سعيد شعو يكتب ل”لكم”: هذه هي قصتي مع (البام) الأربعاء، 11 ماي 2011 خص النائب البرلماني سعيد شعو موقع “لكم” بمقال يسلط فيه الضوء على بعض ما خفي من ملابسات اصطدامه مع حزب ” الأصالة والمعاصرة”، ويكشف عما تعرض له من مضايقات منذ أن أعلن فك الارتباط بهذا ” المشروع السياسي “. وإذا كان شعو لا ينفي مشاركته في الاستعدادات الأولى التي سبقت ميلاد هذا “المشروع السياسي”، فإنه من جهة أخرى يشدد على أن الاختلاف في الرؤى والأهداف هو الذي أدى سريعا إلى الطلاق بين الطرفين، وما تلا ذلك من متاعب شخصية له ما يزال يعاني منها حتى الآن. كما يطالب المؤسسة التشريعية ووزارتي العدل والداخلية إلى تكوين لجنة تحقيق مستقلة بهدف الكشف عن الحقيقة وإعادة الاعتبار له وذلك بإنصافه ورفع الحيف عنه. سعيد شعو* “السياسة مهنة قذرة يمارسها الشرفاء وغير الشرفاء”. ربما تكون هذه المقولة صائبة إذا قسنا بها حرارة العمل السياسي في المغرب. لا شك أن الرأي العام المغربي يتساءل الآن عن مصير البرلماني سعيد شعو، ويتساءل أكثر عن الدوافع التي جعلته يدخل معترك السياسة المغربية الشائك، ثم يتخلى فجأة عن المسؤولية ويقفل راجعا من حيث أتى. المواطن المغربي محق في تساؤلاته لاسيما بعدما أصبحتُ على صفحات بعض الجرائد والصحف الوطنية محط اتهامات وإشاعات أشد قسوة من المنفى. باستثناء لقاء سبق لي وأن أدليت به لإذاعة هولندا العالمية بعد خروجي مرغما من المغرب وحوار مع أسبوعية 'الأيام‘ المغربية، أحجمت عن الإدلاء بأي تصريح أو تعليق للصحافة، مغربية كانت أو أجنبية. لا خوفا من التصعيد أو استسلاما لجبروت المغرضين، ولكن لإفساح المجال أمام القضاء ليقوم بعمله بعيدا عن تاثير ما ينشر. إلا أن الترهات والإشاعات والأكاذيب لم تتوقف، إذ لا تمر مناسبة أمام المغرضين والكذابين المستندين على سلطة اغتصبوها، إلا وأقحموا اسمي في قضايا ما أنزل الله بها من سلطان. ولا بد لي من الإقرار بأنني عانيت – وما زلت – كثيرا طوال هذه المدة وعانت معي أسرتي الصغيرة في المغرب وفي المهجر. فأنا بشر وطاقة البشر محدودة. ولكن ما الذي يجعلني الآن أعود لفتح هذه الصفحة مجددا؟ بالنسبة لي لم تكن الصفحة مغلقة أبدا ولن تغلق حتى تظهر الحقيقة. ما يزال رجائي في الله قائما وأملي في القضاء المغربي كبيرا في أن يُعاد النظر مجددا في قضيتي، ليس لإنصاف شخصي المتواضع فقط، ولكن بصفة أخص بهدف الإجابة عن تساؤلات الرأي العام المشروعة. ففي النهاية أنا ممثل الأمة في البرلمان. أم ليس لهذه المؤسسة قيمة؟ عام 2007 هو تاريخ دخولي المعترك السياسي في المغرب غاضا الطرف عن “نصائح” (تحذيرات في الحقيقة) من أناس اعتبرتهم دائما أصدقاء وأهلا لنا، تجمعنا أهداف مشتركة وغيرة واحدة على منطقتنا. دخولي للحياة السياسية كان بهدف الإسهام في 'المشروع الديمقراطي الحداثي‘ الذي دعا إليه الملك محمد السادس عقب توليه العرش، وخدمة منطقة الريف التي أنتمي إليها، كما يحاول كل سياسي خدمة منطقته التي يمثلها؛ الشئ الذي يعني بالنتيجة والمحصلة خدمة الوطن كله لا أقل ولا أكثر. ولا يخفى على أي متتبع أن منطقة الريف – كباقي الهوامش المغربية – عانت لعقود من سياسة الإهمال والتهميش والنسيان، مع أن تضحياتها في سبيل استقلال المغرب ووحدة ترابه لا ينكرها إلا جاحد. الصدمة الأولى تعرضت لها – وأنا العائد من المهجر حالما بغد أفضل لجميع المغاربة – عندما ووجهت بعقليات هجينة يتحكم فيها الفساد والمصلحة الشخصية والإجهاز على مقومات الدولة الحديثة. وجدت نفسي في دوامة 'دولة الأشخاص‘ بدل دولة المؤسسات. الخطاب الرسمي شيء والواقع شيء مغاير تماما، هذا ما علمني إياه واقع الحال في المغرب. وحتى لا أدخل الرأي العام في العموميات سأحاول في هذا العرض التركيز على عامل مستجد واحد تسبب في إبعادي ونفيي، وسيتسبب في انتكاسة سياسية كبرى للمغرب إن لم يتدارك العقلاء الأمر قبل فوات الأوان. 'الوافد الجديد‘ في نظري هو من يقف خلف إجهاض مشروع دولة المؤسسات التي يحلم بها المغاربة مع بداية الألفية الثالثة ويكرس دولة الأشخاص والتعليمات، وكأن المغرب يعيد إنتاج أساليب إدريس البصري التي ظن المغاربة أنها أصبحت جزءا من التاريخ. أكثر من هذا فأنا على اقتناع كامل من أن 'الوافد الجديد‘ أخطر بكثير من أخطبوط عصر البصري، لأنه ينهج أساليب قذرة تمزج بين الترغيب والترهيب وفبركة الملفات وتلفيق القضايا لخصومه السياسيين. وتكفي عملية جرد بسيطة للملفات المفبركة سواء ما تعلق منها ب “تقطيع” التحالفات السياسية والتعيينات الإدارية المفصلية، أو تحريك أيدي السلطة الطويلة لتطال خصومه السياسيين والزج بهم في السجون، أو تأثيث ظروف إشعال الفتن لتحقيق أهداف مستترة. كل هذا وغيره كثير، يضع الأصبع على حقيقة هذا “المشروع الجديد” الذي يزعم صانعوه أنه جاء لتخليق الحياة السياسة في المغرب. قد يقول لي قائل: لماذا تنتقد 'الوافد الجديد‘ الآن وأنت كنت أحد أركانه؟ أبادر للقول بأنني لم أنتم أبدا لهذا الحزب بصفته الأخطبوطية الشرسة، وإنما انتميت للفريق البرلماني الذي تشكل تحت اسم “فريق التجمع والأصالة”، وذلك قبل أن يتأسس الحزب. وعلى الرغم من اندماج حزب العهد، الذي ما زلت إلى الآن عضوا فيه، بالحزب الجديد فإنني لم أوقع أبدا على استمارة الاندماج. وعلى المزورين والمحتالين أن يثبتوا العكس. مع الأسف فقد أسهمت بعض الأقلام في الترويج لمغالطة كبرى وهي أنني طردت من الحزب لأسباب ساقها كتبة الحزب وهم على يقين من أنهم يكذبون، لأنني ببساطة شديدة قدمت استقالتي من الفريق قبل أن يسارع الكتبة إلى الإعلان عن مسرحية طردي. وهذا لا يعني أنني لم أشارك في الاجتماعات التي أجبرت المسؤول الأول في حزب العهد على إعلان الاندماج في الحزب الجديد. وسأشرح للقارئ الكريم محتوى إحدى الاجتماعات ليحكم بنفسه. في بداية التحضير لتأسيس المولود الجديد، حضرت لقاءين في إحدى الفيلات بحي السويسي في الرباط. وكانت “أوامر” صدرت لأمين عام حزب العهد تطلب منه الحضور للمكان المعلوم مع البرلماني كذا وكذا، وكنت أنا واحدا من ثلاثة برلمانيين بالإضافة إلى شخصين آخرين أحدهما صار مستشارا ذا شأن وهمة في هرم الحزب ومجلس المستشارين، والآخر يُعد علة العلل في نفخ الروح بجسد المشروع الجديد. أكثر من خمس ساعات قضيناها ونحن نستمع ل 'خطاب‘ دون فاصلة أو فرصة للتعقيب أو الاستفسار. أتذكر أنني قلت للسيد أمين عام حزب العهد، والذي رافقني أثناء مغادرة الفيلا بينما بقي الآخرون داخلها: إن ما سمعناه الآن بمثابة صب الزيت على النار. ما محتوى خطاب تلك الليلة؟ عُرضت أمامنا خطة متكاملة لمشروع سياسي جديد يتأسس على عمادين: عماد الأقطاب السياسية وعماد الجهوية والوحدة الوطنية. يقوم العماد الأول على ثلاثة أقطاب سياسية رئيسية: اليسار والوسط واليمين مع استحداث آليات التحكم في الجميع وإضعاف كلا من العدالة والتنمية وحزب الاستقلال. أما العماد الثاني المتعلق في شقه الأول بالوحدة الترابية، فيتمثل في تشكيل لوبي 'صحراوي‘ قوي يشتغل على ملف مشكلة الصحراء، والشق الثاني يرتبط بالجهوية مع التركيز بصفة أخص على منطقة الريف. وقد سمعت بهذا الصدد عرضا أغرب من الخيال. فحوى ما عُرض أمامنا بخصوص الريف – وما زلت أحتفظ بما سجلته أنذاك على سبيل التذكر – هو: الملك يريد ترسيخ جهوية في الريف مُتحَكّم فيها، عن طريق الاستمرار في تنفيذ مخطط إدريس البصري الذي حرص على إبعاد الأموال الريفية عن المنطقة. فالاستثمار في الناظوروالحسيمة يشكل خطورة على النظام المركزي (كذا)! واسترسل صاحب المحاضرة مؤكدا على أن الخطة نجحت في مدينة الناظور حيث أبعد عنها المستثمرون الناظوريون، وهذا بالضبط ما ينبغي أن يتحقق في الحسيمة. بل استعمل مخاطبنا في سياق عرضه كلمة “تركيع” بمعنى تركيع الريفيين بالريفيين، وأتبعها بهذه الكلمات الغريبة: عبد الكريم بطل ولكنه موجود في مصر، وعلى الريف والريفيين أن يفكروا في المغرب. وكأننا لسنا مغاربة! فالتفت نحوي وقال لي بالحرف: بالنسبة إليك السيد النائب، تصلنا عنك تقارير بأنك تحظى بشعبية لا بأس بها في الريف، لكن من الخطأ الفادح أن تتركز الشعبية في يد شخص واحد. يجب أن تتمثل الشعبية في إطار حزبي، وها هو الحزب بين يديك! وأضاف قائلا إن مقر الحزب الجديد في الحسيمة سيكون هو مقر حزب العهد مع تغيير اللافتة فقط! أما التعليمات التي خص بها المستشارَ الناظوري فتلخصت في: تنظيم “مسيرات احتجاجية” ضد الإسبان بالتنسيق معي. وكان آنذاك مشكل جزيرة ليلى قائما. “اعملوا على حشد الناس ولا تنسوا أن تزودوهم ب 'ساندويتشات‘ بخمسة دراهم”. مرت أيام قلائل على هذا اللقاء قبل أن يتصل بي السيد المستشار الناظوري لتنفيذ 'التعليمات‘ فقلت له بالحرف: “الريفيون لا يساوون خمسة دراهم. الريفيون على استعداد دائم للتضحية بدمائهم من أجل المغرب، ولكن ليس بهذه الطريقة المهينة”. مضت وقت قضيته في التفكير مع نفسي والتشاور مع رفاقي حول هذه المستجدات، وتوصلت إلى قرار تقديم الاستقالة من فريق “التجمع والمعاصرة” شارحا أسباب استقالتي، وليس كما تروج له بعض الأقلام من أنني طردت من حزب لم أنتم إليه أصلا. وعلي التأكيد كذلك أن استقالتي لم تكن إعلانا لفتح جبهة التحدي ضدهم، بل كانت نوعا من التحرر الذاتي حتى أركز تفكيري وعملي على ما سبق ووعدت به المواطنين في الريف من توفير فرص استثمارات في المنطقة، قادرة على استيعاب اليد العاملة الشابة المعطلة وتشجيع المستثمرين من الخارج؛ ريفيين وأجانب على الاستثمار في المنطقة. وفي هذا الإطار يأتي مشروع تأسيس نادي المستثمرين بالريف، وتكثيف لقاءاتي بوالي المدينة بهدف خلق منطقة صناعية. غير أنني سرعان ما وجدت نفسي في مواجهة خصوم 'غير مرئيين‘. وعندئذ قررت دخول غمار الانتخابات المحلية لعل حزبي يفوز برئاسة بلدية الحسيمة حتى أتمكن مع القوى الحية والفاعلة في المدينة من تنفيذ مشاريع إقلاعية حقيقية. ولكن المؤامرات والدعايات المغرضة كانت لي بالمرصاد. وكانت لي لقاءات حتى مع خصومي السياسيين ومنهم الرئيسة الحالية لمجلس بلدية الحسيمة التي أكدت لها في إحدى اللقاءات أنني سأقدم استقالتي من البرلمان إذا استمرت المضايقات ولم يُترك المواطنون يختارون من يمثلهم ويسير مدينتهم. أتذكر أن الأمين العام لحزبي نبهني إلى أن الاستقالة من البرلمان أمر خطير، إذ لم يسبق أن أقدم برلماني واحد على الاستقالة من هذه المؤسسة طيلة تاريخ التجربة البرلمانية في المغرب. أنا لم أسع للشعبية ولا للتنافس الشخصي من أجل مقعد في برلمان مشلول. ما سعيت إليه حقيقة هو خدمة وطني الصغير والكبير. الترهيب الذي لحق شخصي المتواضع لا أتمناه لأي كان حتى ولو كان عدوي. الأيام دول. يوم لنا ويوم علينا. وسيأتي يوم ستنكشف فيه الحقيقة. عبر هذا المنبر أطالب المؤسسة التشريعية التي ما زلت أنتمي إليها، بتشكيل لجنة تحقيق مستقلة في الملف الذي حُشر فيه اسمي زورا وتلفيقا. كما أطالب، كمواطن مظلوم، من وزير العدل ووزير الداخلية إعادة فتح التحقيق في هذا الملف ودراسة التهم المنسوبة إلي، وتقديم ضمانة كتابية للشاهد الرئيسي فيها كي يُدلي بأقواله دون الخشية من التعرض مجددا للتعذيب. فلا يعقل أن تصدر في حقي مذكرة بحث دولية دون طلب رفع الحصانة البرلمانية عني والاستمرار في صرف مرتبي الشهري. فهذا الراتب يُستخلص من عرق الشعب المغربي ولا ينبغي صرفه بغير وجه حق حتى ولو كان مبلغا زهيدا مقارنة مع السرقات التي يذهب المغرب ضحية لها على يد من لا إحساس ولا ضمير له. أنا الآن منفي منذ سنة وعملي كبرلماني معلق بأمر واقع وليس بأمر قضائي. وحتى لا يعتقد المواطن أن ذلك المرتب يصلني في منفاي، فإنني أؤكد له وبكل شفافية وراحة بال أن مرتبي الشهري كبرلماني سبق وأن أعلنت تخلي عنه، وكان يصرف قبل نفيي كمساعدات لذوي الحاجة من أبناء الريف من طلبة ومرضى ومحتاجين. وإنني لأخجل الآن من ذكر هذه التفاصيل، ولكنها الحقيقة التي لا بد من الجهر بها حتى يعرف الرأي العام مصير أمواله، وتتقي اللهَ تلك الأقلامُ التي تصر على النيل من سمعتي. فأنا في نهاية المطاف مواطن تعرض للظلم والإجحاف، وينتظر من عقلاء وطنه الحقيقة والإنصاف. وعلى سبيل الختم أود أن أعلن عن تضامني التام مع شباب التغيير، شباب حركة 20 فبراير ودعمي المطلق لمطالبهم التي تجسد مطالب الشعب المغربي، وأترحم على شهداء الحركة وخاصة من سقط منهم في الحسيمة في حادث أقل من يمكن أن يقال عنه إنه حادث مريب، مطالبا الجهات المعنية بضروة فتح تحقيق عاجل للكشف عن الحقيقة ووضع حد للإشاعات ومعاقبة المتورطين والجناة. وإنني واثق من أن رياح التغيير التي تهب الآن على المنطقة بأسرها من شأنها كنس العابثين بمصائر العباد والبلاد.