اعتقد انه يمكن لاي دولة من الدول التي توصف عادة بالدور الصغرى كالمغرب مثلا ان تبني وتمارس استراتيجية خاصة بها دون اللجوئ الى المقارنة مع مثيلاتها من الدول لان الاصل في المقارنة يكون بين شيئين متقاربين لا متباعدين …من البديهي ان تطوق التساؤلات كل من راودته فكرة مراجعة الدستور ومن البديهي ايضا ان يلازمه التردد نظرا لكثرة الاتجاهات وتنوعها شكلا ومحتوى تنوعا يتميز بالتفاوت في الاهتمامات والاهداف واشكال المعالجة .لهذا فالرهان المطروح امامنا ومن واقع التغيير والتقدم المجتمعي هو المساهمة في اعادة تحديد الاشكاليات ومعالجتها بكثير من الهدوء ومن الصدق اعتمادا على ثقة نابعة من كون ارادة التغيير والتطور اكبر من كل التحديات والصعوبات . بداية لا باس في ان نحدد للدستور مفهوما دقيقا يستوعبه المتلقي بمرونة وليونة كي لا يكون مصطلح مراجعة الدستور مجرد شعار بلافتات عريضة طويلة يردده الجمهور من العامة دون ادراك المعنى الحقيقي لهذا المصطلح . فالدستور اذن هو الذي يحدد سلطات الدولة ” اختصاصات هذه السلطات ” علاقتها ببعضها ”ثم علاقتها بالمواطن العادي ”واخيرا حقوق المواطن العادي في مواجهة سلطات الدولة . ان اقدم بلد عرف نظام ديموقراطي ولو بدون نصوص هي ” بريطانيا ”وفقهاء القانون الدستوري يجمعون على ان تطور النضام الديمقراطي في بريطانيا بدا مع بداية القرن 12 ثم اخذ في التطور البطيئ البطيئ الذي تميز بسمة معينة ابرزها الانتقاص من سلطة الملوك والاضافة الى سلطة ممثلي الشعب الذين كانوا محدوديين بداية ثم انتهى بهم الامر الى غاية ما وصلو الى مجلس العموم البريطاني وانتهى بذالك مجلس اللوردات مع بداية القرن 19. ان الدستور وضع لغرض تقنين حالة معينة وهي بالضبط تقييد السلطة من اجل الحرية ( اعيد ) تقييد السلطة من اجل الحرية ومن هذا المنطلق يؤكد فقهاء القانون الدستوري ان الدستور وضع اساسا لكي يقيد السلطة لحساب الحرية وبالتالي يكون المواطن هو المقصود بوضع الدستور وليس السلطة حتى اجمعوا ( اي فقهاء القانون الدستوري ) على ان الدستور هو فن الملائمة بين السلطة والحرية لان السلطة ضرورية كما الحرية تماما لكن الفرق هنا هو ان السلطة ليست غاية بل ضرورة لحماية الغاية التي هي الحرية . وبالتالي فان الاصل في وضع الدستور هو تقييد او تلجيم السلطة لصالح حرية المواطن . شخصيا احيي حركة العشرين من فبراير ومطالبها المعقولة كما اهيب بخطاب جلالته اعز الله به البلاد والعباد الذي يحترم ارادة شعبه ويقدرها ويضعها فوق اي اعتبار منذ توليه عرش اسلافه المنعميين . برايي المتواضع اجد ان شخص الملك حالة استثنائية بمعنى انه ليس كباقي الملوك او الرؤساء الذين انتزعوا الحكم عنوة بقوة الطائرات النفاثة والدبابات الثقيلة …فهو باحترامه لارادة شعبه يتحمل اخطاء اختيار المواطنيين لممثليهم .فالمسالة الاخيرة اذن بنظري هي سبب ميلاد حركة العشرين من فبراير العظيمة والتي تضعنا امام تساؤلات عديدة نظرا الى ان دور ووزن المواطنين الناخبين سيصبح الاكثر حسما لتبقى هذه التساؤلات تطرح نفسها من قبيل …” هل سيكون المجتمع المغربي قادرا على تحمل جميع هذه المسؤوليات ”وهل ستكون هذه النخبة السياسية المغربية في مستوى التطلعات ” وهل سيكون من السهل انتاج نخبة جديدة ذات طابع حداثي يتوافق ومسيرة التغيير . قد نتفق مع مطالب الحركة ونختلف في اخرى لان تنوع المطالب وكثرة الاتجاهات قد ينعكس على فكرة التغيير سلبا … فاذا اخذنا مثلا ( مطلب حل الحكومة والبرلمان بغرفتيه ) واعادة بنائها وفق ما جاء به خطاب التاسع من مارس نجد ان هذا المطلب واقعي .. مقبول .. وضرورة حتمية لاعتبارات عديدة .عكس الشعارات التي خطت على لافتات عريضة لا يعلم غالبية المواطنيين معناها ولا منطوقها من قبيل ( الفصل 19) من دستور المملكة الشريفة الذي يستوجب علينا جميعا الابفاء عليه جملة وتفصيلا …وكذى ( الفصل 24) الذي لاحضنا كيف انه جاء في خطاب جلالته بصيغة غير مباشرة توحي بالغاء الفقرتين 1-2 والابقاء على الفقرتين 3-4 من باب الاحتياط او ارتباطا بالفصل 19 . كما لا يمكن ان نغفل بعض الشعارات التي رفعت من قبل بعض الافراد والمشكوك في انتمائهم للحركة التي تطرح مطالب لا اساس لها وليست موضع اهتمام الحركة مما يوحي بوجود لوبي مندس يدفع نحو الفوضى باقحامه مطالب واهية لا علاقة لها بمطالب الحركة اطلاقا من قبيل ””' لا لبوسان اليديين ””' فهذا المطلب ان دل على شيئ فانه يدل على احد الامرين . جهل عميق لمطالب الحركة او ماجور مندس لتشويه النضج السياسي والثقافي للحركة … لان مسالة تقبيل اليد ليس امرا ضروريا او نص قانوني يجب احترامه وبالتالي تبقى مسالة لا اختيارية ولا ضرورية ولا قانونية . واخيرا لا بد من التسليم الى ان الديمقراطية نظام ينظر اليه في الغالب باعتباره مجموعة من الحقوق تتمتع بها المجتمعات وبالتالي يحق الحديث عن القدرة على تحمل وتدبير السلطة بكل ما يترتب عن ذالك من واجبات وحقوق كما ان بناء العقد الاجتماعي والسياسي ليس بالامر الهين لان الديموقراطية الحقة في الواقع تفرض على المجتمع نوعا من التكوين والتنظيم والمراقبة كما تفرض عليه ان يكون منتجا لنساء ورجال يمكنهم ضمان السير الجيد للنسق الديمقراطي وفق معايير ومنهج محدد يستوجب الاحالة على طبيعة التكوين ( مستوى الدراسة .. طبيعة الديبلومات الجامعية ..صنف المعارف ..المسار الاداري ..الخ ) فهل ستسمح المرحلة الجارية بتجديد الحياة السياسية الذي اتخذت المملكة الشريفة موضعا لها . والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركات