الحكومة ترفع الحد الأدنى للأجر في النشاطات الفلاحية وغير الفلاحية    نشرة إنذارية.. تساقطات ثلجية وموجة برد مرتقبة من السبت إلى الثلاثاء بعدد من مناطق المملكة    تراجع كمية مفرغات الصيد البحري بميناء المضيق    طنجة: توقيف 55 مرشحا للهجرة غير النظامية وحجز أربعة زوارق مطاطية    استعدادا لرحيل أمانديس.. مجلس مجموعة الجماعات الترابية طنجة-تطوان-الحسيمة للتوزيع يعقد دورة استثنائية    سيارات اجرة تطارد سيارة "تطبيقات" بطريقة هوليودية بالرباط (فيديو)    "جبهة دعم فلسطين": احتجاجات مناهضي التطبيع تتعرض لتجريم عملي وإدانة 13 ناشطا بسلا "سياسية"    الجولة 16 من الدوري الاحترافي الأول .. الرجاء يرحل إلى بركان بحثا عن مسكن لآلامه والجيش الملكي ينتظر الهدية    نهضة بركان يطرح تذاكر مباراته ضد الرجاء    بورصة البيضاء تغلق التداولات بالأحمر    وفاة الرئيس التاريخي لمجموعة "سوزوكي" أوسامو سوزوكي    الخطوط الأذربيجانية تعل ق رحلاتها إلى سبع مدن روسية بعد حادث تحطم الطائرة    منظة تكشف عدد وفيات المهاجرين بين طنجة وإسبانيا خلال 2024    "الاتحاديات" يطالبن بقانون أسرة واضح يحمي القاصرات ويؤكد الخبرة الجينية    بقنبلة زُرعت في وسادته.. إسرائيل تكشف تفصيل عملية اغتيال إسماعيل هنية    الرئيس الألماني يعلن حل البرلمان ويحدد موعدا لإجراء انتخابات مبكرة    رفض دفوع الناصري وبعيوي يثير غضب المحامين والهيئة تستمع للمتهمين    صديقة خديجة الصديقي تعلن العثور على والد هشام    هل يُجدد لقاء لمجرد بهاني شاكر التعاون بينهما؟    بلغ 4082 طنا.. جمعية تشيد بزيادة إنتاج القنب الهندي المقنن    فوج جديد من المجندين يؤدي القسم    توقعات أحوال الطقس ليوم غد السبت    ألمانيا: حل البرلمان وإجراء انتخابات مبكرة    الحكمة المغربية بشرى كربوبي تحتل الرتبة الخامسة عالميا والأولى إفريقيا    حضور وازن في المهرجان الدولي للسينما و التراث بميدلت    فنانات مغربيات تتفاعلن مع جديد مدونة الأسرة    ما حقيقة اعتزال عامر خان الفن؟    اختتام ناجح للدورة الخامسة لصالون الإلهام الدولي للفن التشكيلي بتارودانت    الوداد البيضاوي يعلن تعيين طلال ناطقا رسميا للفريق    دوري أبطال افريقيا: تحكيم بوروندي لمباراة الجيش الملكي ومانييما أنيون الكونغولي    معارض جزائري ل "رسالة 24 ": الاحتقان الرقمي مقدمة لإمكانية وقوع انفجار اجتماعي في المستقبل وعودة الحراك السياسي إلى الشارع الجزائري    الصين تجهز روبوت لاستكشاف القمر    لقاء تواصلي حول وضعية الفنان والحقوق المجاورة بالناظور    تقرير أمريكي: المغاربة أكثر الشعوب تعايشا وتسامحا في العالم    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الجمعة    المصادقة على مقترحات تعيين في مناصب عليا    بايتاس: إعداد مدونة الأسرة الجديدة مبني على التوجيهات الملكية والنقاش مستمر في مشروع قانون الإضراب    الجولة 16.. قمة بين نهضة بركان والرجاء والجيش يطمح لتقليص الفارق مع المتصدر    غوارديولا يتحدث عن إمكانية عقد صفقات جديدة في يناير    تراجع أسعار الذهب وسط ترقب المستثمرين للاقتصاد الأمريكي    2024.. عام استثنائي من التبادل الثقافي والشراكات الاستراتيجية بين المغرب وقطر    ارتفاع ليالي المبيت بمؤسسات الإيواء السياحي المصنفة بالرباط ب 4 في المائة عند متم أكتوبر    التحكيم المغربي يحقق إنجازًا عالميًا.. بشرى الكربوبي بين أفضل 5 حكمات في العالم    طعن مسؤول أمني تونسي خلال عملية إيقاف مطلوب للعدالة بتهم الإرهاب    استهلاك اللحوم الحمراء وعلاقته بمرض السكري النوع الثاني: حقائق جديدة تكشفها دراسة حديثة    الحكومة تحدد شروط منح تعويض لمؤطري التكوين المستمر بوزارة التعليم    مجلس الحكومة يصادق على قائمة الرخص الاستثنائية التي يستفيد منها القضاة    علماء: تغير المناخ يزيد الحرارة الخطيرة ب 41 يومًا في 2024    "ما لم يُروَ في تغطية الصحفيين لزلزال الحوز".. قصصٌ توثيقية تهتم بالإنسان    الثورة السورية والحكم العطائية..    هل نحن أمام كوفيد 19 جديد ؟ .. مرض غامض يقتل 143 شخصاً في أقل من شهر    دراسة تكشف آلية جديدة لاختزان الذكريات في العقل البشري    برلماني يكشف "تفشي" الإصابة بداء بوحمرون في عمالة الفنيدق منتظرا "إجراءات حكومية مستعجلة"    نسخ معدلة من فطائر "مينس باي" الميلادية تخسر الرهان    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



منبر الرأي: الريف بين السرطان و أوليغارشية السياسات المركزية
نشر في أريفينو يوم 05 - 01 - 2014

يعتبر الحديث عن تفشي مرض السرطان لدى الريفيين حديث الساعة في الشارع الريفي بإمتياز بالنظر للأعداد المهولة من الوفيات التي ترتفع كل يوم و تزايد حالات الإصابة بشكل مهول ، و هو امر ليس وليد اليوم أو الامس القريب بل ترجع جذوره إلى اواسط عشرينات القرن المنصرم بعد الحملة الخماسية على الريف( المخزن_فرنسا _إسبانيا_ ألمانيا_ و.م.أ ) قصد الإطاحة بالجمهورية الإتحادية لقبائل الريف التي ترأسها الرئيس الخطابي أنذاك ، و التي كللت بإستسلام الرئيس للحفاظ على النوع الريفي بعد إمطار الريف بأربعة ألاف طن من الغازات السامة و الكيماوية في اول تجربة لهذه الأسلحة الفتاكة في التاريخ بطائرات عرفت في التاريخ " بطائرات الإيالة الشريفة رقم 5 " و كانت ترمي بالأساس إلى حسم الحرب المفتوحة على الريف بالإبادة الجماعية للشعب الريفي او الإحتلال .
إعتُبر الحديث عن حيثيات حرب الغازات السامة و الكيماوية من الطابوهات السياسية عند النظام السياسي المخزني لإقترانه المباشر بما حصل بشكل إبان إفناء الريفيين بإمطارهم بهذه الغازات و تحمله المسؤولية التاريخية لما آلت و ستؤول إليه الامور و الاوضاع ، إذ انها ( الحرب ) هي ضرب في الشرعية الشعبية للنظام السياسي ، فلا يعقل أن يوافق نظام سياسي على إبادة جزء من الشعب يدعي تمثيليته ، و لكن المخزن قد فعلها بشهادة شركاءه في الجريمة الشنعاء و حسب الوثائق المسربة للرأي العام الدولي حول هذه القضية من حين لآخر ، لذلك فثبوت التواطئ المخزني وارد و لا يحتاج للإستدلال المعمق في هذا المقال .
إن النقاش الراهني عن النسب المهولة لتفشي المرض يستوجب آنيا الخوض في تداعيات هذه القضية على النظام السياسي و سياساته ، فتبين بالملموس بعد فاجعة إستشهاد فاطمة أزهريو التي تم الزج بها في بناية سميت بالمستشفى زورا و بهتانا لإفتقارها لأدنى المستلزمات الإستشفائية في وقت كانت ستغاث في مراكز الأنكولوجيا التي تمتص الجيوب في الغالب ، ليست المعضلة هنا فحسب ، ففساد القطاع الصحي هو جزء لا يتجزأ من فساد بنيوي للنظام السياسي بكل مؤسساته التي لا تذود إلا على إستمراريتها في التحكم الاحادي في رسم سياسات الدولة ، بل هي تتجاوز إلى المتاجرة بمعاناة شعب بأكمله من اجل تنميق صورة الدولة و هي باهتة في العمق و لم تعد تستحمل مقادير الماكياج السياسي .
إذ كيف يترك الريف الذي يستحوذ على ما يناهز تسع اعشار من نسبة الإصابة بالمغرب، يواجه مصيرا سوداويا مع مرض فتاك ساهم فيه النظام السياسي فيتم الإكتفاء بإدانة المرض و إضفاء طابع القدرية عليه بإفراغه من السياق السياسي و التاريخي اللذان ترتب عنهما ؟
إن تعامل النظام السياسي بسياسة التمياك هو تملص صريح من تحمل مسؤوليته التاريخية في القتل البطيء للريفيين و الزج بهم في غياهب المستشفيات و المراكز التي تساومهم في مأساتهم و تضمن لهم العبور السريع لعالم الآخرة ، و يتعدى الامر ذلك إلى المتاجرة في المصابين و إلحاقهم بمراكز المغرب النافع ليدفعوا أثمنة خيالية لعلاج معاق لا يكلل بالنجاح ، كأن إصابة الريفي بالسرطان هو غنيمة مالية و سياسية للدولة المركزية للرفع من ارقام خزائنها و صناديقها لضمان الإغتناء السريع نظرا للخروقات الجمة التي تخضع لها البروتوكولات العلاجية في السوق السوداء .
ثم إن أي معالجة للملف تستلزم البدء من إعتراف رسمي من لدن الدولة المغربية و إقرارها بتحمل المسؤولية الكاملة في حرب الغازات السامة و الكيماوية و هو إقرار ضمني بالإستحواذ على المجال الجيوسياسي الريفي بالإكراه و يضع في مهب الريح شرعيتها المبنية على تمخضات معاهدة العار لإيكس ليبان ، فأي معالجة حقيقية تقتضي تحديد الجاني قبل الإنكباب على المتطلبات العلاجية للمتضرر و الضحية ، و ثاني خطوة هي إستقدام لجنة دولية متخصصة في الدراسات المجالية المتعلقة بمخلفات الغازات للحروب على المجال الترابي و البيئي مع العلم ان النتائج تبدو محسومة و هي تسمم الاتربة و شبكات المياه الجوفية بتفاعلات الغازات مما يعني إعلان الريف منطقة منكوبة و غير مؤهلة للإعمار و لا تستوفي شروط الحياة ذلك ما سيجعل صورة النظام السياسي في وضع قزمي امام الرأي العام الدولي .
إن معاناة الريفيين مع مرض السرطان هو إفراز موضوعي لسياسات غير متوازنة تغامر بفناء الريف بأكمله لإستمرارية توتاليتارية المقاربات السياسية المركزية التي تضمن للمركز سياديته على حساب إفناء ممنهج ينضاف لسياسات التفقير و التجويع و التهجير و القمع و سلب الحريات المفرزة لسلب الكرامة و الإرادة التي تغيب أي دور للمواطن الذي أقحم كُرها في القاموس السياسي على سبيل تنميق مصطلحات ملغومة و فقط .
إن متلازمة الإقتران بين الحرب الكيماوية و نتائجها المفرزة يقتضي شجاعة سياسية للإعتراف بالهفوة و الإخفاق في التسيير و ضبط الشأن السياسي ، و لا يحتاج مطلقا لخطابات سياسية سوفسطائية تخفي العلة و تحجبها و تظهر المعلول كأنه إفراز صدفوي ، ففي إعتقادي الجازم فالريف في المطبخ السياسي المركزي هو شيطان سياسي وجب تطويعه حتى بالإفناء للحفاظ على مركزية و احادية المؤسسة السياسية المستصدرة للقرارات الفوقية التي لا تراعي الإكراهات المجالية و البشرية بقدر مراعاتها الحفاظ على سلطوية النظام السياسي و أوليغارشيته .
النظام السياسي من أسفله إلى أعلى هرمه هو المسؤول عن المصير المضبب الذي يسير إليه الريف ، و إن تماهيه في الإستكبار و التجاهل يسقط عنه عنصر الإستوحاد للهم الجماعي ، صحيح ان الريف لم يكن مغربيا و صحيح ان الثورات تعاقبت لإستعادة حلم الرئيس الخطابي و لكن المبهم هو التعامل مع الريف بإزدواجية الإستنظار السياسي ، فالنظام يفنيه مجاليا و يدعي إعطاءه الاولوية في الوثائق و الحبر التي لا ترى النور في أرض الواقع ، فإما إقرار بالمسؤولية و إسراع لإيجاد حلول عملية قصد إنقاذ ما يمكن إنقاذه ، و إما تزكية لما هو قائم الآن على الأرض و الذي مفاده " فليمت الريف ليحيى المركز " و إن تأجيل الحسم في القضية هو تبرير للجناية و إقرار ضمني بالفشل التعاملي .
و الجدير بالذكر ان المساعي الرامية لإحتواء الاصوات الريفية في هذا المجال عبر خلق لوبيات مخزنية تحاول إمتصاص الغضب عبر خلق جمعيات تعنى بهذا المجال و دخول الاحزاب الفاقدة للشرعية على طول الخط هو ضحك على معاناة الموتى و المصابين و تعطيرها بتنظيمات حقوقية متحكم فيها و مشبوهة ، لن يستطيع بكل ذلك شراء حرقة فقدان الريفيين لبعضهم و ألمهم ببعض من الدراهم أو المناصب و الإشراك في الإستفادة من لوبيات الفساد .
ثم إن تعامل النخبة السياسية المركزية مع قضية حرب الغازات السامة و الكيماوية و ما أفرزته من لعنة السرطان المتفشي قد اظهر جليا قصور هذه النخبة و إنبطاحها بل و تكبيلها بأوامر فوقية تحول النقاشات الراهنية التي تستوجب الخوض في قضية الموت المحاط بالريف إلى نقاشات هامشية متحكم بها من لدن مؤسسات المخزن قصد تغييب اي نقاش معمق في هذا الصدد لتجنيب النظام المخزني من إحراجه و قد بدا ذلك جليا ، فلا الجمعيات الحقوقية و لا المدافعين عن الحريات و حقوق الإنسان إستطاعوا إبداء الرأي في قضية الرأي العام الريفي الاخيرة بإستشهاد فاطمة أزهريو ، ذلك ما يدل على مخزنة هذه النخب و عجزها المفضوح في التلميح للقضايا الشائكة المرتبطة بالمؤسسة الملكية ، لقد أبانوا عن مأجوريتهم و تبعيتهم إلا من رحمه ضميره و ذلك دليل آخر على إلزامية الصمت الكلي عندما يتعلق الامر بالريف و تقديسهم لثوابت المركزية بالدوس على عصارة الفكر الإنسي المقدس لحياة الإنسان .
على سبيل الختم فإن المسؤول عن الوضع واضح و هو النظام السياسي الذي يعتبر إمتدادا للمؤسسة التي وافقت على إمطار الريف بالغازات السامة ، و الشرط الديمقراطي يقتضي في هذه الحالة ان يصمت الجاني و ينصت لمطالب الضحايا و اولها الإقرار الرسمي بالمسؤولية و ثانيها فتح نقاش ريفي_ ريفي بعيدا عن تدخل المركز و خدامه لبلورة تصور مطلبي لن يكون خارج التصور الأوطونومي الذي يضمن للريف تسيير نفسه بعد إخفاق المركز و تكريسه للازمة ليبقى الريف غنيمة سياسية في مقارباته المركزية .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.