قد يكون مر وقت طويل منذ أن شهدت مدينة الناظور مثل العسكرة الأمنية التي شهدناها يوم الجمعة 30 ديسمبر لمواجهة مظاهرة واحدة. في الحقيقة لا تسعفني الذاكرة لإستعادة مشهد مماثل سوى في أحداث 84، و هو ما أثار قلقي طيلة اليوم كشخص يتابع هذه القضية و سمع لوجهات نظر المعطلين و عدد من ممثلي الدولة على حد سواء… لقد كان لدي ثلاثة أسباب لإثارة خوفي من ان يتحول اليوم لجمعة دم، أولاها تمكن معطلي الريف بأقاليمه الثلاثة من تعبئة أنفسهم لهذا اليوم و بشكل ملفت للنظر وما سيكون لهذه التعبئة من عواقب لو انفلتت الاعصاب و انفرط عقد التحكم في المجموعة في أي لحظة توتر… ثم ما يشبه نوعا من الشعور بالرغبة في الثأر تولد لدى عدد من رجال الأمن بالناظور لتعرضهم (أو تعرض زملائهم) لجروح في مواجهات مع المعطلين قبل أيام بمدخل المدينة من بني انصار، ذلك الشعور الخطير الذي حاز نصيبا كبيرا من نقاشات رجال الأمن بالمدينة خلال الأيام الماضية و ظل يغلي و يغلي لإحساس بعض الأمنيين بأن مسؤوليهم تخلوا عنهم و حرموهم من الدفاع عن أنفسهم نزولا عند ضغط الظرفية السياسية و رفض عامل الناظور الأمر باستعمال القوة للرد. و ثالثا الظرفية التنظيمية و إختيار المسيرة كقرار يتوج اياما من الخرجات الاحتجاجية لمعطلي الريف، مما يعني أنهم سيحتاجون لو فشلوا فيها للبدء من جديد للوصول لنفس الدرجة التصعيدية و هي خيارهم الوحيد المتاح للضغط على الدولة و بالتالي فهم يحتاجون للذهاب بعيدا حتى تقترب الحلول أكثر فأكثر… و هنا و في مشهد المواجهة المباشرة في الريكولاريس و ترقاع، بين طرفين يمتلكان كل الأسباب للإشتباك ، معطلون بالمئات مملوؤون بحماس الثورة على معيشهم اليومي و قوات أمن متحفزة ، مدعمة بقرار قانوني و مستعدة للتدخل ردا للإعتبار أو حتى تنفيذا للأوامر … وسط هذا المشهد المرعب، المفتوح أمام كل الإحتمالات ، القابل للإنفجار من أي حجر طائش يسقط من هنا او هناك أو تصرف استفزازي من أي كان، جاءت فطنة قياديي المعطلين و كياسة المسؤولين الامنيين لنزع هذا الفتيل و تجنيب كل الاطراف معركة سيخسرها الجميع… فالمعطلون الذين وجدوا انفسهم أمام تكتل أمني كبير و غير مسبوق (بتعزيزات من خارج اللإقليم) فضلوا التهدئة و عدم الدخول في صدام خاسر كما كان الامنيون بحذرهم و حسن تنظيمهم قادرين على توجيه هذه الرسالة للطرف الآخر بمنطق تشرتشل القائل أن “إبراز القوة خير من إستعمالها” و و الله أن قرار حقن الدماء و تفادي الصدام هذا خير ما حدث بالناظور طيلة السنة التي نشارف على نهايتها. إن دماء المعطلين و المعطلات من أبناء الريف الأحرار عزيزة علينا، و دماء إخواننا في قوات الأمن عزيزة أيضا فهم مواطنون مغاربة يؤدون واجبهم و قد يكون أغلبهم قد مر من فترات العطالة أو غير راض عن وضعه كماسك بالزرواطة… لقد خرج المعطلون فائزين بإظهارهم أنهم على مستوى اللحظات التاريخية تعبئة و عزما و حماسا و تنظيما و ذكاء أيضا، و تمكنوا من إبراز قوتهم في الشارع و أصبحوا يمتلكون أوراق أفضل لو قرروا الدخول في مفاوضات أخرى… كما خرجت الدولة فائزة بإظهار مسؤوليها المحليين قدرتهم على تدبير المراحل الصعبة دون اللجوء للعنف الذي لن يولد و نحن نتذكر اليوم بوعزيزي تونس سوى مزيدا من العنف و الدم… لقد آن الأوان للحكماء من الطرفين أن يسرعوا بإيجاد الحلول التي تكفينا شر قتال الشوارع هذا، إن حال معطلينا جديرة بتدخل الدولة و تستحق تدابير خاصة برضى خالص من باقي شرائح المجتمع، كما أن الخروج للشارع يجب ألا يكون معيارا وحيدا في التشغيل و إلا كنا نعاقب آلاف المعطلين الذين فضلوا البحث عن الشغل بطرق أخرى… لقد تفادت القرارات الحكيمة التي أتخذت يوم الجمعة أو استعداد لهذا اليوم مغامرة خطيرة بالواقع المحلي الهش إجتماعيا و الذي يعاني من فروق طبقية رهيبة، و لن أذهب بعيدا إن قلت أننا تفادينا كلنا 84 أخرى و لو بنسخة اصغر و إلا ماذا كنا لنسمي معركة بين مئات المعطلين مدعمين بسكان ترقاع الهامشية الغاضبين و مئات من رجال الأمن المتحفزين؟؟ إن المعطلين أصحاب حق، و إن لم يحصلوا عليه اليوم فغدا أو بعد غد، لذا فإن كل يوم يمر لا يزيد المعطل إلا إصرارا و لا يزيد الدولة إلا ضعفا أمام مطالبه. email: [email protected] طالع الاعمدة السابقة الناظور و الريف في ظل الحكومة الملتحية (1) الناظور و الريف و الملك و بنكيران..