مواجهات تستعمل فيها شتى أنواع الأسلحة وأخطر الأساليب الإجرامية تخطف أضواء الإعلام الهولندي بجانب النجاحات التي راكمها الشباب المغربي في هولندا وتبوئه مناصب مهمة في المجتمع، هناك طينة أخرى دخلت أبواب الجريمة من بابها الواسع، ودفعت ثمنها غاليا، وهي الفئة التي عادة ما تسرق الأضواء أكثر، وتذكي النقاشات حول وضع المهاجرين في هذا البلد الأوربي…في هذا التحقيق، تكشف "الصباح" حقائق مثيرة، وفي مقدمتها كيفية تطور أساليب حروب "المافيا" في بلاد الأراضي المنخفضة، والزج ببعض الشباب المغاربة في أتونها، وكم حصدت لغة الرصاص من الضحايا، وماذا تخبئ صراعات المجموعات الإجرامية في المستقبل من مفاجآت…؟ إنجاز: عبد الحكيم اسباعي (الناظور) ترسم تقارير أمنية هولندية صورة قاتمة عن هذا الوضع، فالمغاربة لا يتصدرون قائمة الضحايا فقط، بل إن الحرب بين أفراد العصابات هي في الغالب بين المغاربة أنفسهم، إذ يتزعم العديد منهم شبكات دولية تتوغل أذرعها في العديد من الدول الأوربية وتتوفر على فروع في دول أمريكا اللاتينية. بمدينة كبيرة من حجم أمستردام، لا حديث بين أبناء الجالية المغربية سوى عن حرب الاغتيالات التي تعرفها شوارع العاصمة، ويذهب ضحيتها سنويا شباب في مقتبل العمر. وعلى غرار أمستردام بمدن أخرى، يوجد شباب من أصول مغربية، لكنه ولد وترعرع في هولندا في قلب "حرب" تستعمل فيها شتى أنواع الأسلحة النارية وأخطر الأساليب الإجرامية بين شبكات، تحاول كل واحدة منها التربع على عرش المتاجرة في الحشيش أو المخدرات القوية. لكن هذه الحوادث الدامية ليست مجرد مادة دسمة لوسائل الإعلام الهولندية فحسب، وإنما صارت مصدر قلق مُتزايِد يتقاسمه أبناء الجالية في ما بينهم، وواحدة من القضايا التي تشغل بال السياسيين والفعاليات المدنية وتدفعهم إلى دق ناقوس الخطر. جرائم قتل وتصفية حسابات في 29 دجنبر من 2012، كان كل من سعيد اليزيدي (21 سنة، يتحدر من ورزازات) ويوسف الكورف (28 سنة، يتحدر من الناظور) على موعد مع الموت، بعدما قامت عناصر مجهولة بإطلاق النار عليهما بسلاح كلاشينكوف، فيما نجا بأعجوبة صديقهما الثالث "ب.ع" المستهدف الرئيسي بهذه العملية، الذي تمكن من الفرار. بعد تحقيقات معمقة ستكتشف الشرطة الهولندية أن المهاجمين ما بين خمسة أشخاص إلى سبعة، استعملوا سيارتين مسروقتين لتنفيذ هذه الجريمة الدموية، كما أن تحريات المصالح الأمنية حينها توصلت إلى إيقاف المستهدف بالاغتيال، وحددت دوافع الجريمة التي لم تخرج عن إطار تصفية الحسابات بين شبكات الاتجار في المخدرات وحرب المواقع للتحكم في السوق. لكن المثير أن المهاجمين لم يكتفوا بقتل الضحيتين، بل هاجموا أيضا شرطيين وأطلقوا الرصاص نحو دراجتين ناريتين كانا على متنها، وهو ما خلق حالة استنفار في صفوف الأجهزة الأمنية. وحسب تحريات مصالح الأمن الهولندية، تقف شبكات إجرامية وراء حوادث إطلاق النار بعدد من المدن، وفي مقدمتها أمستردام وروطردام ودينبوش وأوتريخت وهارليم ودنهاخ وغيرها بسبب تنافسها حول كميات الكوكايين والمخدرات التي تهرب إلى هولندا أو توزع محليا، أو بسبب حسابات قديمة بين أفرادها السابقين، حول عائدات هذه التجارة، أو لتنفيذ عمليات تصفية منافسين. وتشير المعطيات التي حصلت عليها "الصباح" إلى قائمة طويلة من أسماء شباب مغاربة آخرين سقطوا ضحية لهذه المواجهات، إذ بالطريقة الدموية نفسها، قتل سنة 2012 رضوان بوطاقة "31 سنة" في 22 أبريل، ونجيم بوحبوح "34 سنة" في 18 أكتوبر، بالإضافة إلى يوسف لخورف وسعيد اليزيدي في 29 دجنبر. المصير ذاته، سيتكرر في حوادث دموية متفرقة شهدتها 2013 من بينها اغتيال رضا بناجم "21 سنة" في 16 مارس، وسهيل لعشير "26سنة" في 26 ماي من السنة نفسها، وفي 2014 حصدت حرب الاغتيالات، محمد الميوري "30 سنة" في22 مارس، وفي 18 غشت من السنة نفسها اغتال ملثمان في العشرينات من العمر، المغربي الهولندي، المدعو "الدرقاوي فان دي مايدن" الملقب ب"بيركي، 34 سنة". ويقول مصدر "الصباح"، إن حرب المواقع وتصفية الحسابات، تقترن بتجارة المخدرات، وإن أغلب الضحايا يتحدرون من شمال المغرب، وهذا في حد ذاته مؤشر واضح على ارتفاع العنف بين الشباب المغربي المقيم بهولندا، وتحول كبير في أسلوب الجرائم المرتكبة من قبلهم، إذ سجل سنة 2013 لوحدها 10 قتلى في ظرف لا يتجاوز ستة أشهر. مافيا عابرة للحدود يرى الصحافي المغربي بإذاعة هولندا العالمية، أنس بنضريف، أن السنوات الأخيرة، عرفت تحولا كبيرا في الجريمة المنظمة وتغيرت معها ملامح المافيا الهولندية، التي صار يقودها شباب مغاربة في مقتبل العمر، يختلفون عن الهولنديين بتجنبهم للأضواء والإعلام، حيث ما زالوا يقطنون في أحيائهم الشعبية، ويشتغلون في مجموعات منظمة في هولندا وخارجها. ويعتقد بنضريف، في حديثه إلى "الصباح"، أن هذا التحول سيفرز منذ 2012 مواجهات طاحنة بين عصابات مغربية حينما اختفت شحنة كوكايين من مدينة أنفرس البلجيكية، ودخلت إثر ذلك في تبادل الاتهامات في ما بينها سرعان ما تحولت إلى حرب اغتيالات. لكن الميزة الأخطر، حسب بنضريف، تتمثل في فشل الشرطة الهولندية على اختراق هذه المجموعات التي تمتلك فروعا في باقي الدول الأوربية، في حين تتميز جرائم منتسبيها بدقة التنظيم، وتنفيذها لعمليات مربحة، إذ تمكنوا في يونيو 2011 من السطو على 12 مليون أورو في هجوم هوليودي على شاحنة تملكها شركة "برينكس" مخصصة لنقل الأموال. كما أن أنشطة المافيا المغربية تمتلك فروعا في العديد من الدول الأوربية بفضل وجود المغاربة بكثرة في هذه الدول، وهذه ميزة أخرى تفسر سرعة انتقال شرارة عمليات التصفية والانتقام بين هذه الشبكات من دولة إلى أخرى. وتقول مصادر "الصباح" إن التساؤل اليوم في الأوساط الأمنية الأوربية يزداد حدة حول القوة التي تتمتع بها هذه الشبكات بالنظر إلى الجرائم التي تقترفها وقدرتها على التحرك من دولة إلى أخرى، ففي أواخر غشت الماضي، هاجم مسلحون بماربيا في الجنوب الإسباني، بارون الكوكايين الشهير "سمير بويخريشن (36 سنة). ورغم دهائه وحذره الشديد، قتل "بويخريشن" في هذا الحادث الدموي بطريقة شبيهة، بما يحدث في أفلام المافيا بعدة رصاصات في الرأس والظهر، فيما تمكن حوالي سبعة من مرافقيه من النجاة والفرار إلى وجهة مجهولة، وبذلك أفل نجم هذا البارون الذي اقترن اسمه في غرب أمستردام بلقب "سكاري" أو "سكارفيس". أسلحة المافيا خطر يهدد المغرب لا تتوقف غرائب هذه الشبكات عند هذا الحد، فقد كشفت الكثير من الحوادث الدموية عن امتلاك أعضاء العصابات الإجرامية لأسلحة نارية مختلفة الأنواع والأحجام، من بينها المسدسات الأتوماتيكية والأسلحة الرشاشة ذات الاستعمال الحربي كالكلاشينكوف وبعض القاذفات والسترات المضادة للرصاص.. تفيد المعطيات التي توصلت إليها "الصباح"، أن المافيا نفسها أضحت تتكلف بتنفيذ عمليات تصفية تتجاوز الحدود الوطنية، وأحيانا تتعدى حتى الحدود الأوربية لتصل إلى حد تصفية بعض العناصر المنافسة لها داخل التراب المغربي، أو في الجنوب الإسباني الذي يعد معقلا للمشاريع الاستثمارية الكبرى التي يملكها بارونات المخدرات. وتؤكد مصادر "الصباح" أن الحوادث الأخيرة التي شهدتها بعض المدن المغربية قد تكون لوحدها كافية لدق ناقوس الخطر حول التهديد الذي باتت تشكله المجموعات الإجرامية التي يكونها المغاربة بأوربا، إذ لم يعد مستبعدا أن تنقل جزءا من صراعاتها أو أساليبها في الجريمة المنظمة إلى التراب الوطني. لكن تلك المخاوف ليست مجرد توقعات بل هناك لحد الآن مؤشرات قوية تؤكد هذا الخطر الداهم، إذ سجلت جرائم مماثلة في مدن شمال المغرب استعمل فيها السلاح الناري المهرب من أوربا، كما كانت مدن أخرى مسرحا لمواجهات دموية تحمل بصمات تصفية حسابات بين شبكات الاتجار الدولي في المخدرات. 20 سنة لعضو مافيا أوقف بطنجة حين كان الجميع منشغلا بتتبع تفاصيل جريمة اغتيال "سمير اليزيدي" و"سعيد الخورف" وقبل أن يظهر اسمه ضمن قائمة المطلوبين على الصعيد الدولي تمكن أحد المتهمين الرئيسيين المسمى "حمزة بلحاج، من مواليد 1986″ من مغادرة هولندا والسفر إلى المغرب، إذ استقر بضواحي طنجة قبل أن تلقي عناصر الأمن المغربية القبض عليه بمحيط مطار ابن بطوطة. الحادث الدموي الذي شارك فيه "حمزة" وإن لم يكن الأول الذي هز الرأي العام المحلي، إلا أنه لم يكن ليمر دون أن تخصص له وسائل الإعلام الهولندية حيزا مهما في تقاريرها ونشراتها الإخبارية، هذا الاهتمام سيبرز مجددا وبقوة بعد اعتقال بلحاج وبدء محاكمته أمام غرفة الجنايات بمحكمة الاستئناف بطنجة. وتفيد المعطيات التي توصلت إليها "الصباح" أن "بلحاج" ورغم دهائه وحذره الشديد سيقع بعد ستة أشهر من الفرار في مصيدة صديقته الهولندية التي حلت على متن طائرة قادمة من أمستردام لزيارته لينتهي به المطاف في قبضة عناصر الفرقة الوطنية التي حلت خصيصا لإيقافه في المطار، وهي العملية التي سبقها تنسيق وتبادل للمعلومات بين المصالح الأمنية المغربية ونظيرتها الهولندية. كما أن المثير في الأبحاث التي أجرتها الشرطة الهولندية، تضيف مصادر "الصباح" أن الشبكة التي ينتمي إليها الموقوف كانت تمتلك ترسانة من الأسلحة الفتاكة، من بينها رشاشان أحدهما من نوع "كلاشينكوف"، بالإضافة إلى مسدس وكميات كبيرة من الرصاص وقذيفة وسترات واقية، وأمام خطورة هذه الأفعال ستقرر محكمة الاستئناف إدانته بعشرين سنة سجنا نافذا. تعليق