يحز في نفسي كثيرا وأنا أتجول بين أزقة وشوارع وسط مدينة الناظور وبعض الاحياء المجاورة، تستقبلني كل يوم الحالة المتردية التي أصبحت عليها هذه المدينة العريقة، فتخالجني مشاعر الغضب والحزن الشديد لما أضحت عليها ديارنا التي احتمينا بها منذ أول قدوم لنا إلى الوجود. لا أدري كيف ننام ليلا قرار العين ومدينتنا تعاني في صمت، نغط في نوم عميق وضمائرنا غائبة..لا أستوعب كيف تفننا في خذلان هذه المدينة التي احتضنتنا ونحن صغار، ترعرعنا بين جدرانها، شربنا مياهها وتغلغل هواؤها إلى دمائنا...مدينتنا أمنا التي لا نستطيع فراقها، نحن إليها ونحن بعيدين، نشتاق إلى لمستها، همستها وجمال روحها.. أيعقل أن نتنكر لجميلها علينا و نصبح لها أولادا عاقين؟! لن أكرر لكم ما تعانيه المدينة ولن أذكركم، وأنتم شاهدون وعارفون أكثر مني، كيف تركناها تتعفن وتتآكل وتموت في هدوء..كيف سلمناها إلى غرباء يطعنونها ويكيلون لها الاهانة تلو الاهانة..كيف جعلنا "ذوي نيات خبيثة" يتربعون على عرشها..يأتون على أخضرها ويابسها، يخونون ثقتها ويضحكون على أبنائها، يتراشقون بها بينهم حتى كادت تلفظ أنفاسها..ولكم في أحياء الهامش عبرة كيف تعاني وتحتضر وتنادي هل من مغيث.. أعرف، بل متيقن تمام اليقين، أن أبناء الناظور لا يضاهيهم في حبهم لمدينتهم أحد، أعي جيدا أن الناظوري القح الحقيقي لن يفرط في مدينته حتى وإن وجد نفسه يقف وحيدا في وجه الخطر والتماسيح..كيف لا وهي المدينة التي أنجبته وأنجبت أجداده الذين تركوها له أمانة في عنقه، فلا تنسوا أن الريفي لا يفرط في حقه وحق أرضه مهما بلغ الثمن.. مقالتي هذه اليوم، التي قد تليها أخرى وقد لا تفعل، أطل بها عليكم أعزائي لأذكركم بجذوركم وبمن نكون ومن أين أتينا..لا أعطي بها دروسا لأحد في التضحية والكفاح من أجل الأرض والمدينة، لا أستعرض فيها الارقام ولست أضخم الكلمات والمعاني..بل أناشد كل ضمير حي لازال يتنفس حب هذه المدينة أن يتصدى لكل من أعطيناه فرصة تسيير المدينة وخاننا، أن يقف في وجه كل من طعننا في الظهر وضحك علينا..أن يواجه بشجاعة وحزم من أغرقنا في النفايات ومرغ أحياءنا في الأوحال والفيضانات، من جعل أحياء الضواحي مهمشة ولا تصلح للسكن والعيش الكريم، نشر الأمراض وأباح الجريمة..ثم يأتي اليوم، بكل وقاحة، والانتخابات على الابواب ليزفت الطريق وينير الزنقة ويصلي الجماعة في المسجد..ولسان حاله: ها أنا ذا ! إننا اليوم أمام مفترق طرق..ها هي الانتخابات قادمة على بعد أيام، ها هم المرشحون أمامكم بشطحات بعضهم المعتادة ووعود بعضهم التي قد نثق بها وقد لا نفعل، فدعونا نجعلها موعدا لمحاسبة الخائن وعقابه وفرصة لمن نراه أهلا للثقة..منا من سيصوت على مرشحه المفضل، جاره أو قريبه أو زميله أو من سمع عنه خيرا، ومنا من سيمتنع تعبيرا منه عن غضبه..لكن الاهم هو أن لا نجعل المحطة الحاسمة تمر دون محاسبة ودون تغيير حتى لا تقبل منا شكاية بعد هذا.."إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم" صدق الجميل الجبار..فهل سمعنا النداء؟! أتوقف عن الكتابة إلى أن تمر المرحلة.