بقلم: الأستاذ محمد بوكو إلى الأخ بولعوالي التيجاني: كفى تجريحا وتضليلا واستعلاء .... حينما فكرت في كتابة سلسلة من المقالات حول وضعية الشأن العام بمدينتي، بعد تفكير عميق ودراسة متأنية للواقع، لم أكن لأتوقع طبعا أن تكون أفكاري وآرائي محل إجماع ومباركة من الجميع، لكونها في نهاية المطاف أفكارا نسبية تعكس تصورا شخصيا،وتحتمل الصحة والخطأ،والأخذ والرد. ومن ثم فإنني كنت أنتظر ردود أفعال بناءة تتخذ صيغة نقاش علمي هادئ ورصين مبني على مقارعة الحجة بالحجة، ومقابلة الدليل بالدليل، والاستشهاد بالواقع الميداني الملموس على الأرض والذي لا يمكن أن يرتفع على أية حال بجرة قلم. ولكنني لم أكن أتصور على الإطلاق أن يأتي رد الفعل من صديق حميم ورفيق درب سابق،تقاسمت معه الحلو والمر والمعاناة خلال سنوات التكوين المدرسي والجامعي، في شكل مقالة مليئة بالمغالطات والقفز على الحقائق، وحبلى بعبارات القدح والتجريح والتحقير والاستعلاء. وأعني هنا المقالة المنشورة بموقع “أريفينو” بقلم الكاتب بولعوالي التيجاني تحت عنوان ” الأستاذ محمد بوكو: دعوة إلى المصالحة مع الذات ومع الواقع”. فرغم المقدمة “الطللية” التي استهل بها الكاتب مقالته حول الإيمان بقيم الاختلاف وتعدد الرأي إلا أن أسباب نزولها تبقى بعيدة بعد السماء عن النقاش الحضاري المبني على حريتي التعبير والاختيار،واحترام أبجديات الحوار الجاد والمسؤول.فأي قارئ محايد ونزيه سيتساءل دون شك عن الدوافع الحقيقية التي دفعت الشخص المذكور إلى الرد على مقالتي المنشورة بعمود “نيشان نيشان” الذي أكتبه بهذا المنبر بتلك السرعة، وكأني به مدفوع إلى ذلك دفعا من جهات ما للتغطية على الحقائق الدامغة الواردة فيه والتي لا يراد لها أن تعرف طريقها إلى قلوب الناس وعقولهم. لا يحاول الكاتب من خلال مقالته القفز على الحقائق الموجودة على الأرض وحسب، وإنما يتجاوز ذلك إلى خرق أدبيات النقاش وقواعد الحوار، عبر توظيف لغة غير بريئة تمتح من قاموس التحقير والتجريح والتكذيب والتسفيه والقذف ، فالحكم الذي أصدرته بصدد العمل الجمعي في نظره “خطير وغريب” و”يفتقد إلى الموضوعية والمصداقية والواقعية” كما أنني “لا أنقل الواقع المحلي بشكل دقيق ونزيه” وكيف يفعل ذلك من يعتصم “ببرجه العاجي”و”لا يريد النزول إلى واقع الناس” ومن “لم يستوعب بعد مصطلحات: الجمعية، المجتمع المدني، العمل الجمعوي، وغيرها،”. وفي مقابل ذلك لا يدخر الكاتب جهدا ولا يفوت فرصة لتزييف الحقيقة وتلميع صورة الماسكين بزمام الأمور بهذه المدينة،وكيل المديح والتقريض لهم،بمناسبة أو بدونها، وإن اقتضى منه الأمر تيئيس الناس من جدوى العمل السياسي في تحقيق التغيير، وستر عورات المدينة في ظل “الحكم الرشيد لأصدقائه “، عبر الترويج لمنجزات غير موجودة على الأرض على طريقة تلفزة “إتم” أيام الإعلام السمعي البصري( بتسكين الصاد). ليس من عادتي الانشغال بالحروب الصغيرة،أوالدخول في نقاشات ضيقة مع زيد أو عمرو ، ولكن حينما تفرض عليك الحرب فلا مفر من خوضها، ولذلك فأنا أعتذر من القراء الكرام وأرجو أن يتفهموا أن هذا الرد يأتي من باب رفع اللبس وتصحيح الصورة ورد الاتهامات المغرضة، خاصة وأن الكاتب قد نهج أسلوب القفز على الحقائق وبتر الأفكار عن سياقاتها بهدف الإساءة والتجريح. ويكفي القارئ الكريم أن المقالة التي دبجها الكاتب جاءت خالية من الأدلة المادية التي تثبت العكس، رغم إجهاده نفسه في الترويج ل”نشاط ثقافي منقطع النظير” لا يراه أحد سواه. لذلك كله أحب أن أتقدم بالتوضيحات الآتية: 1- اختار الأخ لمقالته عنوانا غير برئ “دعوة إلى المصالحة مع الذات ومع الواقع”. وهذا العنوان علاوة على النفس الاستعلائي الواضح الذي ينطوي عليه، يتضمن دلالات قدحية لست أدري إن كان على دراية بخطورتها قبل أن يخطها بيمينه.فماذا تعني الدعوة للمصالحة مع الذات غير أن من وجهت إليه الدعوة يعاني انفصاما خطيرا في شخصيته. ومن ثم فأقل شيء يحتاجه هو البحث عن عيادة نفسية لاسترجاع توازنه النفسي. لقد كنت أعرف ألقاب الكاتب الكثيرة ولكن لم يخطر ببالي يوما أنه أضاف إلى إليها لقب الطبيب النفسي الذي يشخص بواطن الناس ويميز السوي منهم والمريض. وإذا ما انتقلنا إلى الشق الثاني من العنوان ” التصالح مع الواقع” وهو يقصد المجتمع طبعا ، سوف ندرك كيف يجتهد في تصوير هذا العبد الضعيف لله في صورة الشخص الغارق في عزلته البعيد عن مجتمعه، لغاية ما لا يدركها إلا هو. 2- ويستمر الكاتب في توظيف لغة تحقيرية تستمد من معجم الإجرام أو الغابة والقنص حينما يقول:” وقد سعى الكثير من الإخوة المثقفين إلى استدراجه كي يساهم فعليا وميدانيا في المجتمع المدني المحلي” فيوظف كلمة “استدراجه” كما لو كنت مجرد مجرم تنصب له الكمائن، أو فريسة تصلح لإطلاق الرصاص.فهل قدرة الأخ على التعبير محدودة إلى هذا الحد أم هي فلتات اللسان تكشف ما في الجنان؟ ألم يجد الأخ في اللغة العربية وهي بحر لا ساحل له، غير هذه الكلمة؟ لماذا لم يوظف ألفاظا مثل “إشراك”أو “دعوة”أو “إقناع” مثلا وهو الذي يجيد أداء دور الأستاذية وتصحيح المفاهيم، وتحديد مدى استيعاب الناس أو عدم استيعابهم. 3- وبالعودة إلى الاقتباس السابق ومسألة الاتهام بالعزوف عن العمل الجمعوي وعدم الاقتناع بجدواه، أحب أن أهمس في أذن الأخ أن العمل الجمعوي لا يتعلق فقط بالأنشطة الثقافية التي تتخذ صيغة عروض أو ندوات فقط ، فهناك مجالات يكتسي العمل فيها أهمية قصوى، نظير جمعيات أولياء التلاميذ بالمؤسسات التعليمية على سبيل المثال. وقد ساهمت بجهدي المتواضع في إنجاح عمل بعضها في صمت ودون ضجيج وبلا هرج أو مرج. ويعلم الأخ أكثر من غيره أنني كنت من الأعضاء المؤسسين لجمعية كرت للثقافة والرياضة بالدريوش قبل ما يزيد على عقد من الزمان،ومن المساهمين في إنجاح نشاطها وخلق إشعاعها.وما يزال الأخ يذكر دون شك، إن كانت ثقوب ذاكرته لم تسقط ذلك، أن تلك الجمعية قد قتلت مرتين مرة في عهد رئاسته لها بعد هجرته إلى الخارج دون اتخاذ الترتيبات الضرورية لاستمرار عملها، ومرة في عهد سلفه الذي غادر إلى الخارج حاملا معه ملفاتها وأختامها لغاية في نفسه ، فبقيت عرضة للمجهول إلى أن ماتت بالتقسيط المريح. وقد حفظت الدرس منذئذ فلم أعد قادرا على المغامرة في تبديد جهودي بالمساهمة في تأسيس أية جمعية لا تتيسر لها سبل النجاح،ولست متأكدا من أن نوايا الشركاء فيها بريئة من نزعات تضخيم نهج السيرة الذاتية أو تحقيق المآرب الضيقة. 4- إن المساهمة في العمل الجمعوي أو السياسي أو النقابي ، تدخل في دائرة الاختيارات الشخصية. وكل شخص يقدر السياق الذي يجعله ينخرط في هذا النوع من الأنشطة أو مقاطعتها. ولعل ذلك يرجع في تقديري إلى عوامل متعددة أهمها الاقتناع بجدواها، والاستعداد لتقديم التضحيات التي يتطلبها، وتوفر الحد الأدنى من وسائل العمل وظروف الاشتغال، ناهيك عن وجود فريق عمل منسجم ومتسم بالانضباط والجدية والنزاهة والقدرة على التضحية. وهذه الصفات قلما نجدها في هذا الزمان الأغبر، فكثير من الناس يتسابقون عند تأسيس الجمعيات كالفراش، ثم لا تجد لهم حينما يجد الجد أثرا.ثم إن الحديث بلهجة ” سعى الكثير من الإخوة المثقفين إلى استدراجه” تنطوي على كثير من الإهانة والتحقير، فهي تصور كاتب هذه الأسطر كما لو كان شخصا جاهلا لا يعرف قيمة العمل المجتمعي، أو مجرد إنسان قاصر يحتاج إلى من يقرر بالنيابة عنه. وهذا يذكرني بهجاء الحطيئة للزبرقان بن بدر بقوله: دع المكارم لا ترحل لبغيتها واقعد فأنت الطاعم الكاسي. فالظاهر أن البيت ليس فيه قدح بينما الحقيقة أنه ليس هناك هجاء أقذع من هذا. 5 – إن الكاتب – وهو يحمل إجازة في اللغة العربية- يجهل أو يتجاهل دلالة النعوت والصفات التي وظفتها في بعض الأحكام. فقد عمد إلى انتقاد الفقرة الآتية :” فالمتتبع للشأن العام بمدينة الدريوش يقف على واقع أشبه ما يكون بالموت في ظل غياب حياة سياسية ونقابية وحقوقية نشيطة وحركة جمعوية حقيقية ونشاط رياضي متنوع وفعال،بصرف النظر طبعا عن بعض التحركات التي تبقى غير مؤثرة لاتخاذها طابعا ظرفيا أو فوضويا أو مناسباتيا .” زاعما أنني أنفي وجود أي أثر للعمل الجمعوي، بينما تكشف القراءة غير المغرضة أنني أنتقد قلة الأنشطة وعدم جديتها وضعف تأثيرها إلى غير ذلك ، بينما أراد الأخ أن يعطيها دلالة أخرى فهمها لوحده كي يؤسس عليها اتهاماته لنا بالسوداوية وغيرها من التهم الواردة في مقاله، ولم يقدم في مقابل ذلك أية أدلة تثبت العكس باستثناء عبارات فضفاضة من قبيل النشاط “منقطع النظير” . وغير خاف ما في هذه العبارة من مبالغة لا يحتملها السياق. 6- يناقض الأخ نفسه بشكل فاضح فهو يتحدث عن نشاط جمعوي كبير، لكنه يقر من حيث لم يقصد أن ذلك تم في الآونة الأخيرة. ومعنى الآونة الأخيرة أيها القارئ الكريم هو مدى زمني لا يزيد عن السنة، ويعود بالضبط إلى فترة الإعلان عن إحداث عمالة الدريوش، وما رافق ذلك من ضجيج إعلامي وصراع بيزنطي أججه بعض ضعاف النفوس، وصانعي الفتنة من أبناء الدريوش وميضار. ولم تقدم تلك الجمعيات الحديثة التأسيس سوى أنشطة قليلة لا يتجاوز عددها عدد أصابع اليد الواحدة. وعلاوة على ذلك فتلك الأنشطة معادة ومكررة ومستنسخة. فأين هذا النشاط منقطع النظير يا ترى؟ ويستمر الكاتب في تمرير المغالطات وقلب الحقائق، ومن ثم تأسيس الأحكام التحقيرية على أساسها حينما يقولني ما لم أقله ، زاعما أنني أحلم” بجمعية تنشط ليل نهار” لكوني “لم أستوعب بعد مصطلحات: الجمعية، المجتمع المدني، العمل الجمعوي، وغيرها،”. فقد أبى صاحبنا مرة أخرى،على عادته، إلا إن يقتطع الكلام من سياقه ويفهمه على هواه، فاقرأ أيها القارئ الكريم هذه العبارة كما وردت في سياقها وانظر كيف لوى الأخ عنقها ليتهمنا بالجهل وعدم الاستيعاب ” ولكننا لا نجد بينها جمعية حقيقية واحدة بمعنى الكلمة. أعني بذلك أن تكون جمعية منتظمة في اجتماعاتها وتجديد هياكلها وتصريف أنشطة دائمة وجادة وفاعلة وذات تأثير واضح وفعال في مجال تدخلها تجاه الفئات المستهدفة والمعنية” فأين أحلام ال “ليل نهار” أم هو التنطع والرغبة في النقد من أجل النقد وكفى؟ ثم إن الأخ الكريم ما يزال يحتفظ بمفهوم تقليدي جدا للعمل الجمعوي، يرادف عنده الأنشطة اللفظية فقط، والواقع أن العمل الجمعوي الحقيقي هو الذي يستهدف تحقيق التنمية المستدامة عبر مساعدة الناس على امتلاك القدرة على مساعدة أنفسهم، عبر التأطير والتكوين و”ابتكار أنشطة تستجيب لتطلعات مختلف الفئات الاجتماعية، ولانتظاراتها الملحة” كما جاء في المقال المفترى عليه. 7- إنني أستغرب كثيرا كيف بلغ الانحطاط بالأخ إلى أدنى الدركات، حينما عمد إلى الاعتماد في كتاباته على كلام المقاهي ، ويا ليته اكتفى بذلك ولم يعمد إلى تحريفه عن مواضعه وبتره عن سياقه وتأويله بطريقة مغرضة، حينما كتب قائلا:” لا زالت أتذكر الحديث الساخن الذي دار بيني وبين الأستاذ بوكو قبل حوالي سنة ونصف، حول أزمة المجتمع المدني بمدينة الدريوش،... ولا زال يرن إلى حد الساعة في خلدي قوله، أنه لا يؤمن بالمجتمع المدني وأن العمل الجمعوي لا يجني منه شيئا، وهو يقصد المقابل المادي”ويواصل ليكشف عن نباهته وقدراته التحليلية العظيمة فيفسر ذلك بتفهمه أن مرد ذلك الكفر يعود إلى ال “سخط على واقع الناس، الذين كانوا قد خذلوا مثقفيهم أثناء الانتخابات الجماعية المنصرمة”. وهذا الكلام يدل على أن الأخ يعاني من ثقوب كثيرة في الذاكرة، فالانتخابات الجماعية مرت يوم 12/06/2009أي منذ أقل من سنة. فأين السنة ونصف أيها الأخ أم هي الرغبة في لي أعناق الوقائع من أجل شيطنة الآخر وتدنيس صورته في أعين الناس ليس غير؟ وكي لا أتنكب طريق الموضوعية، فأنا لا أنكر وقوع النقاش الذي يشير إليه الأخ، وأحب أن أشير إلى أن تصريحي للأخ بعدم إيماني بجدوى العمل الجمعوي لم تكن سوى طريقة لبقة للتهرب من إلحاحه المتكرر على الانخراط في عمل مشترك، لأنني كنت أعلم أن الكشف عن الأسباب الحقيقية التي تمنعني من الدخول معه في أية تجربة من هذا النوع سيكون جارحا له وسيقطع شعرة معاوية بيننا، ولأن من عادتي أحيانا أن أتحفظ في بعض المواقف دون كشف الأسباب . وما دام الأخ قد بلغ به الإسفاف إلى هذا الحد، ولم يراع مقام الصداقة والاحترام، فأحب أن أهمس في أذنه أن أسلوب التعالي والتحقير والنرجسية وتضخيم الذات الذي يتعامل به مع إخوانه هو الذي ينفرهم منه ويزهدهم من التعاون معه أو حتى مجالسته والرد على مكالماته، وقد ذكر لي ذلك غير واحد من الإخوان، ومنهم الأستاذ المختار الغرباني على سبيل المثال . ولكي لا يكون كلامي مجرد فقاعة تتبخر في الهواء أذكر الأخ بواقعة موثقة،فقبل ما يقارب السنة ، وفي ظل الصراع المحموم الذي نشب بعد الإعلان عن إحداث عمالة الدريوش، كتب الأخ بعض المقالات في الموضوع نشرها في غير ما منبر الكتروني.ومن باب تكريمه باعتباره من أبناء المنطقة، و دعمه ضد خصومه في المهجر الذين شنوا حملة شرسة ضده، اقترح علي مجموعة من الإخوة تنظيم لقاء له بدار الشباب ليلقي عرضا حول أهمية المجتمع المدني، وقد ثمنت الفكرة وساهمت في إنجاحها ماديا ومعنويا – والأخ نجيب البوعزاتي الذي نسق النشاط شاهد على ما أقول – وقد نشطت العرض وقدمت الأخ وأثنيت على جهوده، وأنجز الأخ عرضه الذي كان أقرب إلى “النصائح” منه إلى الأفكار، وقد تحجج الأخ حينئذ بأن الأمر جاء مفاجئا ولم يكن له الوقت الكافي لإعداد العرض. لكن المفاجأة بعد ذلك كانت كبيرة، فالأخ بمجرد أن عاد إلى بلد إقامته وانقلب إلى أهله مسرورا، سارع إلى عض اليد التي امتدت له بالخير،وهجى من هيأ له الفرصة من إخوانه وأصدقائه، للقاء الناس،فدبج مقالة زعم فيها أن مهمته العظمى التي جاء من أجلها هي سد الفراغ ونشر العمل الجمعوي وتأسيسه بالدريوش وتعليم أهلها فوائده ومزاياه، دون أن يفكر في ما يمكن أن يسببه ذلك من جروح غائرة في نفوسهم. وهذه الواقعة لها ما يؤكدها في مقالته التي يتهجم فيها على كاتب هذه السطور، فانظر أيها القارئ الكريم إلى قوله:” لكن رغم البعاد والاغتراب وامتداد المسافات عقدت العزم على أن أقدم أي جميل لمنطقتي، ولو كان معنويا ورمزيا، فأدركت أن أهم جميل يقدم لها هو تحفيز الهمم، والأخذ بيد ثلة من الشباب والنشء، الذين قد يعول عليهم في مستقبل الأيام، فكانت النتيجة مذهلة رغم أن العين بصيرة واليد قصيرة، حيث شهدت مدينة الدريوش حراكا جمعويا وإعلاميا لافتا، لا أدعي بأنني صانعه” لتكتشف مدى نرجسيته واستعلائه، فإذا كان السياق يتعلق بنقد ما يعتبره تقييما غير نزيه، فما موقع الحديث عن الذات هنا من الإعراب؟ ولا تغرنك عبارة “لا أدعي بأنني صانعه” فهي تفيد خلاف معناها، وماذا عسى النفي فيها أن يفيد مع ما سبقه من مدح الذات وتبجيلها، خصوصا إذا استحضرنا أن ” الحراك اللافت ” و”النشاط منقطع النظير” قد حدثا في الآونة الأخيرة ؟!!! 8- إن حقيقة الخلاف مع الأخ لا تعود إلى أسباب إيديولوجية أو فكرية كما يزعم، وإنما إلى أسباب تتعلق بالسلوك وطريقة التعامل، ناهيك عن الاختلاف على مستوى التصور و الموقف.فإذا كان هذا العبد الضعيف يعتبر أن العمل الجمعوي يجب أن يكون مكملا لعمل الدولة والمؤسسات والهيئات المنتخبة ، و لا يمكنه أن يكون بديلا له، ومن ثم أعتبر أن الانخراط في العمل السياسي يبقى من الأولويات الملحة بالمدينة في أفق خلق نخبة سياسية حقيقية ،تمتلك من الكفاءة ما يؤهلها لإخراج المدينة من عنق الزجاجة،فإن الأخ لا يتوانى عن تسفيه العمل السياسي وتبخيسه، وفي مقابل ذلك يهادن الماسكين بزمام الأمور،ويدافع عنهم،ويزكي المؤسسات الفاسدة والمغشوشة التي تسلطت على رقاب الناس ومصائرهم منذ عقود، عن طريق الغش والتزوير وشراء الذمم. ولذلك فإنني أطالب الأخ ، إذا كان لا يجد الجرأة والشجاعة ليرفع صوته، كما ينبغي لكل مثقف حر ونزيه، في وجه رموز الفساد كي لا يصادر حق الأجيال اللاحقة في العيش الكريم، كما صودر حقنا نحن،أن يغلق فمه على الأقل بدل التمادي في الدفاع عن المجلس الذي صار بين عشية وضحاها ” يدرك قيمة العمل الجمعوي والثقافي”.فماذا قدم المجلس للرياضة أو الثقافة أو المجتمع ككل طيلة عقود ليقدمه اليوم؟ (وللتنبيه فقط أقول للأخ وهو الرئيس الشرفي لفريق الشباب الرياضي أن الفريق لم يكن ليسافر إلى تنجداد لمواجهة فريقها هذا الأسبوع لولا جهود المحبين، فالفريق يوجد على حافة التسول ومجلسك البلدي يكتفي بالوعود ) وإنني أستغرب كيف يقفز الأخ في الهواء ليزعم أن ” ما هو انتخابي، يظل آنيا ومرحليا، وسرعان ما يتبدد ويختفي” كذا. فمتى كان رهن مستقبل البلاد والعباد لمدة خمس أو ست سنوات حدثا آنيا ومرحليا يتبدد ويختفي؟!!!! وأتعجب أيضا لماذا لا يطالب الأخ أصدقاءه الذين يضع نفسه في خدمتهم بإرساء “مؤسسات سياسية تؤمن بالفعل السياسي الجاد والنزيه والمخطط” و”تملك استراتيجية دقيقة ومركزة” قبل الترشح للانتخابات وإفساد العمل السياسي بالأموال القذرة. 9- يسقط الأخ في تناقض فظيع حينما يتهم كاتب هذه الأسطر بمحاكمة الغير- رغم أنني في التشخيص الذي أنجزته لم أشر إلى أي كان لا بالصفة ولا بالاسم- وهو بذلك يتقمص دور الواعظ الذي يعلم الناس قواعد الأخلاق، لكنه يرتكب الجريرة نفسها فيطرح السؤال:” ماذا قدمه الأستاذ بوكو للواقع المحلي الدريوشي عامة، وللمشهد الثقافي خاصة، طوال ما يقارب عقدا من الزمن؟”، وهذا يدل زيادة على التناقض الفظ بين القول والفعل على نقص حاد في اللياقة وأخلاقيات الكتابة. إن المثقف الذي يحترم نفسه يزن كلامه ويضعه مواضعه، ولا يلقي به جزافا، لأنه يعلم أن عليه أن يتحمل وزره وعواقبه. ثم إن إثبات الجدارة والكفاءة في مجالات الفكر والكتابة والإبداع لا تمر حتما عبر استعراض العضلات وتجريح الآخرين والاستعلاء عليهم، وإنما يتم ذلك بالعمل الجاد والدؤوب مع نكران الذات وتجنب الضجيج، وذلك كله في إطار احترام الآخرين والتعاون معهم .وفي هذا السياق أذكر بقول الشاعر العربي: خرج شقيق علينا شاهرا رمحه إن بني عمك فيهم رماح 10- يتهمني الأخ – وهو المقيم بديار المهجر – أنني لا أتابع الأخبار الخاصة بمدينتي، حينما يزعم أنني أغفلت الإشارة إلى الحركة الثقافية “منقطعة النظير ” التي عرفتها المدينة أخيرا، (بفضل جهوده الجبارة) ومن الأمثلة الملموسة النادرة التي يسوقها دخول المرأة الدريوشية على الخط. وهو يقصد تأسيس جمعية “بسمة” ، لكنه لم يذكر كيف تأسست تلك الجمعية، وكيف تم التغرير بالسواد الأعظم من النساء كي يحضرن الجمع العام التأسيسي، بادعاء توزيع مساعدات عليهن. ولم يذكر الأخ كيف أن أعضاء نافذين من المجلس البلدي حضروا شخصيا إلى القاعة وقاموا بكل ما في وسعهم لتعطيل الآليات الديمقراطية من أجل قطع الطريق على إحدى الطالبات المتفوقات كي لا ترأس الجمعية، ومن ثم تعيين إحدى الموظفات بالمجلس على رأسها، في إطار سياسة الهيمنة على جميع المنافذ والمواقع. 11- أيها الأخ الكريم: لم أعش يوما ولن أعيش في برج عاجي، كي تطالبني بالنزول منه. فقد كنت دوما أعيش بين الناس بكل تواضع، آكل الطعام وأمشي في الأسواق. وإذا كنت تريد أن ترسم لي في أذهان الناس صورة المنسحب من الواقع، الساخط على الناس بسبب الانتخابات الماضية لتدق بيني وبينهم إسفينا، أو لتحفر بيني وبينهم خندقا، كي تظهرني بمظهر العدو الذي يجب أن يكره ويمقت، فأنت واهم وواهم وواهم!!!! صحيح لقد حصلت على أصوات قليلة لكنني فخور بها ومعتز بتلك الزمرة القليلة من الناس ممن وضعوا في شخصي ثقتهم ومنحوني أصواتهم ، لإن تلك الأصوات على قلتها جاءت تعبيرا عن اقتناع ذويها، ودون إنفاق دينار أو درهم ودون ترغيب أو ترهيب أو تسخير لنفوذ أو تزوير أو استغلال لانحياز السلطة. وأنت تعلم أيها الأخ أن الأطر والمتعلمين لا ينجحون في الانتخابات بمدينتنا، والنماذج من أصدقائك والمقربين منك كثيرة، بسبب السياق “السياسي” الذي تتجاهله. في الختام أرجو أيها الأخ العزيز أن تراجع أوراقك على مستوى السلوك والموقف، وتصحح مسارك، وتدرك أن مكانك الطبيعي هو الانحياز إلى المجتمع لتدافع عنه وتفضح رموز الفساد التي تتكالب عليه لامتصاص دمه. أما المفسدون فلا يعرفون صديقا ولا حبيبا، وإنما هي مصالحهم يقضونها ويسخرون كل شيء لتحقيقها . وفي هذا السياق أذكرك بمصير بعض من تعرفهم ممن لعبوا دور”التيس المستعار” في مرحلة ما وتبوؤا المنابر لكيل المدائح، فانتهى بهم المطاف في مزبلة التاريخ بعد أن فقدوا كرامتهم واحترام الناس لهم. ولأن يعود المرء إلى كهف الصمت أشرف ألف مرة من أن يكون حصان طروادة لأحد. والسلام.