شهدت سويسرا بداية شهر أكتوبر، وإلى حدود الساعة، ارتفاعا مهولا في عدد المرضى المصابين بفيروس كورونا، حيث مازالت وحدات العناية المركّزة تعرف ضغطا كبيرا لم يسبق له مثيل. وتزدحم وحدات العناية المركزة في سويسرا إلى درجة يضطر فيها القائمون على إدارة المستشفيات، وكما هو الحال في أوقات الحرب، إلى اتخاذ قرار صعب جدا بشأن مَن سيتلقى العلاج ومَن سيترك لمواجهة مصيره المحتوم. في ظل انتشار فيروس كورونا، ما هي المعايير التي يستخدمها الأطباء لفرز المصابين؟ وهل تعطى الأولوية في العلاج للشباب على حساب كبار السن والمصابين بأمراض مزمنة؟ وهل يجب أن تمنح أجهزة التنفس الصناعي للأمهات والآباء الذين لهم أطفال صغار أولا لكي لا يخلفوا وراءهم أيتاما؟ وهل يجب الامتناع عن علاج الأشخاص الذين تفوق أعمارهم التسعين عاماً فما فوق في وحدات العناية المُركزة، لأنهم على كل حال لن يعيشوا طويلا؟. مثل هذه الأسئلة وأخرى ترهق كاهل الأطباء في سويسرا، وتضعهم تحت عبء نفسي كبير، إذ يضطرون إلى توصيل مريض واحد من بين أربعة مرضى بجهاز تنفس صناعي بسبب مَحدودية أعداد هذه الأجهزة، وبالتالي يتعين عليهم الاختيار بين المَرضى، ومَنح الأولوية لعلاج الأطفال والشباب وغيرهم ممن لديهم أفضل فرصة للبقاء على كبار السن والمصابين بأمراض مزمنة، مع الاكتفاء بتقديم الرعاية الطبية الأولية لهذه الفئة الأخيرة. وأمام هذا الوضع الخطير يضطر العديد من كبار السن إلى اتخاذ قرار الفرز هذا من تلقاء أنفسهم، إذ ينأون بأنفسهم بعيدا عن المستشفيات ويختارون الموت في دور رعاية المسنين. وترتبت عن تفشي المرض في دور رعاية المسنين عواقب جسيمة، حيث كانت نسبة الوفيات في صفوف النزلاء عالية جدا، إذ إن هذه الفئة كانت أكثر عرضة للإصابة بهذا المرض، لأنها أقل قدرة على مراعاة التباعد الاجتماعي بسبب الاعتماد الدائم على الآخرين. ويعزو أولواس هالر، كبير الأطباء في قسم العناية المركّزة بمستشفى فينترتور الذي يبعد بثلاثين كيلومترا عن مدينة زيوريخ، أسباب ذلك الفرز بقوله: "مازال معظمهم متأثرين بهول الصور القادمة من الأجنحة المكتظة بمستشفيات إيطاليا خلال موجة الوباء الأولى، التي من الواضح أنها توجه اختياراتهم". وحسب لتانيا كرونيس، رئيسة قسم الأخلاقيات السريرية في مستشفى زيورخ، فإن هذه القرارات لا تتخذ إلا في حالة الضرورة القصوى، عندما تزداد الضغوط على المستشفيات وأنظمة الرعاية الصحية بسبب ارتفاع حالات الإصابة. وأكدت المتحدثة ذاتها، في تصريح لها، وفق ما نقلته صحيفة سونتاغس تسايتونغ الناطقة بالألمانية حول عملية الفرز هذه قولها: "لا أحد يريد أن يتخذ مثل هذا القرار.. من يجب أن يتلقى الرعاية للبقاء على قيد الحياة، ومن لا يجب أن يحصل عليها". من جانبه، حذّر أندرياس ستيتباكر، المنسّق الحكومي للخدمات الطبية، من أنه إذا لم يتم اتخاذ أي تدابير جدية فإن "أسِرة العناية المركزة في سويسرا سوف تنفذ خلال خمسة عشر يوما المقبلة". كما صاغت الأكاديمية السويسرية للعلوم الطبية في مذكرة نشرت على موقعها الإلكتروني يوم 10 مارس المنصرم توجيهاتها الطبية والأخلاقية حول تدابير العناية المركزة، التي تنطبق أيضاً على حالة فيروس كورونا المستجد. وتوضح هذه التوجيهات المعايير الأخلاقية التي يجب أن يُفْرَز المرضى بموجبها بغية تخفيف العبء عن الأطباء في حالة محدودية الموارد أو نقصانها. ونصت مبادئ وتوجيهات الأكاديمية بوضوح على أنه يجب ألا يلعب عمر المريض، أو جنسه، أو حالته الاجتماعية، أو جنسيته، أو دينه، أو إصابته بإعاقة، دوراً في اتخاذ القرار. وحَسب نَص المذكرة، "من المُهم أن تكون قرارات الفَرْز مفهومة وعادلة". ووفقا لمبادئ وتوجيهات الأكاديمية "تكون الأولوية المطلقة لعلاج المرضى الذين لديهم فرصة أكبر للتعافي بعد تقديم العلاج المُكثف في العناية المركزة وتدهور حالتهم في حال عدم تلقي هذا العلاج، بينما يتم نقل أي شخص لديه فرصة للبقاء حتى بدون أدوية العناية المركزة إلى جناح عادي". وتحذّر تانيا كرونيس من خطر تقديم المشورة أو اتخاذ قرارات خارج المستشفى، كعدم نقل المريض إلى محطة استشفاء، أو بدعوى حماية نظام الرعاية الصحية، وتضيف: "الآن وبعد أن امتلأت المستشفيات في بعض المناطق يجب أن نعمل معا لضمان عدم حدوث هذا الفرز الصامت". وحسب آخر الإحصائيات فقد سجلت أمس 10073 حالة إصابة مؤكدة بفيروس كورونا و29 حالة وفاة. وقد بلغ إجمالي الإصابات المؤكدة حوالي 192379 حالة، وبلغت الوفيات 2500 وفاة منذ انتشار الفيروس بسويسرا.