أجمعت مجموعة من الدراسات السوسيولوجية والنفسية أن العنف بنوعيه الرمزي والمادي، ظاهرة اجتماعية لها أسباب ومسببات نفسية واجتماعية من أبرزها القهر الاجتماعي والاقتصادي، وأن التصدي لها رهين بالتربية والتنشئة الاجتماعية القائمة على تكوين النشء الصاعد على التسامح والتفاهم والحوار ونبذ العنف بأشكاله المتعددة. تعد المدرسة، باعتبارها فضاء مصغرا وصورة عاكسة لتمظهرات المجتمع، من الفضاءات التي لم تنج هي الأخرى من بعض أشكال العنف، حيث شهدت في السنين الأخيرة أنواعا من العنف سواء كان ماديا من خلال تكسير ممتلكات المؤسسة التعليمية، من زجاج النوافذ ومصابيح الأقسام وسرقتها وكتابة خربشات وكلمات على طاولات القسم بعضها مخل بالأخلاق، وكذا الكتابة على جدران المراحيض وأبوابها وتكسير صنابيرها وسرقتها، أو كان عنفا رمزيا من خلال السب والشتم في حق الأستاذ أو التلميذ معا. ولعل ما تم تسجيله في السنتين الأخيرتين من حالات ببعض النيابات التعليمية التابعة للأكاديمية الجهوية للتربية والتكوين بجهة سوس ماسة درعة، كغيرها من الحالات المسجلة بالمؤسسات التعليمية بباقي الجهات، يبين مدى انتشار ظاهرة العنف في الوسط التعليمي، بالرغم من أنها تبقى استثنائية، لكن تؤشر على تزايد الظاهرة بالثانوي والإعدادي والابتدائي، التي تحتاج إلى معالجة من جميع المتدخلين في القطاع، وإلا سينعكس تأثيرها السلبي على المردودية والتحصيل الدراسي ويساهم تكرارها في عرقلة السير العادي للدروس. كما أن الاصطدام والشجارات التي تقع بين الفينة والأخرى لأتفه الأسباب، بين التلاميذ مع بعضهم البعض أو بين التلميذات، أشياء عارضة قد تحدث في بعض الأحيان سواء داخل القسم أو داخل المؤسسة أو خارجها، لكن الأفظع هو أن تتطور الأمور إلى ما لاتحمد عقباه كتبادل الضرب والجرح ، كما حدث بين تلميذة وأخرى خارج إحدى ثانويات مدينة الناظور، أمام التلاميذ الذين عاينوا الحادث. وقد ظهرت الخدوش وأثار الندوب والجروح على وجهي التلميذتين. وحدث أن تبادل تلميذان اللكمات والضرب داخل المؤسسة ذاتها في السنة الماضية، لأسباب بسيطة. كما حدث الشيء نفسه بالعديد من المؤسسات، حيث يتجاوز المتخاصمون حدود السب والشتم إلى العراك والتشابك بالأيدي والركل بالأرجل والرمي بالحجارة أو استعمال السلاح الأبيض وتسديد طعنات قاتلة، كما حدث في الموسم الدراسي الحالي ببعض جهات البلاد. ظاهرة العنف وسط التلاميذ وداخل القسم أيضا، ازدادت مع ظاهرة القرقوبي والمخدرات التي غزت بعض المؤسسات التعليمية، وساهمت في إذكاء العنف لدى التلاميذ، خاصة أن القرقوبي من العقاقير المهيجة والمدمرة لحياة متناولها، لأنها تؤثر على توازنه النفسي، وتحول التلميذ الهادئ بطبعه إلى وحش هائج متعطش للعراك والشجار، الذي ينتهي في الغالب بارتكاب جرائم فظيعة، والحالات من هذا القبيل كثيرة. من أسباب إحالة الأحداث الجانحين على المحاكمقامت فرقة الأحداث التابعة للشرطة القضائية بالأمن الولائي بمدينة وجدة، خلال شهر واحد ، بإيقاف 59 من الأحداث الجانحين من بينهم 3 فتيات، من أجل السرقة بالخطف وبالعنف والضرب والجرح والسرقة الموصوفة والتخدير والتشرد وفي وضعية صعبة. وجل الموقوفين أفرج عنهم من جناح الأحداث بإصلاحية وجدة وتتراوح أعمارهم ما بين 14 و17 سنة. وينتمي جل الأحداث الجانحين إلى أسر فقيرة ومعدمة لا تستطيع تلبية حاجياتهم الضرورية.وقد أفاد أحد التلاميذ بأن” هناك تلاميذا يذهبون إلى الثانوية مخمورين وهناك من يتناولون الخمر داخل الفصل بالمؤسسات التعليمية، دون الحديث عن استهلاك القرقوبي حتى من طرف بعض الفتيات”، قبل أن يستطرد قائلا “والله ، لن تتمكن من فهم واستيعاب ما يجري وما يروج بين التلاميذ والتلميذات، ولن تصدق ذلك”. عديدة هي الأسباب التي تجعل هؤلاء الأحداث الجانحين يحالون على المحاكم وقاضي الأحداث الذي يبني قراره على خطورة الفعل الإجرامي المقترف وسلوك الحدث المنحرف. وغالبا ما يقترف هؤلاء الأحداث جرائم خطيرة ويحالون على تلك المؤسسات من أجل القتل الخطأ والسرقة الموصوفة وهتك العرض وتكوين عصابة إجرامية والضرب والجرح بالسلاح الأبيض وحيازة والاتجار في المخدرات واستهلاكها والسكر العلني. كان آخر الموقوفين أحد الأحداث المحال على العدالة بوجدة بتهمة تكوين عصابة إجرامية مختصة في السرقة من داخل السيارات والسرقة الموصوفة. ويحال الأحداث الجانحون على المحكمة الابتدائية أو محكمة الاستئناف التي تقرر وضعهم في السجن المدني أو مركز حماية الطفولة. وقد استقبل مركز حماية الطفولة بمدينة وجدة خلال أسبوع واحد من شهر دجنبر الماضي خمسة قاصرين تلاميذ يتابعون دراستهم بالإعدادي، أحيلوا على المحكمة في قضيتين متفرقتين الأولى من أجل هتك عرض فتاة قاصر بعنف، والثانية من أجل هتك عرض قاصر بدون عنف. قاصرون متهمون في جرائم قتلوقعت جريمة قتل صباح يوم الجمعة 23 نونبر الماضي عند باب ثانوية عمر بن عبد العزيز بمدينة وجدة، ذهب ضحيتها تلميذ من مواليد 1989 بوجدة، بعد تلقيه طعنة بسكين على مستوى الخصر وركلات على مستوى البطن والأعضاء التناسلية، وجهها له ثلاثة من أقرانه القاصرين في ربيعهم السادس عشر أحدهم تلميذ يتابع دراسته بإعدادية الوحدة، نقل على إثرها إلى مستعجلات مستشفى الفارابي بوجدة حيث لفظ أنفاسه الأخيرة. ووقعت جريمة قتل بشعة صباح يوم الأربعاء 5 دجنبر الماضي بمدينة بركان ذهب ضحيتها شاب في الثالثة والعشرين من عمره بعد أن تلقى طعنات على مستوى الصدر من طرف الجاني / القاصر الذي لا يتجاوز عمره سبع عشرة سنة خلال جلسة خمرية قرب المقبرة المسيحية بحي بوهديلة، وتم نقل الضحية وهو ينزف دما إلى مستعجلات مستشفى الدراق ببركان ثم إلى مستعجلات مستشفى الفارابي بمدينة وجدة حيث لفظ أنفاسه الأخيرة متأثرا بجروحه الغائرة. وألقت عناصر الأمن الولائي التابعة لمصالح الشرطة القضائية القبض على قاصر من أجل تكوين عصابة والسرقة بالعنف تحت التهديد بالسلاح الأبيض فيما لازال ثلاثة من شركائه في حالة فرار. وأوقفت عناصر من الأمن الولائي بوجدة يوم الاثنين 3 دجنبر الماضي قاصرا متلبسا بالاعتداء على فتاة في الواحد والعشرين من عمرها وسلبها هاتفها النقال تحت طائلة التهديد بالسلاح الأبيض بحي الزيتون بوجدة. وأحالت عناصر الأمن الولائي التابعة لمصالح الشرطة القضائية بوجدة على محكمة الاستئناف، يومي 6 و7 نونبر الماضي، سبعة أشخاص من بينهم ثلاثة تلاميذ قاصرين من أجل تكوين عصابة إجرامية وتخريب منشآت عمومية والسرقة مع إخفاء المسروق. وقامت عناصر الأمن الولائي التابعة لمصالح الشرطة القضائية بوجدة، يوم الجمعة 9 نونبر الماضي، بتفكيك عصابة من ثلاثة عناصر، اثنان منها قاصران ويتعلق الأمر ب ل.م البالغ من العمر 27 سنة عازب وعاطل والقاصر ج.ع لا يتعدى عمره 17 سنة والقاصر ع.ع من مواليد 1991، متخصصة في سرق الأسلاك الكهربائية . وأحالت عناصر الأمن الولائي التابعة لمصالح الشرطة القضائية بوجدة على المحكمة الدائمة للقوات المسلحة الملكية بالرباط صباح يوم الأحد 14 أكتوبر الماضي شخصين منهما عسكري من أجل تكوين عصابة إجرامية والتغرير بقاصر والسرقة بالعنف تحت التهديد بالسلاح الأبيض. فيما تمت إحالة فتاة قاصر على محكمة الاستئناف بوجدة من أجل المشاركة. وذكرت مصادر أمنية أن تفاصيل النازلة تعود إلى يومين قبل ذلك بعد أن ضبطت عناصر الأمن التابعة للشرطة القضائية أحد الأضناء متلبسا بالاعتداء بالسلاح الأبيض، على أحد المواطنين ومحاولة سلبه دراجته النارية. وكان الفاعلان يوظفان فتاة قاصرا في استدراج الضحية والحديث معه بعد أن تطلب منه عشرة دراهم لركوب سيارة أجرة صغيرة قبل أن ينقض أحد أفراد العصابة على الضحية و يضع السكين في عنقه في الوقت الذي يقوم الآخران بتفتيشه وسلبه ما بحوزته بما في ذلك دراجته النارية. ظروف حضارية أم أسباب اجتماعية؟إن الأسباب الرئيسية المتفق عليها من طرف جل مسؤولي المؤسسات التعليمية والتربوية ومراكز حماية الطفولة التي تستقبل عشرات الأحداث وكذا من طرف أطباء أخصائيين في الأمراض النفسية والعقلية ومسؤولي الأمن، تتلخص في تفشي ظاهرة المخدرات وتعاطيها، خاصة منها الأقراص الطبية المهلوسة “القرقوبي”، التي أصبحت تباع كقطع الحلوى في كل مكان وحتى أمام المؤسسات التعليمية بأسعار جد منخفضة، دون أن ننسى الحديث عن أنواع السموم من المواد الكيماوية ك “الديليون” و”الديسوليسيون” و”كحول الإحراق” وما يوجد في قواميسها من تركيبات سامة مخدرة من صنع محلي وما لا نعرفه... “إن استفحال ظاهرة جنوح الأحداث على مختلف وضعياتهم الاجتماعية، تعود إلى استقالة الأسرة والمؤسسة التربوية من مهامهما بحيث لم تعد هناك مراقبة من طرف الآباء والأولياء ويكتفون فقط بتوفير ظروف التعلم والملبس. أما المؤسسة التعليمية فلم تعد لها تلك المهمة التي كنا نعهدها فيها من مراقبة ومتابعة وحرص على السلوك في اللباس والأخلاق والمواظبة وإرغام التلاميذ على البقاء في قسم المداومة في حالة غياب الأستاذ أو ساعة فارغة، وأصبحت مهامها تقتصر على استقبال التلاميذ وحراستهم خلال وجودهم بها”. ويرى ذ.محمد حومين أستاذ مادة الاجتماعيات والنائب الأول للفيدرالية الوطنية لجمعيات وأمهات وأولياء التلاميذ بالمغرب أن “ظاهرة جنوح الأحداث وتنامي العنف لدى الأحداث في المجتمع المغربي، ما هي إلا مثال بسيط لأزمة التنشئة الاجتماعية والتي هي مسؤولية الجميع، وما الأسرة إلا طرف من مجموعة أطراف واجبها الرئيسي الحد من الظاهرة، استنادا إلى معطيات ودراسات علمية، بدل تبادل التهم والذي لم يؤد إلى شيء”. ومن جهة أخرى، هناك ظروف اجتماعية تدفع عددا من الأطفال والشبان إلى ولوج عالم المخدرات ثم الجريمة.