عرف التاريخ السياسي المغربي منذ الإستقلال إلى اليوم ثلاثون حكومة، ترأسها أربعة عشر وزيرا أولا، بعضهم عين على رأس بعض الحكومات أكثر منمرة، مثل أحمد بلافريج، عبد الكريم العمراني وعبد اللطيف الفيلالي… وقد ترأس الحكومة الأولى مبارك البكاي لهبيل، فيما ترأس آخر حكومة في ظل دستور 1996 عباس الفاسي، وأول حكومة في ظل دستور 2011 عبد الإله بنكيران. ونظرا للصراع الذي احتدم بين القصر الملكي وبعض أحزاب الحركة الوطنية حول الاستئثار بالمشهد السياسي المغربي وحول طبيعة النظام السياسي في المغرب فقد ترأس الملك محمد الخامس الحكومة الخامسة مباشرة بعد إقالة عبد الله ابراهيم من ماي 1960 حتى ماي 1961، ليتولى رئاستها بعد ذلك الملك الحسن الثاني، حيث ترأس الحكومة السادسة والسابعة والثامنة قبل أن يترأس أحمد باحنيني الحكومة التاسعة من 1963 إلى 1965 تاريخ إعلان حالة الاستثناء وانتقال جميع السلطات إلى الملك الحسن الثاني جراء احتدام الصراع بينه وبين المعارضة بقيادة حزب الإتحاد الوطني للقوات الشعبية. بعد ذلك سيتناوب على الحكومات المغربية شخصيات سياسية متنوعة حزبية وتقنوقراطية اشتركت جميعها في ولائها للملك وتنفيذ سياسة المؤسسة الملكية. فإذا استثنينا الحكومة الرابعة بقيادة عبد الله ابراهيم، وحكومة التناوب التوافقي بقيادة عبد الرحمان اليوسفي، اللتين حاولتا إلى حد ما القطع مع الممارسات السابقة والدفع بالحكومة المغربية إلى ممارسة جميع صلاحياتها الدستورية بحيث تكون قوة تنفيذية للبرنامج الحكومي، فإنها كانت جميعها -الحكومات المغربية- مجرد إدارات تابعة للملك وتسهر على تنفيذ البرنامج الملكي، وتتلقى التعليمات الملكية على أنها تعليمات سامية لا يجوز الخروج عنها ولا مخالفتها وبالتالي تكريس الهيمنة الملكية وتموقعها في أعلى هرم السلط في المنظومة السياسية المغربية. لقد كذب دستور 2011 جميع التخمينات التي كانت تنتظر دورا أكبر لمؤسسة الحكومة في النظام السياسي المغربي، فرغم بعض التغييرات التي همت بالخصوص دسترة المجلس الحكومي والتعيين في بعض المناصب السامية فإن المؤسسة الملكية لا تزال تتحكم بشكل كبير في جميع القرارات الحكومية عبر ترأس الملك للمجلس الوزاري الذي تحدد فيه جميع التوجهات الكبرى وتحسم فيه جميع القرارات المصيرية ويأشر فيها على جميع السياسات القطاعية. لقد جاء تعيين عبد الإله بنكيران على رأس حكومة ائتلافية مشكلة من خليط ايديولوجي تجمع اليمين(حزب الإستقلال) والوسط (حزب الحركة الشعبية) واليسار (حزب التقدم والإشتراكية ) والإسلاميين (حزب العدالة والتنمية ) في سياق الربيع العربي الذي وضع حدا للفساد وقضى على الإستبداد في تونس ومصر وليبيا (والبقية ستأتي لا محالة) وشهدت هذه الدول حكومات منبثقة عن الشعب لم يحسم فيها غير صناديق الإقتراع وأحس فيها الشعب المقهور لسنوات طوال أنه يختار من يحكمه بصدق وأنه يشارك في تقرير مصيره بيده، لذلك شهدنا في هذه الدول إقبالا منقطع النظير على مكاتب التصويت أعطت للعملية الإنتخابية برمتها مصداقية لا نحسها إلا في الدول العريقة في الديمقراطية. و هذا ما لم يقع للأسف في المغرب حيث ظلت مكاتب التصويت عبر ربوع المملكة طيلة يوم الإقتراع خاوية إلا من بعض الأرجل في تجسيد واضح لانعدام الثقة بين من يترشح لقيادة الشعب وهذا الشعب المقهور الغارق في أزماته المادية والإجتماعية والمحروم من أبسط حقوقه الأساسية والمحكوم عليه ظلما وعدوانا بأن يبقى شغله الشاغل هو السعي الدائم وراء قوت يومه وعياله. إن حكومة عبد الإله بنكيران لم يصوت عليها عمليا سوى أقل من مليون ناخب، فلذلك هي حكومة لا تمثل كل الشعب المغربي وإنما استفادت مما وقع في دول الربيع الديمقراطي حيث منحت شعوب هذه الدول ثقتها للإسلاميين الذين كانوا بالأمس القريب ممنوعون من ممارسة السياسة ومن الوصول إلى مراكز القرار. وعلى غرار ذلك منح المصوت المغربي ثقته لحزب العدالة والتنمية أملا في أن يحدث هذا الحزب ما لم تستطع الحكومات السابقة، وأن يفي بما سبق أن وعد به في حملته الإنتخابية. إن الشعب المغربي ينتظر نصيبه من التغيير الذي استفادت منه كل من تونس ومصر وليبيا، ينتظر نصيبه من الحرية والعدالة والكرامة، نصيبه من الشغل والصحة والتعليم… وهلم جر من الحقوق والحريات المغيبة في هذا البلد المنهوب منذ سنين. على مكتب السيد رئيس الحكومة المغربي ملفات كثيرة تنتظر البث فيها، تنتظر حكومة قوية تمارس كامل صلاحياتها المقررة في دستور 2011، حكومة تكون لها الجرأة في فتح ملفات الفساد والإختلاسات ونهب أموال الشعب، حكومة ترد الإعتبار للمواطن المغربي المقهور والمغلوب على أمره، حكومة قادرة على امتصاص غضب الشعب بالقضاء على الفساد في جميع المجالات، ومحاربة المحسوبية والزبونية في الإدارات ومختلف المرافق العمومية، حكومة تحارب اقتصاد الريع ومنح الإمتيازات دون المرور من معيار الإستحقاق والكفاءة. على السيد عبد الإله بنكيران أن يرفع التحدي ويستجيب لمطالب الشعب وأن لا يستكين ويرفع الراية البيضاء، عليه أن يكون في مستوى الآمال المعقودة عليه من طرف المغاربة، ومتى أحس بأنه ليس في مقدوره أن يمارس كامل صلاحياته فما عليه إلى أن يقدم استقالته مرفوع الرأس ويترك الشعب يكمل مسيرة التغيير.