الإصابة بأمراض القلب بالإضافة إلى خفض الكوليسترول». والواقع أنه تم ربط العديد من الأمراض الرئيسية كالسرطان وأمراض القلب والسكري والتهاب المفاصل والاكتئاب وألزهايمر، بالالتهاب المزمن. – خطوات لاختيار أطعمة صحية مضادة للالتهابات إحدى أقوى الوسائل لمكافحة الالتهاب لا تأتي من الصيدلية، ولكن من متجر البقالة. ويقول الدكتور فرنك هو، أستاذ التغذية وعلم الأوبئة في قسم التغذية بكلية هارفارد للصحة العامة: «أظهر العديد من الدراسات التجريبية أن مكونات الأطعمة أو المشروبات قد يكون لها تأثيرات مضادة للالتهابات. اختر الأطعمة المناسبة المضادة للالتهابات، وقد تتمكن من تقليل خطر إصابتك بالمرض. ولك إن اخترت العناصر الخاطئة باستمرار، فيمكنك حينذاك تسريع عملية المرض الالتهابي». الأطعمة التي تسبب الالتهابات، والتي يجدر إما ضبط و إما الحد من تناولها قدر الإمكان، تشمل: – الكربوهيدرات المكررة، مثل الخبز الأبيض والمعجنات. – البطاطا المقلية والأطعمة المقلية الأخرى. – المشروبات الغازية وغيرها من المشروبات المحلاة بالسكر. – اللحوم الحمراء (البيرغر وشرائح اللحم) واللحوم المصنعة (النقانق والسجق). – المارغرين والسمن المُصنع من الشحم. – الأطعمة المضادة للالتهابات، التي يجدر أن تتضمنها وجبات الطعام اليومي بشكل غالب، تشمل: – زيت الزيتون. – الطماطم. – العسل. – الخضراوات الورقية الخضراء بأنواعها كالسبانخ والخس والجرجير. – أنواع الخضراوات الأخرى الملونة، الغنية بمضادات الأكسدة والألياف. – المكسرات بأنواعها، وخاصة الجوز واللوز والفستق. – الأسماك الدهنية مثل السلمون والماكريل والتونة والسردين. – الفواكه كالفراولة والتوت والكرز والبرتقال والمشمش والرمان والبطيخ والعنب والتمر. – الحبوب الكاملة كالشوفان. – القهوة والشاي دون إضافة السكر. – الشوكولاته الداكنة. – التهابات الجسم وأمراض الشرايين القلبية… علاقة مزمنة تشير المصادر الطبية إلى أن نشاط الالتهاب المزمن Chronic Inflammation يلعب دوراً مهماً في الإصابة بأمراض القلب والسكتة الدماغية. وارتبط ارتفاع بعض المؤشرات الحيوية الالتهابية Inflammatory Biomarkers بالمراحل المبكرة والمتأخرة من عمليات بناء الحالة المرضية لتصلب الشرايين Atherosclerosis. وأحدنا ربما يعلم بالفعل أن ارتفاع الكوليسترول وارتفاع ضغط الدم من عوامل الخطر الرئيسية للإصابة بأمراض القلب. ولكن أيضاً تظهر الأبحاث الحديثة أن زيادة نشاط عمليات الالتهابات في الجسم تلعب دوراً رئيسياً آخر، وأن العمل على الحد منها يمكن أن يمنع الإصابات بجلطة النوبات القلبية والسكتات الدماغية. ولذا فإن محاربة الالتهابات خطوة للمساعدة في منع أمراض القلب، وتأتي في الأهمية مع الخطوات الوقائية الأخرى. وتحديداً يعلق الدكتور إيرين ميتشوس، المدير المساعد لمركز سيكروني للوقاية من أمراض القلب في جونز هوبكنز، بالقول: «تماماً كما نستهدف ضغط الدم والكوليسترول وغلوكوز الدم، نحتاج أيضاً إلى استهداف الالتهاب. يجب أن نبذل جميعاً جهداً لتقليل الالتهابات المزمنة في أجسامنا». وللتوضيح وقبل عقدين من الزمن، اكتشف الباحثون أن المستويات المرتفعة من الالتهاب مرتبطة بزيادة احتمال الإصابة بنوبة قلبية أو سكتة دماغية. ومع ذلك، فإن ما لم يعرفوه هو ما إذا كانت العلاجات المضادة للالتهابات يمكن أن تمنع حدوث تلك الأحداث. هذا رغم اعتماد تناول الأسبرين، أحد الأدوية المضادة للالتهابات، كدواء رئيسي وأساسي في الوقاية والمعالجة لأمراض الشرايين القلبية. وفي عام 2008 وجدت دراسة جيبوتير JUPITER Study الشهيرة أنه بالنسبة لكبار السن الذين لم يكن لديهم ارتفاع في نسبة الكوليسترول في الدم ولكن لديهم مستويات مرتفعة من علامات الالتهاب في الدم، فإن العلاج باستخدام عقاقير الستاتين الخافضة للكوليسترول يقلل من عدد النوبات القلبية والسكتات الدماغية. ولكن لم يكن من الواضح ما إذا كان ذلك بسبب عملها على تقليل الالتهاب، أو لأنها تخفض من نسبة الكوليسترول الضار، أو لأنها تفعل الأمرين معاً. ومع ذلك، فقد أظهرت دراسة CANTOS Study في عام 2018 أن خفض نشاط الالتهاب دون تغيير مستويات الكوليسترول، يمكن أن يكون له تأثير كبير في خفض احتمالية التعرض للنوبات القلبية أو السكتات الدماغية اللاحقة وخفض الحاجة إلى الخضوع لعمليات رأب الشرايين القلبية بالقسطرة أو جراحة القلب المفتوح للشرايين القلبية بنسبة تصل إلى 30 في المائة. ويصف أطباء القلب في جونز هوبكنز نتائج هذه الدراسة بقولهم: «أثبتت هذه الدراسة التاريخية أخيراً أن معالجة الالتهاب للوقاية من أمراض القلب أمر ضروري». ويضيف الدكتور إيرين ميتشوس: «الالتهاب جزء من استجابة الجسم المناعية للعدوى أو الجروح، ويساعد على محاربة الجراثيم ويسهل الشفاء، ويكون الالتهاب مفيداً حينئذ. ولكن يمكن أيضاً أن يتسبب تراكم لويحات الكوليسترول بجدران الشرايين، في حدوث تفاعل التهابي بمستويات منخفضة ومستمرة، ولا تظهر له أعراض يشكو منها أو يلاحظها المرء. وهذا ما يعزز مزيداً من تهيج الأوعية الدموية ويعزز من نمو اللويحات وتفتيت كتلة التضيقات في الشرايين، ما يؤدي مباشرة إلى تجلط الدم عليها، وهو السبب الرئيسي للنوبات القلبية والسكتات الدماغية. وعندما تسد جلطة دموية شرياناً للقلب، فإنك تصاب بنوبة قلبية. وإذا كانت الجلطة الدموية تسد شرياناً إلى الدماغ، فإن النتيجة تكون سكتة دماغية». ويستطرد الدكتور ميتشوس بالقول: «الخبر السار هو أنه يمكنك التحكم في الالتهاب عن طريق تجنب العوامل التي تنشط الاستجابة الالتهابية لجسمك من خلال سلوكيات نمط الحياة المضادة للالتهابات Anti – Inflammatory Lifestyle Changes. ونفس خيارات نمط الحياة هذه تقلل الكوليسترول السيئ وتخفض ضغط الدم وتقلل من ارتفاع نسبة السكر في الدم أيضاً». وعرض منها: الامتناع عن التدخين وخفض وزن الجسم وزيادة النشاط البدني وتناول الأطعمة الصحية الخافضة لنشاط الالتهابات.