بين جبال الريف الشامخة الضاربة في عمق التاريخ بعبق البارود الممزوج برائحة ولون الدم تقع بلدة قاسيطة، المعروفة باسم قاسيطة إجعونا، وهي أشبه بقرية كبيرة تحيط بها مجموعة من الدواوير والمداشير الصغيرة، تابعة لنفوذ جماعة اتسافت القروية قبيلة بني توزين وتقع في أقصى غرب عمالة الدريوش، تحد بجماعة إجرماوس شمالا وبجماعة أزلاف شرقا، وهاتين الجماعتين تابعتين لنفس القبيلة، وتحد جنوبا بجماعة سيدي علي بورقبة التابعة لقبيلة أكزناية عمالة تازة، وغربا تحد بجماعتي النكور وأربعاء تاوريرت التابعتين لقبيلة ايت ورياغل عمالة الحسيمة، وأصبحت بعد التقسيم الترابي الجديد تابعة لنفوذ عمالة الدريوش، يبلغ عدد سكانها حسب الإحصائيات الرسمية حوالي 11.000 نسمة. وبالرغم من موقعها الاستراتيجي كونها تقع بين المحور الثلاثي لملتقى الطرق المؤدية إلى كل من الناضور والحسيمةوتازة، إلا أن هذا المعطى لم يحفز المسؤولين عن البلدة ولم يعيروا لها أي اهتمام، وظلت طيلة عقود تتعرض للتهميش والإقصاء والعزلة والنهب، ذلك أنها لا تتوفر على أدنى شروط العيش الكريم، كما أن تآكل بنياتها التحتية وعدم إصلاح وتعبيد الطريق الرئيسي أثرت بشكل سلبي على اقتصاد ومدخول الساكنة. أحدثت جماعة اتسافت بموجب التقسيم الإداري لسنة 1992، ولفض اتسافت حسب الرواية المتداولة كان يطلق على شجرة معمرة، ويحكى أن أعيان مشيخة المنطقة كانوا قديما يعقدون اجتماعاتهم تحت أشجار البلوط التي لازالت متواجدة ببعض الدواوير خاصة دوار ادرازا وبهذا الارتباط سميت اتسافت. تبلغ مساحتها الإجمالية 170 كلم2، ويعتمد اقتصادها أساسا على النشاط ألفلاحي وتربية المواشي بالإضافة إلى تسجيل بعض النشاط في قطاعي التجارة والبناء وعلى التحويلات المالية لأبناء المنطقة المقيمين بالخارج. تتميز تضاريس الجماعة بالوعورة الشديدة وصعوبة المسالك باعتبارها تشكل مؤخرة سلسلة جبال الريف،وتتكون من الدواوير التالية: حجرة القضاء، تلامغيت، اجعونا، أيت العالي،بني زيان، لبعول، بني عدول، زاوية سيدي الحاج علي، ادرازا، بوعلمة، تغزوت تاسة، اعزوزا، تازيمي،العاشور،غلبون، بالإضافة إلى مركز قاسيطة وهذا رسم توضيحي لعدد سكان كل دوار وتعاني مجمل هذه الدواوير من مشاكل عدة نتيجة الإقصاء والتهميش والعزلة وانعدام البنية التحتية والمرافق الاجتماعية الضرورية، ما حذا بالعديد منهم إلى ترك هذه القرى والنزوح صوب المدن بحثا عن سبل عيش أفضل. وتعتبر المنطقة من بين المناطق التي لعبت دورا مهما غداة حرب الريف وظهور بطلها عبد الكريم الخطابي وساهمت مساهمة فعالة في صد المد الاستعماري الاسباني مابين 1921-1926 إضافة إلى مساهمتها في مقاومة الاستعمار الفرنسي وتأسيس جيش التحرير. بكل بساطة أصبحت قاسيطة بلدة مهمشة ومنسية إلى ابعد حد، والمسؤولين المتعاقبين على تسييرها همهم الوحيد جمع المال وتراكم الثروات والجري وراء صفقات مربحة، بكل الأشكال والوسائل وعلى حساب آلام ومعانات الساكنة الذين سجلوا تذمرهم واستيائهم من التجاهل التام الذي يلاقوه من هؤلاء المسؤولين المحليين الذين لم يقوموا ببرمجة أي مشاريع تنموية لتحسين إطارهم المعيشي، كون البلدة تفتقر إلى المرافق الضرورية، وتدهور شبكة الطرقات الرئيسية والمؤدية إلى القرى والمداشير، ولم تستفد من التهيئة والتزفيت، بالإضافة إلى نقص الإنارة العمومية، وفي بعض الأحيان انقطاعها الكلي و خوض المصابيح إضراب مفتوح عن العمل، وتغط في نوم عميق تاركة البلدة في ظلام دامس،إضافة إلى نقص الشبكة الكهربائية بصفة عامة وانقطاعتها الدائمة والمتكررة وبدون سابق إنذار، ما يعرض العديد من الآلات التي لها ارتباط بالتيار الكهربائي إلى التلف والعطب وتعطيل مجموعة من المواطنين والمستخدمين والتجار من أداء أعمالهم وخدماتهم والتسبب لهم في خسائر مادية، إضافة إلى نقص التزود بالماء الصالح للشرب رغم وجود شفرات مائية طبيعية لكن تقصير المسؤولين وعدم اكتراثهم بالعمل على هيكلة هذه الشفرات المائية وترشيدها يجعل السكان في محنة كبرى ودائمة الأمر الذي يدفعهم إلى تسديد مبالغ مهمة وإضافية من اجل توفير حاجياتهم من الماء عن طريق الشاحنات المخصصة لهذا الغرض، والتي تنشط كثيرا في البلدة خاصة في فصل الصيف، وكذا انعدام كلي لكل المرافق الترفيهية والرياضية وغياب المساحات الخضراء، كما تسجل المدينة انتشار كبير لمروجي المخدرات بكل أنواعها القوية والخفيفة وأمام العلن، ولم تسلم من هذه الآفة حتى المؤسسات التعليمية أمام صمت ولا مسؤولية الجهات المعنية بالأمر، كما تعاني المنطقة معدلات جد مرتفعة في الأمية والهدر المدرسي، وجملة من المشاكل الأخرى. البنية التحتية: إن كانت البنية التحتية هي المنشآت والخدمات والتجهيزات الأساسية التي يحتاجها أي مجتمع للعيش الكريم والوسيلة المثلى للتقدم والتطور، فان قاسيطة لحد ألان لا تزال تفتقر إلى ابسط هذه البنيات الأساسية مما يشكل عائقا في تطورها نحو الأفضل، ويتناقض مع حاجة النمو الطبيعي للسكان والمدينة. فالزائر إلى البلدة ومن الوهلة الأولى يضن أنها تعرضت لتوها إلى قصف جوي ومدفعي، الطرق مهترئة ومتآكلة مليئة بالأتربة والأوحال والحفر،وحتى الطريق الرئيسي الذي يتوسطها ويربطها بالعالم الخارجي في حالة جد متدهورة ولا يصلح حتى للسير على الأقدام، إذ مضى وقت طويل على إنشائه، ويعود تاريخه إلى العشرينيات من القرن الماضي إبان الاستعمار الاسباني، ولم يستفيد من أي تهيئة أو إصلاح منذ ذلك الزمن. كما أن أزقتها غير معبدة وتتحول إلى برك مائية أثناء التساقطات المطرية. قنوات الصرف الصحي: لا تتوفر البلدة على قنوات الصرف الصحي، الأمر الذي يشكل خطرا على البيئة، وسببا رئيسيا في مظاهر التلوث، ما يهدد السكان من أمراض محتملة وفعلية وأوبئة تشكل خطرا دائما على صحتهم، ما يجعلهم في قلق دائم ومتزايد أمام صمت ولا مبالاة المسؤولين، وفي غياب إرادة حقيقة لأجاد حل لهذه المعضلة. المرافق الصحية: تتوفر البلدة على مستوصف صحي صغير لا يستجيب لحاجيات الساكنة ويفتقر إلى ابسط شروط التطبيب، لا أدوية ولا اطر طبية، وأمام هذا الوضع تضطر الساكنة إلى شد الرحال صوب مدينتي الناظوروالحسيمة من اجل الاستشفاء،الأمر الذي يعرضهم إلى مشقة السفر وإنهاك مادي،ما يشكل عائقا حقيقيا خاصة لذوي الدخل المحدود،كما أن المريض يتعرض إلى أخطار مضاعفة في بعض الحالات العاجلة والحرجة، والتي لا تستدعي الانتظار أو قطع مسافة 100 كلم،في الوقت التي تكفي إسعافات أولية بسيطة من إنقاذه، أو على الأقل تقليص حجم الخطورة،وهو ما يطرح تساؤلا كبيرا وجوهريا حول دور هذا المركز الصحي إن لم تتوفر فيه آليات صحية في المستوى واطر طبية دائمة الحضور ومتخصصة، خاصة إن أخذنا بعين الاعتبار تزايد النمو الديمغرافي في المنطقة سنة بعد سنة. كما أن سيارة الإسعاف التي تتوفر عليها البلدة،وهي في الأصل هبة من احد الأشخاص إلى جماعة قاسيطة، لا تتوفر على سائق قار ولا على أدنى آليات الإسعافات الأولية زد على ذلك أن السكان لا يستفيدون من خدماتها بالمرة،وعملها يقتصر في الركون في إحدى المر ائب يعلوها الصدأ والأتربة. المرافق الثقافية: تفتقر البلدة أيضا إلى المرافق الثقافية والترفيهية التي تساهم في خلق أفاق واسعة لدى الشباب، لكن للأسف فالإهمال واللامبالاة لحق أيضا مثل هذه المرافق. إن القاعدة الشبابية في البلدة تعاني من عدة مشاكل نتيجة غياب هذه المرافق وانعدام أنشطتها ما يدفع العديد من الشباب إلى سلوك طرق انحرافة. فحتى دار الشباب الذي تم تشييده منذ مدة، وطال انتظاره من طرف السكان طويلا، لم يستفيدوا منه فعليا إلى حد الساعة، ولا يزال الفراغ والصمت يعشعش بين جدرانه، ليتضح في الأخير للجميع أن أهداف بنائه كان بغرض شخصي وتجاري. دار الشباب موجود نعم لكن مع وقف التنفيذ، فان كان دار الشباب يعتبر مرفقا هاما وحيويا، ومن بين أهم أهدافه محاربة الفراغ واستغلال واستثمار الوقت الحر لدى الشباب والأطفال وتعميم المعارف الثقافية والفنية والعلمية في أوساطهم وتصقيل مواهبهم ومهاراتهم الفكرية، فان أهداف دار الشباب لبلدة قاسيطة لا يزال معلقا!… أين سيرسم ذلك الطفل مواهبه؟ وأين ينمي قدراته في الإبداع؟ أين سيلجأ ذلك التلميذ الذي طرد من المدرسة لظروف معينة؟ أين سيقضي ذلك الشاب وقت فراغه واستغلاله في ما هو ايجابي؟ حتما إلى قاعات الكنفزور والمقاهي والتسكع في الشوارع واكتساب كل العادات السلبية. نفس الوضع ينطبق على مرفق دار المرأة القروية، أبواب مغلقة والفراغ يسكن فضائها ليطرح السؤال نفسه بإلحاح ما الدافع وراء بناء دار المرأة القروية وهذه الأخيرة لم ولا تستفيد من خدماتها؟ المرافق الرياضية: تتوفر البلدة على طاقات ومواهب رياضية هائلة في كل الاختصاصات، تلزمها فقط بيئة مناسبة للتألق والبروز، فالرياضي يحتاج إلى مرافق مناسبة لمزاولة هواياته وبروز مواهبه، وهذا ما لم يتجسد على ارض الواقع في المنطقة، كونها تسجل غياب شبه كامل للمرافق الرياضية،الأمر الذي يشكل سلبا ويؤثر على تطور الرياضة في المنطقة. المساحات الخضراء: تعد المناطق والمساحات الخضراء ذات أهمية كبرى في كل المجتمعات، ولها دور أساسي في توفير فرص الراحة والتمتع للسكان وقضاء أوقات الفراغ، بالإضافة إلى كونها تضفي على المدينة جمالا طبيعيا وتحسين المنظر العام، والمساهمة في تقليص التلوث الهوائي، وتوفير مناخ معيشي أفضل للساكنة، وهذا لم يتحقق بعد في بلدة قاسيطة ولا تزال تعيش غيابا وفراغا كاملا من حيث المساحات الخضراء، الأمر الذي يحرم الساكنة من أي متنفس طبيعي،وإنقاذهم من ردهات المقاهي. السوق الأسبوعي: يشكل كل يوم الأحد عند الساكنة موعد السوق الأسبوعي، المتواجد على أرضية تابعة للحبوس ويعيش حالة مزرية وكارثية بكل المقاييس، يفتقد لأدنى شروط التبضع والتسوق والممارسة التجارية، لعدد أسباب أهمها عدم توفره على البنية التحتية اللازمة، ولضيق المساحة الأمر الذي يجبر المواطنين على عدم التسوق في ظروف جيدة، كما يحتم على بعض الباعة الذين يقصدون السوق من اجل عرض وتسويق بضاعتهم إلى احتلال الملك العمومي خارج أسوار السوق، الشيء الذي يخلق فوضى وعدم التنظيم والضبط لدى المتسوقين والمتسوقون معا،ولان قاسيطة كباقي مناطق الريف تشهد في فصل الصيف قدوم أبنائها المقيمة بالخارج، فان السوق يشهد ازديادا ملحوظا في الحركة والاكتضاض. أما في فصل الشتاء فان السوق يزداد تأزما وسوئا ويتحول إلى برك مائية خلال التساقطات المطرية. كما أن السوق يرتاده زيادة على سكان المركز، كل القرى والمداشير التابعة للجماعة، بالإضافة إلى بعض البلدات المجاورة، وأمام هذه المعطيات أصبح لزاما على المسؤولين بناء وإصلاح البنية التحتية الضرورية، وتوسيع السوق من اجل تطويره نحو الأفضل. المجتمع المدني: يلعب المجتمع المدني دورا مهما في توعية المجتمع وتأطيره وقيادته، إلا أن البلدة تعاني من خصاص كبير وملحوظ في هذا المجال، وحتى بعض الجمعيات المتوفرة والتي تعد على أطراف الأصابع تسجل غياب شبه كامل على الساحة ولا تقوم بدورها الجمعوي المنوط بها، منها من انتهت مدة صلاحيتها ولم تعاود تجديد وهيكلة مكتبها، ومنها من ضلت منذ تأسيسها حبرا على ورق، الأمر الذي زاد من وطأة العزلة والإقصاء الاجتماعي. المؤسسات التعليمية: تتوفر المدينة على ثلاث مؤسسات تعليمية ابتدائية وإعدادية والثانوية التأهيلية. المؤسسة الابتدائية: وهي مجموعة مدارس الشهداء وتقع في قلب البلدة، وتتكون هذه المجموعة من مركزية إضافة إلى مجموعة وحدات فرعية تقع في النفوذ الترابي للجماعة. وجدير بالذكر أن المؤسسة تعاني من الخصاص واكتضاض في بعض الأقسام، ناتج عن جمع أكثر من مستوى في قسم واحد، وهو ما يصطلح عليه بالأقسام المشتركة، بالإضافة إلى مجموعة من المشاكل الأخرى على سبيل المثال لا الحصر، غياب كلي للمرافق الرياضية والمراحيض بالإضافة إلى تصدع أطراف بعض الأقسام خاصة في الوحدات الفرعية مرورا إلى المطعم المدرسي ووجبات الأكل المقدمة للتلاميذ والتي لا تصلح حتى للقطط، زد على ذلك الظروف السيئة وغير الصحية التي تنقل وتخزن فيها مواد المطعم، وجدير بالذكر أن هذه المواد تنقل غالبا من الناضور إلى البلدة على متن شاحنة تابعة لجماعة قاسيطة مخصصة لنقل الأزبال. المؤسسة الإعدادية والثانوية التأهيلية: وتقع عبر الطريق المؤدي إلى تازة وبدورها تعيش هذه المؤسسة جملة من المشاكل والصعوبات التي تعرقل سيرها العادي، ووضعا مزريا من حيث البنيات التحتية كملاعب المؤسسة والمراحيض..التي تحتاج تدخلا سريعا من اجل ترميمها وإصلاحها، وتوفير الظروف المواتية التي تساعد التلاميذ على التحصيل العلمي…. المؤسسة بدورها تشهد اختصاصا في الاساتذه واكتضاض في كل الأقسام، بالإضافة إلى عشوائية استعمال الزمن واللامسئولية الإدارة في التسيير،زد على ذلك الغياب المتكرر والدائم لبعض الأساتذة، وأمام هذا الوضع المزري الذي يتابع فيه التلاميذ دراستهم، يجعل الرسالة التربوية عسيرة الوصول إلى أذهانهم في زمن البرنامج ألاستعجالي الذي يضع بين أهدافه الإستراتيجية والملحة والعاجلة فك ظاهرة الاكتضاض والخصاص وتأمين الزمن الدراسي، وهو ما يفسر ويؤكد أيضا فشل فلسفة دمج الإعدادية والثانوية التأهيلية بالبلدة، والوضع يحتاج إلى تدخل سريع وفوري إلى بناء أقسام جديدة ومستقلة للثانوية، إضافة إلى ما تسجله المؤسسة من غياب في الجانب الترفيهي والأنشطة الثقافية، الأمر الذي يضعها في مسلسل الرتابة والروتين الدراسي. ختاما: إن ما تم ذكره عن جماعة قاسيطة ومظاهر المعانات والإقصاء والتهميش التي يتعرضون لها سكانها ما هي إلى نقط من بحر المشاكل التي يتخبطون فيها. لكن في الآونة الأخيرة لاحت في الأفق بوادر الأمل والتغيير، بفضل شبابها الذي أصبح الحلم المرفرف في سمائها والشمعة المضاءة التي تنير دروبها، شبابها الذي حولها من رقعة الصمت والخوف والتنازل، إلى قلعة النضال والصمود، والتغيير حتما قادم