قتل أمس الخميس مواطن أفريقي إثر إصابته بأعيرة نارية في محاولة اقتحام للحواجز الفاصلة بين مستعمرة مليلية والحدود المغربية، قام بها أكثر من 80 مهاجرا سريا من دول جنوب الصحراء. وذكرت وكالة المغرب العربي للأنباء المغربية الرسمية، نقلا عن مصدر أمني مغربي، أن عناصر قوات الأمن المغربية أطلقت أعيرة نارية تحذيرية على المهاجمين، أصابت أحدهم بجروح توفي على إثرها بعد نقله إلى المستشفى. وتمكنت قوات الأمن المغربية من إلقاء القبض على 14 منهم، في حين تمكن الباقي من الفرار. تأتي هذه العملية للتذكير بمأساة المهاجرين الأفارقة الرابضين على أسوار أوربا انتظارا للخلاص. قوارب الموت أضحت مشاهد غرق المرشحين للهجرة السرية من بلدان دول جنوب الصحراء مشاهد ‘مألوفة‘ومتشابهة. كانت شواطئ إسباني في السنوات الماضية هي مسرح المأساة، لكن وبعد تفاهمات أمنية بينها وبين المغرب، محطة العبور بامتياز، وحوافز مالية استفاد منها المغرب وبعدها الجزائر، شق المهاجرون الأفارقة طريقا صحراويا آخر يقودهم إلى ليبيا ومن ثم شواطئ إيطاليا وصقلية. في البداية كان العبور إلى الضفة الإسبانية أو “لحريك” بلغة المغاربة، سبيل اليائسين في أوطانهم لدخول الجنة الأوربية. وكانت قوارب الموت تنشر الحداد في كل القرى الشمالية من المغرب دون أن تتحرك للسلطات المسئولة قصبة. وبعد ضغوطات من المنظمات الإنسانية الأوربية بدأ المغرب ‘يعي‘ حجم المأساة ويعترف بوجود هجرة سرية ربطتها السلطات بمهربي المخدرات و ‘مافيا‘ تهريب البشر. وإذا خفت في المدة الأخيرة أعداد المغاربة الذين يغامرون بحياتهم، فإن أفواجا أخرى من مواطني أفريقيا خلفتهم، بل تجاوزتهم في المأساة والمعاناة. ديمقراطية مباشرة فجأة نبتت تجمعات بشرية غريبة عن المجتمع المغربي في الشمال؛ في غابة جبل ‘غورغو‘ المطلة على مليلية (شمال شرق) والغابات المطلة على سبتة (شمال غرب). هاتان المدينتان المغربيتان الخاضعتان للسيادة الإسبانية، يعتبرهما الأفارقة بوابة الأمل والعبور إلى الحرية، ولذلك يقصدونهما كمحطة لا بد من الاستقرار بها و المرور عبرها. داخل المخيم / المعسكر خيم بلاستيكية بدائية تأوي المهاجرين السريين الذين ينظمون حياتهم وفق نظام صارم يلتزم به الجميع. فسكان المخيم يختارون زعيمهم عبر انتخابات مباشرة. يقوم الزعيم بدوره باختيار أعوانه ويوزع المهام. مهمة التموين اليومي تأتي على رأس الأولويات. ثم تتبعها مباشرة مهمة حفظ الأمن وتليهما مهمة تنظيم التسلل عبر الأسلاك الشائكة. عملية التسلل تتم وفق الأقدمية؛ الأقدم في المعسكر له حق الأسبقية على الوافد الجديد. ويظهر أن الجميع يحترم قوانين المعسكر ويلتزم بها، ومن خالف أو أبدى عصيانا تتخذ في حقه إجراءات زجرية كالنفي من المعسكر والإبعاد. رائحة البارود اهتم الاتحاد الأوربي بالهجرة السرية من بابها الأمني أكثر منه من جانبها الإنساني. ولا يخفى أن المغرب أخرج ورقة تدفق المهاجرين الأفريقيين عبر ترابه في وجه الاتحاد الأوربي وبخاصة في وجه إسبانيا. لذلك عمد الطرفان إلى فتح خط أسموه “الخط الساخن” لتتبع ملف الهجرة السرية إلى جانب ملفات الإرهاب وتهريب المخدرات. وفي المقابل حصل المغرب على مساعدات مادية كبيرة لإيواء المهاجرين السريين واستقبال المطرودين من إسبانيا ومن ثم إعادتهم إلى بلدانهم. وجاء اتفاق المغرب مع الاتحاد الأوربي بهذا الخصوص ليفتح أبواب النقد على مصراعيه من قبل الصحافة والهيئات الإنسانية في المغرب، معتبرة أن المغرب أصبح ‘دركي‘ / شرطي يحرس الحدود الأوربية. وفي العام 2005 أطلق هذا الشرطي‘ الرصاص الحي على مهاجرين أفارقة حاولوا اقتحام الحواجز الإسبانية. في البداية نفى المغرب رسميا أن يكون القتلى بسبب البارود المغربي، بل بنيران القناصة الإسبان. لكنه عاد ليتراجع ويعترف بأن قواته الأمنية قتلت ستة أفارقة بعدما تجاهلوا التحذيرات. وكانت الحادثة سببا لتوجيه أمين عام الأممالمتحدة آنذاك، كوفي عنان، انتقادا للسلطات المغربية والإسبانية ومطالبتهما بمعاملة المهاجرين معاملة إنسانية. ويؤكد السيد محمد بيجو، رئيس المنظمة المغربية لحقوق الإنسان – فرع الناظور القريب من مليلية، أن حوادث إطلاق النار على المهاجرين الأفارقة تتكرر منذ سنوات. وحادث مقتل مهاجر أفريقي يوم أمس ليس معزولا. موضوع إنساني يرى السيد بيجو في تصريح لإذاعتنا أن السلطات المغربية عليها أن تتعامل مع هذا الملف من جانبه الإنساني قبل كل شيء. “المغرب لا يمكن أن يكون دركي للاتحاد الأوربي في هذا الموضوع، لأن موضوع المهاجرين الأفارقة موضوع إنساني قبل كل شيء، يتطلب من المملكة المغربية أن تلزم الاتحاد الأوربي بتقديم المساعدات لهؤلاء”. ويحدد نوع المساعدات في المأوى اللائق وأماكن الاستشفاء والتعليم و “كل ما يتعلق بحقوق الإنسان”. وحول سؤال ما إذا كان المغرب قادرا على توفير مستلزمات استقبال وإيواء اللاجئين الأفارقة، أشار السيد بيجو إلى أن الاتحاد الأوربي خصص مبالغ مالية مهمة لدول العبور كالمغرب لاستيعابهم وإعادتهم إلى بلدانهم الأصلية كما تنص على ذلك مواثيق حقوق الإنسان. لكن “المغرب يقوم بطردهم نحو الحدود الجزائرية، وتقوم الجزائر بدورها بإرجاعهم إلى المغرب”.