هذا المقال قبلة أطبعها على جبين كل امرأة مكافحة.. سمية البوغافرية: كاتبة مغربية من مواليد الناضور الأم مدرسة اذا أعددتها أعددت شعبا طيب الأعراق..ولعل هذه المقولة التي ترددها كل الأجيال ونحفظها عن ظهر قلب على قدر كبير من الصحة والصواب … ولعل الشاعر، قد تنبه إلى مدى قدرة المرأة على النهوض بمهمة التربية أكثر من غيرها…ولعله يؤمن بأن فاقد الشيء لا يعطيه لذلك دعا من خلال هذه المقولة إلى ضرورة إعداد المرأة… ومع ذلك رغم ضيق آفاق المرأة آنذاك ورغم محدودية وعيها فقد تفتحت على يديها رموزا بصمت التاريخ بإنجازات خارقة لا نملك أمام شحة الإمكانيات والوسائل وقتئذ إلا أن نسجد لها انبهارا… والسؤال الذي أود طرحه الآن هو: ها نحن قد أعددنا المرأة وهاهي تحتل لكفاءتها أعلى المراكز الاجتماعية وتشغل مناصب صنع القرار… ألا يحلو لنا الآن أن نتغنى “بشعب طيب الأعراق”؟؟؟… الواقع يؤكد العكس تماما… فالمجتمع يطفو فوق مستنقع الفساد ويئن تحت وطأة أقدام المنحرفين حتى صار كل واحد منا يخشى على ابنه من مجتمعه كما يخشى من ألسنة النيران…فأين الخلل؟؟ وأين الخطأ؟؟؟ هل المرأة في حاجة إلى التكوين ومزيدا من الإعداد لإقلاع المنظومة التربوية على يدها بنجاح؟؟؟ هل المرأة هي المسئولة عن هذا الخلل لأنها انشغلت بالمراكز الاجتماعية وبالتساوي مع الرجل الفحل وبالتفوق عليه ومحت مهمة التربية من قاموسها وأجندة أعمالها؟؟؟ هل لو عاش الشاعر حافظ إبراهيم حتى اليوم لغير نظرته إلى المرأة وسار مع السائرين بأنها الطائشة وأنها الفتنة وأنها الضلع الأعوج الذي لا ينفع معه تقويم؟؟؟… وانتصارا لمقولته، لدعا إلى أسرها بين الجدران لتعد لنا شعبا طيب الأعراق ؟؟؟ أم أنه لظل يمدح في امرأة زمانه التي كان اهتمامها منصبا على بيتها وأولادها ويشجب بامرأة اليوم التي خيبت آماله؟؟ أم أنه لوقف على حقيقة امرأة اليوم ونزل علينا بمقولة فيها نسجد لها كما سجدنا لهذه؟؟؟؟… وإذا علمنا أن النساء المتعلمات والعاملات بطبيعتهن أمهات أكثر حرصا على تقويم سلوك فلذات أكبادهن وأكثر تفتحا وتطلعا ووعيا بالمسئولية الملقاة على عاتقهن وأنهن أكثر سعيا نحو كسب رهان زمانهن فما سر هذا الخلل الكبير الذي اعترى المجتمع والذي أرى أنه يستعصي تداركه في الوقت الراهن؟؟؟ وماذا جرى لهذه المؤسسة المناط بها مهمة إعداد الأجيال؟؟؟ هل انفلتت منها زمام الأمور فلم تعد تعد لنا غير المنحرفين ومنفصمي الشخصية وعديمي الهوية…؟؟ هل من العدل أن نلصق بها وحدها مهمة إعداد الأجيال بعد هذا الغليان الذي يشهده المجتمع، وأمام كثرة العيون المتربصة بأبنائنا والتي تنظر أدنى عثرة أو غفوة لتنقض عليهم وتفتك بهم بأسلحتها المدمرة والكفيلة، في لمح البصر، بأن تهد صحتهم ومستقبلهم وتضع كل مجهودنا أدراج الرياح؟؟؟… المرأة لم ولن تتنصل من مهمتها التربوية. بطبيعتها كأم تدفعها غريزة الأمومة إلى أن تشع النور حولها ثم تمتصه نفسيتها فيما بعد فتنشر الارتياح في أعماقها ناسية ما كلفها ذلك من جهد وطاقة وتضحية…والواقع يشهد أن المرأة العصرية والتي صارت معقد الآمال في دفع عجلة التنمية بإدماجها في سوق الشغل أكثر من ذي قبل إدراكا ووعيا بالمهمة التربوية الملقاة على عاتقها وأكثر حرصا على أن تبلغ بهذه الوظيفة الجليلة أسمى درجات النجاح… على عكس ما كانت عليه المرأة سابقا حينما كانت تفرخ كالدجاجة وتحت ضغط الجهل تغرق سفينة المجتمع وسفينة حواء بيدها بإقعاد بناتها بجانبها.. ولعل أكبر خطأ ارتكبته هذه الأمهات، اللاتي طالما تغنينا بمجهودهن وصبرهن وتضحيتهن ومثابرتهن، حرمان بناتهن من التعليم… جريمة وذنب لا يشفعه لهن غير الجهل الذي أعمى أبصارهن وبصر من حولهن… والسؤال الذي أطرحه الآن هو ماذا أعددنا لمدرستنا الطبيعية ( الأم مدرسة) حتى تنهض بهذه المهمة الجليلة ( التربية) على أكمل وجه؟؟؟… أيعقل في هذا الوقت بالذات وأمام هذا الغليان الذي يشهده المجتمع أن تلصق بالمرأة وحدها هذه المهمة كما التصق بها الحمل وعملية الإنجاب بدون دعم أو سند ؟؟؟ أليس تسجيل “بدون” في الوثائق الرسمية أمام بيان العمل أكبر صفعة لربات البيوت”المدارس الطبيعية” وأكبر دليل على احتقار “مهنتهن”؟؟ أليس في عدم الاعتراف بما يزاولن من نشاط يجعلهن كمدارس بدون رخص أدنى موجة من الرياح ستعطل هيكلها إن لم يتعطل من تلقائية نفسه ؟؟؟ ألم تعد المرأة التي لا تشتغل خارج البيت عالة على نفسها وعلى ذويها وكل أصابع الدونية موجهة إليها ؟؟؟ أليس هذا ما يدفعهن إلى التمرد على وظيفتهن الأساسية والجليلة ويتمنين العمل في المناجم بدل التحرق والتمزق في الظلام دون أدنى اعتراف أو تقدير؟؟ ألم يحن بعد الوقت لرد الاعتبار لهن بعدما صارت منهن متعلمات ومجازات وحاملات شواهد عليا؟؟ أليس هناك من التفاتة نوفر لهن بعض ما تتطلبه مهمة التربية والعناية بالأطفال التي التصقت بهن عبر الأزمان ونجعلهن يفتخرن بها افتخارهن بما يزاولن من نشاط خارج بيوتهن؟؟ أليس في فرض أجور لهن أو رفع في رواتب أزواجهن أو خلق حوافز أخرى يجعلهن يقبلن على نشاطهن البيتي إقبالهن عن الأنشطة الأخرى خارج البيت سينتشلهن من حالة الضياع وسيعيد إليهن وإلى المجتمع بعض التوازن المفقود؟؟؟ أليس في نهج سياسة جذبهن إلى بيوتهن وإعلاء من شأن نشاطهن المنزلي سيخفف من حدة البطالة ويفسح لإخواننا الذكور العاطلين بعض المجال في إيجاد العمل لعجزهم بالنهوض بشؤون البيت؟؟؟ أليس في تخفيض أوقات العمل خارج البيت بالنسبة للنساء العاملات أمر يحتمه واجب التربية ليتفرغن قليلا لمهمتهن الأصلية؟؟؟… أم أن إنقاذ المجتمع ودفع عجلة التنمية فيه يقتضي إثقال المرأة بأوزار من الداخل والخارج وبالتالي عليها أن تضحي من جسدها ومن وقتها وبمستقبلها لكسب رهان زمانها وإعلاء راية مجتمعها وإلا صفعناها بالإهمال والتهور والطيش وحملناها مسئولية ما اعترى المجتمع من خروق وخلل؟؟؟… لن تصلح المرأة وحدها ما أفسده الدهر !!! ولن يصلح المجتمع طالما تهدر فيه قيمة أنشط عنصر فيه… المرأة كانت وما زالت رمزا للتضحية في سبيل عتق سفينتها من الطوفان والبلوغ بها إلى بر الآمان… إلى حد يذهب بي عقلي أحيانا إلى أن كلمة “التضحية” جاءت مؤنثة في القواميس لتؤكد هذه الحقيقة التي نتجاهلها كثيرا… ولنا أن نستدل على هذا بالإجابة على هذه الأسئلة: كم من امرأة تزوجت بعد وفاة زوجها أو طلاقها ؟؟ كم من امرأة ضحت بمستقبلها في سبيل الحفاظ على مملكتها؟؟وكم من أسرة أو بيت انهد وتهدم بسبب وفاتها أو غيابها؟؟… وأخيرا تحية كبيرة لكل امراة أنجبت وسهرت حتى قرت عيناها بثمرتها… تحية إكبار لكل امرأة وقفت بجانب زوجها لدفع سفينة أسرتها إلى بر الأمان وانتشالها من الغرق في هذا المجتمع المجرور إلى الهاوية بكل الوسائل تحية إجلال لكل امرأة أسندت همهما إلى قلمها لتبرز حقيقتها وتكمل رسالتها في الحياة وأخيرا أقول رحم الله عبدا قال: الله يسمح لنا من اعيالاتنا*** ***هذه مقولة وردت على لسان مبدع مغربي صرح للمذيعة فخورا بنفسه بأنه يهب كل وقته للإبداع فجاء سؤالها تلقائيا عن مآل أسرته ورد فعله لو كانت زوجته مبدعة تنفق من الوقت والسهر ما ينفقه على إبداعه فكان جوابه بعدما طأطا رأسه خجلا: الله يسمح لنا من اعيالاتنا… العيالات = النساء في اللهجة المغربية ************* سمية البوغافرية: كاتبة مغربية من مواليد الناضور إنجازاتها الأدبية: أجنحة صغيرة: مجموعة قصصية. إصدار دار سندباد / القاهرة 2009 رقص على الجمر: مجموعة قصصية. إصدار دار الينابيع/ دمشق 2010 وروايتان تحت الطبع