تابعت باهتمام كبير وكلي افتخار بالعرض الذي قدمه إلياس العماري رئيس مجلس جهة طنجة- تطوان- الحسيمة ، أمام يدي الملك الاسبوع الفارط، وهو يستعرض الخطوط العريضة لبرنامج التنمية المجالية لاقليم الحسيمة، وزاد اندهاشي لما سمعت عدد المليارات الفلكية المخصصة لهذا المشروع الاجتماعي الاقتصادي الضخم، فتسمرت في مكاني وقلت لنفسي كيف لهذا الريفي القروي الذي تربى بين أحضان الفقر والتهميش أن يجلب كل هذه المليارات إلى إقليمه ويجعل من مسقط رأسه منارة للمتوسط، رغم ما قيل عنه من عمالة وخيانة وأشياء أخرى..؟ أثناء محاولتي تركيب بعض قطع الاحجية التي جعلت من الحسيمة لؤلؤة المغرب والمتوسط، ولتكتمل الصورة في مخيلتي كان لابد لي من إجراء إسقاط عمودي لتجربة الحسيمة على الناظور علني أجد الوصفة لتستقيم أمورنا نحن كذلك، خاصة وأن الاقليمان منحدران من نفس الطينة والثقافة والمجتمع، نفس الاجداد واللغة والتركيبة الديموغرافية. خلصت، وكلي تشاؤم وتحسر وألم، الى أن الناظور يشكل الاستثناء في كل شيء ولا مجال لمقارنته مع باقي المناطق حتى مع شقيقه الاقرب، وأيقنت أنه لابد من زلزال طبيعي وآخر سياسي كما حدث بالحسيمة لتستقيم الامور فعلا وينطلق القطار ونحصل على المليارات نحن كذلك.. إستجمعت قواي وقلت مع نفسي: حسنا، لكن لابد للنور أن يضيء سماء إقليمنا، الغني بمقومات تجارية وسياحية وثقافية، مهما طالت الظلمات، أيعقل؟..فعاد إلي بصيص الامل في إقليم مزدهر وساكنة سعيدة عاجلا أو آجلا..يفرح العاطل ويطمئن المريض ويغتبط الفلاح وينتشي العامل.. لم تدم لحظة التفاؤل هاته إلا هنيهات، وأنا أستمع إلى قطرات المطر الغزيرة التي لامحالة ستسد الطرقات وتغرق الازقة كالعادة، حتى اصدمت بواقع مرير يصفعنا صباح كل يوم نطالع فيه صفحات مواقعنا الالكترونية الاخبارية المحلية والوطنية وما جادت به من عناوين توحي إلى طبيعة نخبتنا السياسية بالناظور..نخبة نجحت إلى الآن في شيء واحد لا ثاني له: تغذية شعور الناظوريين بالسخط والتذمر الممزوجين بكميات كبيرة من الاحباط حيال مآل إقليمهم، وكأن ساستنا الافاضل، على عكس أقرانهم بالحسيمة ومناطق أخرى، يجتهدون في كيفية تحويل المنطقة إلى جحيم يفتقر إلى أبسط مقومات العيش الكريم للانسان الناظوري المقهور، وليس لهم من الكفاءة ما يخولهم اللعب مع الكبار وجلب الرساميل لخلق المشاريع الضخمة وإرساء أسس التنمية المستدامة الحقيقية. في مدينة الناظور مثلا، لم تصل النخبة بعد إلى مستوى الوعي السياسي الذي يخول لها أن تصنع الفارق..آه نسيت،لكن أي وعي هذا الذي أتحدث عنه والسادة المنتخبون منشغلون في تبادل الاتهامات وتوجيه الاصابع ومهاجمة بعضهم..ماذا ننتضر ممن لا يرى في الكرسي إلا صنبورا للتدفقات المادية والمصالح المعنوية؟ أننتضر منهم أن يصلحوا الاحياء ويرمموا الطرقات وينيروا الازقة ويرسموا المخططات وينشدوا "العام زين" وهم لم يلتئموا حتى فيما بينهم ليصلحوا أحوالهم ويبرزوا مواقفهم ويقدموا مشاريعهم بكل وضوح؟..ماذا ننتضر منهم وهم لم ينجحوا في خلق لوبي ناظوري واحد وموحد، ولو لمرة واحدة، للضغط على المركز، كما يفعل الحسيميون بغيرتهم وإرادتهم، يقيهم شرور نيران الغرباء ويقينا قساوة التهميش، قوة ضاغطة تنتزع الحق الذي لا يعطى وتوفي المدينة حقها المسلوب..فأين الخلل؟ أفينا نحن الذين فضلنا دور المتفرج أم فيهم متقمصي شخصية الممثل..؟ خلاصة القول أعزائي القراء، أقولها وبكل صراحة، نحن اليوم بحاجة إلى زلزال حقيقي وكبير يفتح فجا عميقا في هذه الأرض المقدسة ليبتلع عديمي الضمير بخبثهم ويدفن الحاقدين بأحقادهم..زلزال يطهر المقام ويفصل المقال في الحق والباطل، يرقي الصالح إلى خدمة المواطن ويحاسب الطالح على هدمه الوطن..وحقنا أيضا في ان نحلم بالمليارات ونأمل الخيرات..في أن نعالج العاهات وتستقيم الاعوجاجات..أم أن العقدة ستبقى وتضل التنمية حبيسة الرفوف؟ فلتتحلو بالشجاعة ولتتحملو المسؤولية واعفونا من تراهاتكم الصبيانية..