ما هي حصيلة مسلسل إدماج الأمازيغية في القطاعات المحددة من قبل الظهير المنظم للمعهد بعد خمس سنوات على انطلاقه؟ وما هي الأسباب الكامنة وراء “البلوكاج” الذي عرفه هذا المسلسل؟ و هل أثبتت المقاربة التشاركية محدوديتها؟ وما هو تفسير الهجوم الذي يقوم به حزب الاستقلال لصالح مشروع التعريب؟ هذه الأسئلة وغيرها يجيب عنها الأستاذ أحمد بوكوس، عميد المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية وأحد أبرز الوجوه الفكرية والعلمية المعروفة داخل الساحة الوطنية، في الحوار التالي: مرت خمس سنوات على انطلاق مسلسل إدماج الأمازيغية في قطاعات كالتعليم والإعلام، نود منكم أن تعطونا تقييما لحصيلة هذا الإدماج؟ نعتبر في المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية أن حصيلة خمس سنوات من العمل حصيلة إيجابية بالرغم من بعض الصعوبات. في مجال التعليم، فمسلسل إدماج الأمازيغية شمل كافة مستويات التعليم الابتدائي بل شُرع في إدراج الدراسات الأمازيغية في بعض الجامعات خاصة جامعة ابن زهر بأكادير وجامعة سيدي محمد بن عبد الله بفاس وجامعة سيدي محمد الأول بوجدة والكلية متعددة الاختصاصات بالناظور وجامعة عبد المالك السعدي بتطوان. فالمعهد يساهم في إنجاح هذا المسلسل بتوظيف موارده البشرية والمالية كما قام بإعداد الكتاب المدرسي ودليل المدرس لكافة المستويات وأطّر عددا كبيرا من الدورات التكوينية لفائدة المفتشين ومكوني مراكز التكوين وأساتذة الأمازيغية. أما على مستوى الإعلام، كما تعلمون، فإن القناة الإذاعية أصبحت تبث برامج بالأمازيغية لمدّة 16 ساعة يوميّا، كما تستقبل القنوات التلفزية عددا من البرامج الناطقة بالأمازيغية والمتنوعة المضامين. إضافة إلى دعم الجمعيات والباحثين والمبدعين والفنانين. وهذه منجزات لابد من تثمينها لأنها ساهمت في تعزيز مكانة الأمازيغية في التعليم وفي الإعلام وفي المجتمع بالقياس مع ما كانت عليه الأمازيغية قبل إحداث المعهد. في رأيكم ما هي الأسباب الحقيقية الكامنة وراء “البلوكاج” الذي عرفه مسلسل إدماج الأمازيغية في التعليم والإعلام على وجه الخصوص؟ إن طموح المعهد وانتظارات المجتمع تجعلنا نأمل في تحقيق المزيد من المنجزات لصالح الثقافة الأمازيغية، ولهذه الغاية علينا جميعا، مؤسسات عمومية ومنظمات غير حكومية ومواطنين، كل من موقعه، أن نعي أن النهوض بالأمازيغية مسؤولية وطنية وأن تعزيز مكانتها من الأهداف الوطنية التي تساهم في تحقيق المجتمع الديموقراطي الحداثي المنشود. لماذا لم يحتج المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية على الجهات التي لم تتحمس في تفعيل وتيرة الإدماج رغم وجود إرادة سياسية قوية من أعلى سلطة بالبلاد لرد الاعتبار للثقافة الأمازيغية وإدماجها في مختلف مناحي الحياة العامة؟ علينا أن ندرك أن المعهد مؤسسة أحدثت بجانب صاحب الجلالة في ظل رعايته السامية تضطلع بتشارك مع القطاعات الوزارية المعنية بمهمة النهوض بثقافة الأمازيغية وتنميتها. وحتى يتسنى للمعهد القيام بالمهام المنوطة به فإنه يعمل بتشارك مع القطاعات الحكومية المختلفة في إطار لجن مشتركة تشتغل على أساس الالتزام بمنطوق الخطاب المولوي بأجدير والاحترام المتبادل وتطبيق القوانين والمساطر التي تؤطر العمل التشاركي بين المؤسسات. هل تعتقدون أن التراجع الذي عرفه ملف الأمازيغية يشكل جزء من التراجع العام الذي عرفته الديمقراطية؟ وما هو دور المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية في استدراك هذا التراجع على مستوى ملف الأمازيغية؟ الانطلاق من فرضية تراجع الديمقراطية في بلدنا شيء يستدعي تحليلا معمّقا للوضع السياسي الراهن. فدمقرطة الدولة والمجتمع والمواطنين سيرورة تاريخية ليست بالمسلسل الخطي المسترسل بل هي سيرورة تخضع بالدرجة الأولى لدينامية العلائق بين الدولة والمجتمع والأمازيغية ما هي إلا رهان ضمن الرهانات الأخرى التي تعرفها بلادنا كالتعليم والعدل والمرأة والشغل ... إذن، فتقدم الأمازيغية رهين بالإرادة السياسية للدولة وبوعي الطبقة السياسية والحركة الجمعوية وبالتزام المؤسسات. ألا تعتقدون أن المقاربة التشاركية التي يشتغل وفقها المعهد قد أثبتت محدوديتها؟ بالعكس، في اعتقادي، أن المقاربة التشاركية في معالجة القضايا الوطنية وتدبيرها تدبيرا مسؤولا وناجعا هي المقاربة الحضارية الكفيلة بتفعيل السياسات العمومية في مجال النهوض بالأمازيغية. أمّا المقاربات التي تعتمد المجابهة أو العدمية أو الانبطاحية فقد أثبتت فشلها. طبعا، إن نجاعة المقاربة التشاركية رهينة بالتزام كافة الأطراف. في رأيكم هل تغيرت صورة الأمازيغية لدى الأحزاب السياسية بعد الخطاب الملكي بأجدير وإحداث المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية؟ أكيد أن صورة الأمازيغية تغيرت لدى الأحزاب السياسية بعد الخطاب الملكي بأجدير وإحداث المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، سيّما وأن قبل ذلك تمت مشاورات واسعة مع الأحزاب وأن كافة الفاعلين السياسيين والنقابيين والجمعويين قد حضروا في أجدير بخنيفرة. إضافة إلى ذلك، فإن المصادقة المولوية على حرف تفيناغ قد سبقتها استشارات واسعة مع النخب الوطنية. معنى هذا أن الأحزاب السياسية الوطنية تدرك أن الثقافة الأمازيغية رافد أساسي من روافد الثقافة الوطنية وأن على الجميع أن يساهم في النهوض بها. ولكن لن تدفعنا السذاجة إلى القول إن جميع الأحزاب السياسية منخرطة بشكل كليّ وملتزم وبنفس الدرجة في مسلسل النهوض بالأمازيغية قصد تبوئها المكانة اللائقة بها في التعليم والإعلام وفي الحياة العامّة. ولعل الوضعية الراهنة التي تعرفها الأمازيغية تعكس التفاوت الحاصل في التعامل معها. ما طبيعة الدور الذي لعبه المعهد في هذا التحول سواء في علاقته مع الأحزاب السياسية أو المنظمات الحقوقية التي أصبح بعضها يطالب بدسترة الأمازيغية كلغة رسمية؟ إن تحقيق المهام المنوطة بالمعهد من مسؤوليات مجلس إدارة المعهد والإدارة المركزية وطاقم الباحثين والإداريين بتشارك مع المؤسسات ذات الصّلة بالأمازيغية والجمعيات الثقافية. فحسب الظهير الشريف المحدث والمنظم للمعهد، فإن المعهد يضطلع بمهمّتين أساسيتين وهما مهمّة سياسية تكمن في إبداء الرأي لصاحب الجلالة عند الطلب في كلّ ما من شأنه أن يساهم في النهوض بالأمازيغية، ومن جانب آخر فإن المعهد يتشارك مع المؤسسات الحكومية في القيام بالتدابير الخاصّة بالأمازيغية وترجمتها في السياسات العمومية. والمهمة الأكاديمية تكمن في إنجاز سائر العمليات التي من شأنها أن تساهم في الحفاظ على الأمازيغية وتنميتها من تهيئة اللغة وتنميط تفيناغ وجمع ودراسة المُتُن الأدبية والفنية وإعداد الحوامل البيداغوجية وتكوين الأساتذة والمساعدة في إدماج الأمازيغية في الإعلام إلخ. في هذا الأفق، فإن المعهد يتشارك مع المنظمات الحقوقية والجمعيات الثقافية والتنموية كما أنه يقوم بعمليات تحسيسية وتواصلية تجاه الأحزاب السياسية والفرق البرلمانية قصد توعيتها بأهمية الأمازيغية وضرورة العمل من أجل خلق الشروط الملائمة للنهوض بها على مستوى الجهازين التنفيذي والتشريعي. كيف تفسرون الهجوم الذي يقوم به حزب الاستقلال لصالح مشروع التعريب؟ لكلّ حزب سياسي خطه السياسي والإيديولوجي وهو مسؤول على التداعيات التي قد تنجم عن تطبيقه سلبا أو إيجابا. ولكن من المفروض أن المنطلق الأساسي لكل حزب سياسي هو إذكاء روح المواطنة والغيرة على التناسق الاجتماعي ووحدة مكونات المنظومة الوطنية. والابتعاد عن كل ما من شأنه أن يؤدي إلى الأحادية الفكرية وإلى اختزال التعددية الثقافة واللغوية. في نظركم ما هي القيمة المضافة لإحداث المعهد داخل الحياة السياسية؟ بداية، علينا أن ندرك أن المعهد مؤسسة وطنية في خدمة البعد الأمازيغي في الثقافة الوطنية. فالمعهد إذن ليس بتنظيم سياسي ولا هو بنقابة ثقافية ولا هو بمنظمة غير حكومية. إذ ثمة إطار مرجعي قانوني يحدد هوية هذه المؤسسة ويؤطر عملها. أمّا القيمة المضافة التي يقدمها المعهد للوطن فهي تكمن في كون هذه المؤسسة أول إطار مؤسساتي في تاريخ المغرب يعنى بالحفاظ على الأمازيغية والنهوض بها وتنميتها. ولا شك أن إحداث هذه المؤسسة من المؤشرات الدالة على انخراط البلاد في مسلسل الدمقرطة. تداولت بعض المنابر الإعلامية خبر تكليف الحكومة عمادة المعهد الملكي بصياغة تقرير ضد ما صرح به أحمد الدغرني لبعض المنظمات الدولية حول كون الأمازيغ بالمغرب مهضومي الحقوق والحريات؟ لقد ساهم المعهد في التداول حول الحقوق اللغوية والثقافية مبيِّنا المكاسب والمنجزات الهامة التي حققها المغرب في مجال النهوض بالأمازيغية، خاصة في مجالي التعليم والإعلام، كما أنه أشار إلى الإكراهات والتعثرات التي يعرفها مسلسل إدماج الأمازيغية في التعليم، خاصّة منها غياب إطار تنظيمي شامل ينظم تدريس الأمازيغية على كافة مستويات المنظومة الوطنية للتربية والتكوين، وكذا ضعف الموارد البشرية، إضافة إلى الإكراهات والتعثرات التي تعترض مسيرة إدراج الأمازيغية في الإعلام وخاصة إخراج القناة التلفزية الأمازيغية إلى الوجود. وقد أوضح المعهد أن المؤسسات ذات الصّلة بالتعليم وبالإعلام قد تعهدت بالقيام بالإجراءات الضرورية من أجل إيجاد الحلول الكفيلة بتجاوز هذه المعضلات. لماذا لم يلجأ المعهد إلى الرد على كل التقارير والتصريحات التي تغيب التطور الذي عرفه ملف الأمازيغية منذ الخطاب الملكي بأجدير؟ في الواقع، فإن المعهد، كلما اقتضى الأمر ذلك، يفسر ويوضح ويتواصل بشأن كل القضايا ذات الصّلة بالأمازيغية والتي تدخل في نطاق صلاحياته ومسؤولياته، خاصة كل ما له علاقة بالتعليم والإعلام والثقافة، والحقوق اللغوية والثقافية وذلك بتنسيق مع المؤسسات المعنية. نعلم بأنكم تشاركون منذ إحداث المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية في لجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة بجنيف، نود أن نعرف طبيعة التغيير الذي طرأ على الأمازيغية في تقارير هذه اللجنة؟ المعهد ليس عضوا في لجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة وإنما شاركتُ في الدورة المتعلقة ببرنامج المغرب في مجال حقوق الإنسان، بصفتي عضو في المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان. وكانت فرصة للتعريف بواقع الحقوق اللغوية والثقافية الأمازيغية. يلاحظ بعض المتتبعين لأسلوب تدبير أحمد بوكوس لقضايا الأمازيغية، طغيان الجانب التقني وغياب الحس السياسي، ما ردكم على مثل هذه الملاحظات؟ بداية، فإن أحمد بوكوس ليس وصيّا على جميع قضايا الأمازيغية وإنما هو عميد مؤسسة وطنية، يشتغل وفق ما جاء في الظهير الشريف المحدث والمنظم لهذه المؤسسة، في إطار صلاحيات ومسؤوليات محددة. أما النهوض بالأمازيغية فليس حكرا على مؤسسة أو شخص مهما كانت هويته، وإنما هو مجال على الجميع أن يساهم فيه إيجابيا كل من موقعه. أما عن الحس السياسي، فإنني شخصيا أفضل الحديث عن الوعي السياسي وعن الرؤية الاستراتيجية لأن الحس السياسي قد يسقط صاحبه في متاهات ردود الفعل السِّياسَوية المفتقِدة للبعد الاستراتيجي والتي قد تؤدي إلى عزلة المؤسسة واستضعاف الأمازيغية. إن الوعي السياسي المرتكز على النظرة الاستراتيجية هو الذي سيمكننا من بناء مؤسسة ناجعة وفعّالة تقوم بدورها السياسي والأكاديمي بمساهمتها في تنمية وتحديث الأمازيغية لغة وثقافة وهوية في أفق رفع تحديات التهميش والاستلاب وطغيان العولمة العمياء في إطار مغرب نامٍ وحداثي وديموقراطي. لماذا منعتم بعض النشطاء العاملين داخل المعهد من الحديث لوسائل الإعلام حول المشاكل المعترضة لمسلسل إدماج الأمازيغية في القطاعات المحددة من قبل الظهير؟ هذا الإدعاء واهن وغير وارد. إذ الأمر لا يتعلق بحرمان “النشطاء العاملين بالمعهد” من حرية التعبير داخل المؤسسة وخارجها بقدر ما يتعلق الأمر بواجب التحفظ المفروض على كل عامل بموجب النظام الأساسي للمؤسسة، تفاديا لبعض التصرفات التي تؤدي بالبعض إلى التحدث باسم المؤسسة خلافا لقرارات مجلس إدارتها لأن بعض التصريحات والتصرفات قد تفضي إلى نتائج عكسية حيث تؤدي إلى تجميد أنشطة اللجن المشتركة مع المؤسسات الحكومية وبالتالي إلى عزلة المؤسسة. وهذا ما لا نتمناه لمؤسسة فتية وطموحة نجاعتها ومردوديتها رهينتان بالعمل التشاركي مع المؤسسات. حاوره: مصطفى عنترة ( عن موقع “الحوار المتمدن”)