[email protected] قبل أزيد من نصف قرن، ومباشرة بعد الاستقلال الذي يعرف الجميع نواقصه، أسندت رئاسة أول حكومة لرئيس حزب الإتحاد الوطني للقوات الشعبية، المفكر والسياسي عبد الله إبراهيم، وتكونت من وزراء ينتمون كلهم إلى المثلث النافع، بل وسيطر أبناء الطبقة البورجوازية التي استفادت كثيرا من الحماية الفرنسية على معظم المناصب في مختلف دواليب الدولة، وهو ما عمق الفارق بين المناطق التي تنتمي إلى الدولة الواحدة، وبالتالي تم تبني نفس التقسيم الفرنسي للمجال الجيوسياسي المغربي –النافع وغير النافع- وهو ما عمق الإحساس ب “الحكرة” لدى شريحة واسعة من أبناء هذا الوطن، خاصة الريفيين الذين دفعوا ثمن الإستقلال غاليا ولعبوا أدوارا ريادية في حركة التحرير الوطني. والأكثر من هذا وضعت الحكومة تصورا اقتصاديا يهدف إلى إفقار الفقير وإغناء الغني في الوقت الذي كان فيه سكان المناطق الشمالية من المغرب يتنافسون فيما بينهم من أجل البقاء على قيد الحياة، وحياة غالبيتهم العظمى كانت مرهونة بعائدات الهجرة إلى الجزائر (المستعمرة الفرنسية آنذاك). هذا الوضع أدى إلى ميلاد حركة العصيان المدني بالريف تحت قيادة “محمد نرحاج سلام أمزيان” التي عملت على مراسلة القصر للاحتجاج على اللاعدالة في توزيع السلطة، إلا أن ردة فعل القصر المعروفة وتداخل الأهواء السياسية الغير مستقرة أديا إلى النتيجة المعروفة. اليوم، بعد التعديل الدستوري لسنة 2011، حملت الصناديق الزجاجية عبد الإله بنكيران إلى رئاسة أول حكومة مغربية في “العهد الجديد” – كما يحلو للبعض تسميته- وهي حكومة لا زالت في طور التشكل لكن مجموعة من المؤشرات المتطابقة تفيد بما لا يترك أي مجال للشك بأن التركيبة الحكومية ستقصي مرة أخرى أبناء الريف/ شمال المغرب. وهو ما يفتح المجال أمام تساؤلات مقلقة حول مصير المغرب في ظل تفرد عائلات بعينها تنتمي تقريبا إلى جهة واحدة، (المثلث النافع) بالحقائب الوزارية ودواوينها، في تجاهل تام لباقي الجهات. فالحكومة الحالية، وعلى غرار الحكومات السابقة لا يظهر أنها اهتمت بهذا الموضوع، وكأن الريف/ شمال المغرب ليس سوى خزانا للأصوات الانتخابية. إن تجاهل وإقصاء أطر الريف من الحكومات المتعاقبة منذ استقلال إيكس ليبان الشكلي له معنى واحد وهو استمرار إقصاء وتهميش منطقة بأكملها، فكل الأحزاب المشكلة للتحالف الحكومي تتوفر على أطر ريفية، وإقصائها يعني من ضمن ما يعنيه الإبقاء على نفس الوضع القائم وتهميش الجهات التاريخية الكبرى بالمغرب التي كانت تطمح إلى تعديل دستوري يستجيب لتطلعات الجهات في تقرير مصيرها السياسي والاقتصادي والثقافي،وبالتالي الوصول إلى نوع من العدالة في توزيع السلطة والثروة على المستوى الجهوي/ المناطقي، فهل يعيد التاريخ نفسه؟ وهل ينتظر أصحاب القرار السياسي عصيانا مدنيا آخر للوعي بضرورة التوزيع العادل للسلطة والثروة على المستوى المناطقي؟؟ مهما يكن من أمر، ومهما كانت نوايا المتحكمين في زمام الأمور، في ظل الوضع الحالي، تفرض الظرفية الزمنية والسياسية على كل الأطراف، كل الفاعلين الجمعويين والسياسيين في الريف/شمال المغرب ضرورة التكتل والتوحد في جبهة سياسية قوية لإيصال صوت الريف والريفيين التائه بين جبال الشمال الشامخة. إن الريف في حاجة إلى جميع أبنائه أكثر من أي وقت مضى، في حاجة إلى أكبر تحالف ريفي-ريفي وتجاوز كل الخلافات من أجل إنقاذ الريف والريفيين من كل المخاطر، في حاجة إلى تكتل جميع أبنائه في هيئة سياسية واحدة قوية تحمل على عاتقها مهمة الدفاع عن الريف والريفيين وكل ما له صلة بمستقبل المنطقة… وللحديث بقية.