- ضابط قضى 42 سنة في الخدمة ينتظر تنفيذ قرار الإفراغ في حقه رفقة حالات عديدة مماثلة – مرجان الناظور ورش إقتصادي بامتياز في حاجة إلى ملائمة مع مطالب ساكنة تاويمة - ضباط و متقاعدون على حافة التشرد- 74 عائلة تنتظر المصير المجهول أريفينو / خالد بنحمان عدسة / عصام السوداني بقدر ما كان وقع إنشاء المركز التجاري مرجان إيجابيا لدى ساكنة مدينة الناظور من الناحية الإقتصادية عبر خلق دينامية بالمنطقة وتنويع المنتوجات والحد من التأثيرات السلبية لظاهرة التهريب الذي يستفيد منه بالدرجة الأولى إقتصاد مليلية المحتلة. فإن إنشاء المشروع على مساحة تفوق 14 هكتار لم يخلو من تداعيات وانعكاسات إجتماعية مست شريحة واسعة من اسر وعائلات الضباط والمتقاعدين في صفوف القوات المسلحة، لاسيما وأن الإحساس بالتهميش أصبح سمة أزيد من 74 عائلة مصيرها مجهولا ينتظر تنفيذ قرار الإفراغ بين الفينة والأخرى. يوم 25 يونيو من 2008 إعتبر حدثا خاصا حمل معه بشرى لساكنة الناظور خاصة الشباب، من خلال مبادرة إفتصادية لمجموعة مرجان التي قررت إنجاز مشروع ضخم على مساحة تتجاوز 14 هكتار يحتضن أحد فروع المركز التجاري يشتمل على عدة مرافق تجارية وأخرى ترفيهية بالإضافة إلى مواقف للسيارات، المشروع وكما جاء في الدراسات المرفقة بالملف التقني سيوفر 1440 منصب شغل مباشر وغير مباشر من اليد العاملة غلافه 590 مليون درهم مع جدولة زمنية تتوخى إتمام باقي الأشطر وتوسيع فضاءه على مساحات أخرى مخصصة لأنشطة تجارية والرفع من الطاقة الإستيعابية لموقف السيارات إلى 2500 سيارة. ويتضح من خلال الملف التقني للمشروع والدراسة التي أعدت طيلة شهور سابقة للإعلان عن بداية الورش أن من بين النقط الأكثر إيجابية والقوية التي يستند عليها المشروع هي تشغيل قاعدة عريضة من اليد العاملة وامتصاص البطالة وتحريك العجلة الإقتصادية بالمدينة والإقليم الذي يعول عليه للعب دور إستراتيجي في مواجهة تداعيات الإقتصاد المحلي لمليلية إلا أن الوجه الآخر للمشروع يبدو خفيا بعض الشئ خاصة إذا علمنا أن بناء مرجان لن يكون فوق أرض خالية من المشاكل، بل إنه سيلزم العشرات من العائلات لمغادرة مساكنها التي عاشت فيها أزيد من ثلاثين سنة والموروثة عن الفترة الإستعمارية، صورة نشرت معها شكوكا في أهداف المشروع الذي وصفته الساكنة بكونه لم يراعي حقوقهم على إعتبار أن الأرض موضوع المشروع يكتنفها غموض وتداخل خيوط كثيرة وجهات مختلفة مارست تعتيما وضبابية اتجاه السكان الذين لا يطالبون إلا بحفظ كرامتهم والبحث عن حل يقيهم شر التشرد. بمجرد الوقوف بعين المكان تبدو آليات ضخمة ورافعات المقاولة المكلفة بالبناء منهمكة في أشغال حفر وشحن الأتربة وسط غيوم من الغبار الكثيف في حركة دؤوبة على مدى الأربع والعشرين ساعة دون توقف لإتمام المشروع وفق ماجاء في دفتر التحملات. لكن المشكلة أن هذه الأشغال تجري وسط حي سكني يحتضن أزيد من 74 أسرة وعائلة تقطن بهذا المكان منذ ثلاثة عقود تقريبا بعد أن قامت بإصلاح وترميم ما تبقى من بنايات إستعمارية يعود تاريخها لبداية العشرينات، حيث تم ربطها بشبكة الكهرباء والماء والصرف الصحي بل إن جل الوثائق الإدارية ظل السكان يحصلون عليها طيلة هذه المدة وفي ذلك إعتراف بمشروعية تواجدهم فوق هذه الأرض. لكن الطامة الكبرى وكما روى لنا أحد الأهالي أن قرار الإفراغ يمس شريحة أدت خدمات وضحت دفاعا عن حوزة الوطن وهاهي الآن تواجه مصيرا مجهولا وعزلة تامة دون أي إلتفاتة من لدن المسؤولين بعمالة الإقليم أو الحامية العسكرية لتاويمة. البوديحي الحسن ضابط متقاعد تحمل مسؤوليات في غاية الدقة يتذكر بعضها بإحساس ملئه الحزن والأسف ” عملت في رتب مختلفة طيلة 42 سنة تحملت فيها مسؤوليات أبرزها قائد الحرس الخاص للرئيس الغيني أوبنغيما وكل رفاقي الذين كانوا في الخدمة يشهدون على أداء عملي بكل تفان والنهاية أنني وعائلتي على موعد مع التشرد الذي لا يعني سوى نهاية حزينة لي ولأسرتي. ويضيف أحد الضباط لم يفصح عن إسمه “بيننا من شارك في حرب الرمال سنة 1963 والجولان سنة 1973 ضد إسرائيل بالإضافة إلى وجود أرامل أستشهد أزواجهن في ساحة المعركة ومنهن من تنتظر عودة بعضهم من سجون البوليزاريو، بل إن حالات عديدة من ساكنة الحي لمرضى ومتقاعدون لا حول لهم ولاقوة يعانون من إهمال مطالبهم وحقهم في عيش كريم وسكن يحميهم من التشرد وتشتيت شمل أسرهم التي تنام على أصوات الآليات والشاحنات والضوضاء القدم من كل اتجاه، تستنشق غبار أصبح جزءا من حياة يومية ينامون تارة ويستيقظون تارة على هواجس تنفيذ قرار الإفراغ في كل لحظة. وفي جولة “للعلم” بمكان المشروع والإتصال بممثلي السكانة بجماعة بوعرك أو الجمعية الوطنية لقدماء العسكريين وقدماء المحاربين بالناظور تبين أن الوضعية كارثية وتستوجب تدخلا للجهات الوصية في إتجاه تسوية الملف الذي من المحتمل أن يأخذ أبعادا عكسية وغير محسوبة مادام أن الأمر يتعلق بأكثر من 74 عائلة يتجاوز أفرادها 300 فرد، وحتى الأبناء تبدو حالتهم النفسية جد متدهورة منذ سمعوا بقرب مغادرتهم لمنازلهم التي إزدادو ا فيها وتربوا في محيطها، إحساس لا يخلو من غضب وإستياء. ” نحن أبناء عسكريين، يعني رجال شجعان أدوا خدمات لهذا الوطن، هل يمكن أن يتخلى عنهم بكل هذه السهولة ” يتساءل أحدهم وعيناه تنظر في إتجاه الورش الذي وصلت أشغاله مراحل متقدمة. أما عبد السلام الحداد كاتب عام الجمعية الوطنية لقدماء العسكريين فرع الناظور ومستشار بجماعة بوعرك فقد سرد “للعلم” معطيات تهم كواليس إنطلاق المشروع في بداياته الأولى،” الحي المذكور كان موضوع مطلب تحفيظ من لدن الأملاك المخزنية تحت رقم 11/14964 كي يتم إنجاز مرجان وهو الأمر الذي كان محط إعتراض من طرف السكان وتضمنته رسالة موجهة إلى وكالة التحفيظ العقاري بتاريخ 02/02/2009 كما سبق أن وجهنا رسالة مشابهة إلى الكاتب العام لإدارة الدفاع الوطني في موضوع تسليم المساكن العسكرية بناء على مذكرة سابقة لللإدارة المعنية تحت رقم 2642/ م.ه بتاريخ 15 2001 والمسجلة بمجلس النواب تحت عدد 53 بتاريخ 10 يوليوز 1998. ومضمونها تمكين قاطني المساكن من عملية شراء ونفويت في كل أرجاء المملكة الأمر الذي شجع قاطني هذه المنازل على إعداد ملفات لتسوية الوضعية إلا أن هذه الملفات لا زال مصيرها مجهولا دون أن نتلقى جوابا في الموضوع” وفي محاولة أخرى قصد البحث عن تفاصيل أخرى حول رد فعل السلطات الإقليمية والمحلية لاسيما وأن المشروع أشرف على تدشينه السيد عامل الإقليم أكد السيد عبد السلام الحداد “بمجرد أن أعلن عن خبر إفتتاح مركز تجاري تابع لمجموعة مرجان كانت هناك لقاءات متفرقة مع مسؤولين سواء بالحامية العسكرية لتاويمة أو العمالة لم نجني منها سوى وعود وكلمات تهدئة تصب في أن مصلحة السكان فوق كل إعتبار وأن كل الحقوق محفوظة، الأمر الذي سار عليه قائد الحامية السابق عبرنهج سياسية الهروب إلى الأمام دون مراعاة لمصلحة فئة أفنت عمرها في الدفاع عن الوطن”، ويضيف عبد السلام الحداد “لم نتلقى إشارة أو إخبارا في موضوع إنشاء مرجان رغم أننا معنيون بالدرجة الأولى ،بل إن جهات مقربة من عمالة الإقليم حاولت إختراق صفوف الساكنة ومساومتها لقبول تعويضات لا يمكن أن ترد الإعتبار لمن قضى أكثر من نصف حياته في هذا المكان ثم أن العرض الذي تم الترويج له تحدث عن مساحة 150 متر وتعويضات نقدية قيل أنها في حدود 60000 درهم كلها مجرد كلام تداولته الألسن لم يؤكده أي مصدر رسمي. كما عرض على بعض الضباط إمكانية توفير مقر للسكنى تتكفل بمصاريفه السلطات المحلية عبر سومة كراء حددت في 4000 درهم لسنتين إلا أننا عند الإتصال بالموثق وجدنا أن المبلغ لا يتجاوز 2500 درهم لمدة 18 شهر. وتزداد تساؤلات ساكنة الحي المستهدف بقرار الإفراغ حدة حين يؤكدون أنهم لم يقفوا ضد المشروع إقتناعا منهم أن المصلحة العامة فوق كل إعتبار ما دامت أهدافة ونتائجه ستعم شرائح واسعة، إذ ينتظرون تعاملا جديا مع مطالبهم التي لا تخرج عن سياق تعويض يتناسب ووضعيتهم ويوفر لهم إستقرارهم خاصة وأنهم طرحوا بدائل حلول جد مناسبة وتنتظر جرأة على مستوى عمالة الإقليم من خلال مبادرة تأخذ بعين الإعتبار مكانة هذه الفئة في المجتمع وفي ذهن المغاربة عبر إلتفاتة تحفظ كرامة أرامل ومرضى ومتقاعدون لا ملجأ لهم يقيهم من التشرد سوى هذه المنازل التي سهروا على صيانتها والعناية بها لتكون مسكنا لأفراد أسرهم، ثم إن المدة التي قضوها بهذا الحي ليست بالهينة ويتوفرون على وثائق تثبت مدة الإستقرار بها. “لقد ترعرعت هنا وسط هذا الحي وأمضيت مراحل الطفولة والشباب وسط الحي فكونت أسرة ولي أولاد الآن بينما دخلي محدود وأعيش رفقة الأب والأم وإذا حرمنا من المسكن الذي إستنفذ أموالا باهضة في الإصلاح والترميم كيف سيكون مصيرنا ولماذا كل هذا الهروب من تحمل المسؤولية هل مشروعا بهذا الحجم عاجز عن إيجاد حل المتقاعدين. ثم أن كل الإشارات الرسمية أكدت على ضرورة التعامل الإيجابي والإهتمام بالمتقاعدين يقول أحد أبناء.” واقع الحال يؤكد أن المشروع سائر لإنهاء أشغاله بناءا على التصاميم والدراسات المعدة التي وردت في سبورات التعريف بالمشروع الذي أشرف عليه عامل الإقليم رفقة رئيس مجلس إدارة شركة مرجان تاج الدين كنوني في يونيو 2008 كما أن ساكنة الحي أكثر إقتناعا بأن مغادرة مساكنهم التي ستتحول إلى ركام من الإسمنت لا مفر منها ما دامت المصلحة العامة تقتضي ذلك، إلا أن صيانة الحقوق وإيجاد حل بديل يعتبر أيضا جزءا لا يتجزأ من المصلحة العامة في إطار رؤية إجتماعية وتصور يجعل من الأوراش المفتوحة في أكثر من نقطة قاطرة للتنمية الإقتصادية دون الوقوع في شباك التخبط في إنعكاسات إجتماعية، لأن قيام مشروع وفق رؤية تنموية لابد وأن يراعي كل الظروف المحيطة والمتحكمة في نجاحه دون إلحاق ضرر بأي كان خاصة العنصر البشري العمود الفقري لكل المبادرات والسياسات الإقتصادية.