[email protected] أثناء تواجدي بهولندا خلال شهري فبراير/مارس الأخيرين، لاحظت أن هذه الأخيرة دولة منظمة، نقية، ساكنتها تحترم القوانين سواء كانت ساكنة أصلية أم وافدة. فقلت في نفسي إنه لا شك ستكون القنصليات المغربية في مستوى البلد الذي تتواجد فيه من حيث النقاء والنظام وحسن المعاملة... وإن بدر هذا إلى ذهني، فقد كنت أتمنى الاطلاع على الأوضاع بنفسي، وأسعفني الحظ بعد أقل من أسبوع من وصولي إلى هذا البلد الجميل. حيث كنت على موعد مع شرطة الأجانب للتصريح بدخولي الحدود الهولندية (وهو التنبيه الذي يطبع على صفحة جواز السفر بمحاذاة الفيزا). ولأنني لا أعرف البلد ولا أستطيع التنقل بمفردي، ما دامت هذه أول زيارة لي، كان لا بد من تنقل أخي معي لقضاء هذا الغرض، خصوصاً وأن شعبة شرطة الأجانب كان قد تم نقلها من المدينة (أو البلدة الصغيرة) التي كنت أقطن فيها إلى مدينة أكبر، لقلة من يتوافد عليها في البلدة السابقة. ولأنك بأوربا لن تجد الوقت لقضاء مشاغلك إلا إذا طلبت يوم عطلة، وهذا ما كان من أخي. ولأنه كان قد قدم طلب تجديد بطاقة تعريفه الوطنية، وتردد على القنصلية المغربية بمدينة دن بوش عدة مرات ليعرف أن بطاقته لم تجهز بعد، فكر في أنه ما دام قد أخذ اليوم عطلة من أجلي للتصريح، فلم لا يستغل الفرصة للذهاب لدن بوش لاستلام بطاقة تعريفه (إن جهزت أخيراً)، فمنها زيارة وقضاء مصلحة، بعد أن مرت أزيد من أربعة أشهر على وضع طلب تجديدها (واكتشفت أن ما طرحته لا ينطبق على الناظور فقط، كما قلت في عمود سابق حول البطاقة الوطنية، بل حتى على أوربا، لأن نقطة التشابه بينهما هي “التسمسيرة”). ذهبنا لمدينة أبلدورن لكي أصرح بتواجدي كأجنبي زائر، وتم الأمر بالضبط في الوقت الذي حددوه معي على الهاتف (العاشرة صباحا بالثانية)، عندما اتصلوا بي في اليوم الموالي لوصولي بعد أن ملأت طلب اللقاء. إذ استقبلني وجه شابة بشوش، عرفت من خلال ملامحها أنها مغربية، وعرفت من أخي أنها كانت تعمل في شعبة شرطة الأجانب بالبلدة التي يقطنها، قبل أن يحولوا الشعبة إلى أبلدورن. وأضاف أنها من أصول حسيمية وعائلتها انتقلت لتطوان قبل أن يهاجروا إلى هولندا، وبالتالي تتحدث الريفية والدارجة المغربية بالإضافة إلى الهولندية والانجليزية، لكون كل ساكنة هولندا يتقنون اللغة الأخيرة. فسألتني عن اللغة التي أرتاح إليها، فقلت لها تحدثي بأي لغة تحبين، لأنني أستطيع فهم الهولندية وأتحدث منها القليل وأتقن الإنجليزية وأعرف الأمازيغية والدارجة لكوني مغربي. فابتسمت، وأنهينا المعاملات في ما يقرب من 5 دقائق وودعتها وأخي، وانطلقنا بالسيارة باتجاه القنصلية المغربية بدن بوش. (فهل نحن بالمغرب ننهي أشغالنا لدى المصالح في 5 دقائق؟؟). وصلنا دن بوش، وكان يومَ كرنفالٍ للمدينة (24 فبراير) وخفنا أن تكون القنصلية المغربية مغلقة، لكن لحسن الحظ كانت مفتوحة وممتلئة عن آخرها. دخلنا، وتذكرت كلام زوجة أخي بالأمس : “لا تستغرب لأن القنصلية المغربية بهولندا تشبه المصالح المغربية داخل المغرب، موسخة إلى درجة أنه لو أخذوك فاقد الوعي ووضعوك داخلها ستظن بعد استيقاظك أنك بالمغرب”. وبالفعل، دخلنا القنصلية، واكتشفت أنها موسخة وزليج الأرضية قديم جدا ومن الأنواع الإسمنتية التي توضع على أسقف المنازل. والأمور غير منظمة والناس كذلك. تعجبت للأمر، ألا يجب على مسؤولي القنصلية المغربية، والتي من المفروض أنها بوسط هولندا، أن يكونوا أكثر تحضرا وأكثر نظافة، احتراما للبلد التي هم فيها؟ وتبادر إلى ذهني النظام والنظافة الذين لمستهما في القنصلية الهولندية بالرباط، والذين أثبت الهولنديون من خلالهما أنهم منظمون وإن كانوا بالمغرب. عرفت حينها أنه لا يجب أن نبكي مدننا الوسخة، لكن يجب أن نبكي المواطنين الذين يوسخونها، فأينما حلوا وارتحلوا تصرفوا بنفس الطريقة، حتى وإن كانوا داخل مدينة أنقى من نقاوة تيد (كما يقول الإشهار). فمتى يا ترى سنبلغ مستوى الهولنديين؟ للأسف، تبقى هذه مجرد نافذة من النوافذ المطلة على واقعنا المر!!!