التحقيقات الجارية بخصوص اعتداءات كاتالونيا ما زالت تكشف ثغرات في أداء أجهزة مكافحة الإرهاب بإسبانيا، تسلل من خلالها منفذو الهجمات ونجحوا في نهاية المطاف في ارتكاب تلك المجزرة التي راح ضحيتها 16 شخصا وجرح أكثر من مائة آخرين. آخر ما تسرب حتى الآن، هو ما نقلته صحيفة "إلباييس"، بخصوص الإمام المغربي لمسجد بلدة "ريبول" عبد الباقي عيساتي، بحيث كشفت أن هاتف هذا الرجل الذي يشتبه فيه كونه زعيم الخلية الإرهابية التي نفذت الهجمات، كان تحت مراقبة سلطات مكافحة الإرهاب منذ عام 2005. وفي ذلك العام، كانت الشرطة في هذا البلد قد نفذت عملية أمنية ضد خلية في بلدة "فيلانوفا" بضواحي برشلونة، كانت تجند الشبان وترسلهم إلى العراق وأفغانستان لصالح تنظيم القاعدة آنذاك. وتبين للمحققين حاليا، أن الإمام المغربي كان على صلة برئيس تلك الخلية، المسمى محمد المرابط، وهو إمام مغربي متطرف كان يؤم بالمصلين في مسجد الفرقان بالبلدة المذكورة وأوقف في العملية نفسها. وقد عثر كما هو معروف، على وثائق شخصية لعبد الباقي عيساتي في منزله، لكن السلطات بشكل غريب، قررت عدم توقيفه في ذلك الوقت، وبدلا عن ذلك، أذن قاض لشرطة مكافحة الإرهاب بمراقبة هاتفه لتحديد حركته. ويعتقد أن الشرطة أبقت هواتف الإمام المغربي تحت المراقبة حتى عام 2010، حيث سيتغير منحى حياة هذا الإمام بشكل جذري سيدفع السلطات إلى التخلي عن مراقبته. في مطلع العام 2010، وبالضبط في فاتح يناير الذي يصادف ذكرى عيد ميلاده ال37، كان الإمام المغربي في قبضة الحرس المدني بميناء الجزيرة الخضراء، بعدما نجح كلب مراقبة في ضبط شحنة كبيرة من المخدرات في الشاحنة الصغيرة التي كان يقودها، (تشبه في ملامحها الشاحنة التي ستستعمل لاحقا في دهس المارة وسط مدينة برشلونة). كانت بحوزة عيساتي 121 كيلوغراما من الحشيش، شحنها في مكان ما في شمال المغرب، غالبا في منطقة شفشاون التي ينحدر منها، وكانت ستعود عليه في حال نجاحه في تهريبها بأرباح قدرها حوالي 50 مليون سنتيم، لكن رحلته ستتوقف رغم نجاحه في تجاوز مراقبة سلطات مكافحة المخدرات المغربية في معبر باب سبتة، ثم نظيرتها الإسبانية في المعبر نفسه. وبالنسبة للإسبان، فإن شخصا يعمل كمهرب مخدرات بهذه الكيفية، من المستبعد أن يكون متشددا، أو بالأحرى أن يكون ذا صلة بمتطرفين. وكانت معاقبته بأربع سنوات سجنا بالنسبة إليهم، مبررا لرفع المراقبة عن هاتفه. محاضر التحقيق مع الإمام المغربي بعد توقيفه، تكشف كذلك عناصر غريبة بخصوص شخصيته، فقد قدم روايات متناقضة عما دفعه إلى تهريب كل تلك الكمية من المخدرات. ففي بداية التحقيق، أقر بمسؤوليته لوحده عن عملية التهريب، لكنه سيتراجع عن ذلك لاحقا، وسيتهم أشخاصا آخرين بقيادة العملية، فيما صور نفسه ك"ضحية"، معتقدا كما صرح بذلك لقاضي التحقيق، أن تعاونه في كشف أسماء متورطين آخرين، سيدفع السلطات إلى تخفيف عقوبته. وبحسب الرواية الثانية، فإن ثلاثة أشقاء مغاربة يقيمون في بلدة "كامبلريس"، وهي البلدة التي كانت مسرحا لتنفيذ الجزء الثاني من هجمات كاتالونيا بواسطة الطعن بالسكاكين، قدموا له 6 آلاف أورو لاقتناء شاحنة صغيرة، ثم بعثوا بشخص رابع كي يستعمل تلك السيارة في شهر دجنبر 2009، وبعدها، استمر عيساتي في قيادتها دون أن يكون على علم بأنها قد شحنت بالمخدرات. لكن الإمام المغربي سيغير هذه الأقوال أيضا في وقت لاحق، بحيث سيقر بعلمه بالمخدرات الموجودة في شاحنته، لكنه سيعلن بأنه قام بتهريبها "تحت التهديد"، وصرح بأن الأشقاء الثلاثة هددوا بقتله هو وعائلته إن لم ينقل تلك المخدرات، وبأنهم قاموا بضربه بشدة ونقل على إثر ذلك إلى مستشفى مغربي، حيث بقي هناك أربعة أيام في حالة غيبوبة، وقد حدث ذلك بحسبه في يونيو 2009. وقدم عيساتي لقاضي التحقيق هويات الأشقاء الثلاثة، وجرى بالفعل توقيفهم واستجوابهم، وكانوا جميعا من ذوي سوابق في قضايا مخدرات، لكن المحكمة ستعلن براءتهم من كل ما نسب إليهم. وكان عيساتي يغير أقواله باستمرار، بحيث إن قيمة الأموال التي سلمت إليه بحسب زعمه لشراء الشاحنة، أصبحت 13 ألف أورو بدلا عن 6 آلاف التي صرح بها لدى الشرطة. وفي سجنه، سواء بمدينة سبتة، أو في سجن مدينة "كاستيون"، بعث عيساتي برسائل كثيرة إلى المدعي العام، ومحامي الشعب يدعوهم فيها إلى إعادة التحقيق في قضيته باعتباره شخصا بريئا، وضحية لأشخاص آخرين، لكن لم يستجب له. وكانت بعض التسريبات قد تحدثت عن أن الإمام أصبح متطرفا في سجنه، بواسطة سجين مغربي آخر متورط في تفجيرات قطارات مدريد (11 مارس 2004) يدعى رشيد أكليف، لكن سيتبن لاحقا أن عيساتي كان موجودا في جناح لم يكن بمقدوره بتاتا أن يصادف فيه أكليف، الذي كان موجودا في جناح آخر مخصص للسجناء الذين يشكلون خطرا. بل إن زملاء له في ذلك السجن أعلنوا بأن عيساتي لم يكن يظهر أي علامة على التطرف طيلة مكوثه هناك. وتبعا لذلك، حصل عيساتي في فترة حبسه في سجن "كاستيون"، وفقا لما ذكر موقع "إل كونفدونسيال"، على ثلاث تراخيص بمغادرة السجن بشكل مؤقت، لأن "سلوكه في السجن كان حسنا". وقد حظي بهذه التراخيص في عام 2013، قبل أن يغادر السجن بصفة نهائية في 29 أبريل من عام 2014، ويأتيه حينها أمر بالطرد من الأراضي الإسبانية، وهو القرار الذي سيجري إلغاؤه لاحقا.