لابد لبعد هذا الزمان عن زمن الوحي أن يتولد منه ما يسمى بالغربة، وهي غربة لا تصيب إلا الحق والمحق، ولغربة هذا الحق في هذا الزمان أضحى الناس بعيدين عن حقيقة التدين بالإسلام الصحيح، إنه الدين الحق الذي لا يرضى بالزيادة ولا بالنقصان، دين قيده رب العزة بالاتباع والاقتداء تبعا لمن أخذ الله منهم ميثاقهم ليُعَلِّمُوا الناس السنة الصحيحة على الكتاب والسنة وعلى فهم الصحابة- رضوان الله عليهم- تبعا لعلماء السنة الذين لا يختلف في عدالة علمهم ونصحهم إلا أهل الأهواء. ونظرا لفتن العصر المتتالية وقصر اَلْبَابِ الناسِ عن فهم الدين بالعقل الصحيح المتبع للنص الصريح، بدأت عُرى الإيمان تُنْتَقَضُ عروة عروة، بدءً بالكيفية ثم ذهاب الأصل الذي يُتَكَيَّفُ به، فكذلكم الجمعة، لما غَيَّبَ الناسُ من الدعاة أحكامَ يوم الجمعة، تخبط الناس في ماهية فرضيتها وماهية سننها، حتى أصبحت الجمعة من العادات لا من العبادات لفقدان الناس لفقه يوم الجمعة- إلا من رحم الله-. وكان من الذين أخذ الله عنهم ميثاقهم لتعليم الناس حقيقة التدين، وحفظه مما يكتنفه من البدع والمحدثات: المجالس العلمية بما فيها من علماء ودعاة ومرشدين، وكان في حقهم أن يبينوا للناس أخطاءهم ويقوموا بإرشادهم إلى ما هو أرقى لهم في دنياهم من تحقق مرضاة الله وتبعية رسول الله- صلى الله عليه وسلم-. ومن باب النصح والتواصي، ومن باب الهداية والإرشاد، نقدم للإخوة والأخوات هذه المحاضرة التي يناقش فيها الشيخ أبو العصماء المغربي مسألة معالجة أخطاء المصلين يوم الجمعة، وكيفية تصحيحها بالأدلة القطعية، وكما دعا فيها الشيخُ أبو العصماء المجلسَ العلمي إلى اتخاذ التدابير اللازمة لمعالجة جميع الأمور المتعلقة بالدين والثقافة والأخلاق نظرا لما آل إليه العصر من فتن وملذات ومن شبهات في الدين وشهوات. وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه ومن تبع هداهم أجمعين.