بعد حسم معركة القصير لصالح النظام السوري، بدا العديد من المقاتلين و خاصة الأجانب منهم ينزحون إلى الحدود التركية في انتظار استبدال إستراتيجية القتال و خاصة بعد دخول حزب الله على الخط ، أو العودة إلى بلدانهم و هم يجرون ورائهم أذيال الإحباط و الهزيمة (المؤقتة على الأقل). من بين هؤلاء الفارين، نجد ستة بلجيكيين عادوا رسميا إلى بلجيكا إما فرادى أو جماعات حيث وصل يوم الاثنين الماضي فقط أربعة "مقاتلين" إلى الأراضي البلجيكية قادمين إليها من تركيا. كيف تعاملت بلجيكا مع "مجاهديها" الذي شاركوا في فتوحات سوريا؟ لا يخفى على احد "تطوع"مئات من المقاتلين الأوروبيين من أصول مختلفة أهمها أصول مغاربة ، للذهاب للجهاد في شوارع و مزارع و جبال سوريا بحثا عن مكان لهم في "الجنة"، كما أفتي لهم في بعض المساجد و المنابر و القنوات الفضائية. ففي بلد صغير كبلجيكا مثلا الذي لا يتجاوز عدد سكانه 11 مليون نسمة، اعترفت وزارة الداخلية البلجيكية بسفر ما يقارب 100 متطوع بلجيكي للجهاد في سوريا. السلطات البلجيكية على علم بتوجه بعض شبابها للقتال قي سوريا، لكنها ضلت مكتوفة الأيدي رغم شكاوي بعض الآباء. لكن ضغط بعض البلديات الأكثر تلقيا للشكاوي (فيلبورد، اونفيرس و مالين)، و عودة احد المصابين في المعركة للعلاج في احد المستشفيات البلجيكبة، دفعت وزيرة الداخلية جويل ميلكي تحركت لأول مرة بتاريخ 12 ابريل، لتضع على طاولة مجلس الوزراء آنذاك مذكرة تجرم الذهاب للقتال في سوريا و تهدف -هذه المذكرة- منع مواطنين بلجيكيين جدد من التوجه للقتال في سوريا و السفر إلى الدول المجاورة لها. و بالإضافة إلى عدة مواضيع المرتبطة بهذه المشكلة أهمها التدقيق في بطائق الهوية للمسافرين و تقوية أجهزة الرصد و الكشف عبر الانترنيت، و مراقبة الحدود و التأشيرات للدخول إلى تركيا و الدول المجاورة إلى سوريا. و تلا هذه الخطوة اعتقال المدعو فؤاد بلقاسم الناطق الرسمي لجمعية "الشريعة 4 بلجيكا". و متابعته بعدة تهم أبرزها تجنيد الشباب للقتال في سوريا، و الدعوة إلى الحقد و العنف ضد الغير المسلمين، حيث حوكم فقط يوم أمس الأربعاء 19 يونيو ب 18 شهرا سجنا و غرامة مالية قدرها 550 اورو. كما سبق أن منعت جمعية إسلامية "خيرية" من توزيع التغذية للمقيمين بدون أوراق بمحطة "الشمال" للقطار، بعد أن تأكدت السلطات البلجيكية من معلومات تفيد بان بعض المرشحين "للجهاد" يتم استقطابهم من هذا المكان مستغلين الهشاشة الاجتماعية للمقيمين بدون أوراق و المشردين. موسم العودة إلى الشمال بدا بعض الشباب المغرر بهم يعودون خائبين، إذ بدا دخولهم الجنة الموعود بها من طرف بعض الأئمة و الخطباء، إلا أنهم لم يروا في سوريا إلا جحيم حطبها أجساد و أرواح بشرية، تجري من تحتها انهار من دماء الأبرياء، يصعب على الجميع التنبؤ بالمصب الأخير للوادي الجارف و لهيب النيران الشديدة التي تحرق الأخضر باليابس، و خاصة بعد تدويل الصراع بين أطراف لا مصلحة لهم البتة في استقرار سوريا، و لا أن تكون سوريا دولة قوية حصينة منيعة أمام المتربصين بها كيفما كان حاكمها المستقبلي سواء إن كان بشارا أم جزارا آو مبشرا. ففي الوقت الذي كان الإعلام البلجيكي بدا يهدا و لو قليلا تجاه هذه المشكلة (موضوع مشكلة شبابها المقاتل)، عادت بداية هذا الأسبوع لتتحدث من جديد حول موضوع "مشكلة هؤلاء الشباب"، الذين بدؤوا يعودون الواحد تلو الآخر، حيث سجل إلى يومنا هذا عودة ستة "مجاهدين". الأول، مصاب إصابات خطيرة و يعالج اليوم في إحدى المستشفيات بجهة فلاندر. الثاني،يسمى عند الجميع ب "بلال"، و هو تلميذ بإحدى الثانويات التابعة لبلدية اسكاربيك ببروكسيل، حيث سمح له بالتحاق بالمدرسة معبرا عن ندمه عن تلك المغامرة. و كان آخر العائدين أربعة شبان في رحلة واحدة ربطت اسطنبولبببروكسيل يوم الاثنين 17 يونيو الجاري. و تتحدث الصحف البلجيكية ليومي الاثنين و الثلاثاء (المساء، آخر ساعة، و الميترو) أن الشباب الأربعة عادوا إلى بلجيكا عبر تركيا. و نقرا في جريدة الميترو ليوم الأربعاء مثلا ب"ان الشباب الأربعة تم إيقافهم من طرف السلطات التركية عند الحدود السورية/ التركية بعد عودتهم من الداخل السوري حيث سلمتهم إلى السفارة البلجيكية بأنقرة مما أدى بهذه الأخيرة ترتيب عودتهم سريا إلى بلجيكا. تصدع الحكومة البلجيكية بسبب طريقة عودة هؤلاء انقسمت الحكومة البلجيكية بين من يدافع بان تبقى عودة هؤلاء الشباب سرية و بين من يرى بان الحديث عم الموضوع فضيلة. فمباشرة بعد أن وطأت أقدام الشباب الأربعة ارض بلجيكا، صرح وزير الخارجية ديديي راندز (من الحركة الإصلاحية/يمين) إلى الصحافة كونه يهنئ فيه موظفي السفارة البلجيكية بأنقرة و القنصلية العامة باسطانبول على مساعدتهم لهؤلاء الشباب لإعادتهم إلى بلدهم. هذا التصريح أزعج وزيرة الداخلية جاويل ميلكي مصرحة بانها"صدمت عند سماعها لتصريحات لوزير الخارجية حول هذا الموضوع لأنها "طلبت بان تبقى هذه العودة سرية". وسائل الإعلام تتحدث أيضا عن إمكانيات وصول مقاتلين آخرين (و خاصة الناجين منهم) في غضون الأيام و الأشهر المقبلة و خاصة بعد أن أضحى الصراع في سوريا مقتوحا اذ يصعب معه التكهن بحسم الصراع في الأيام أو الأشهر القليلة المقبلة. و هذا الخلاف ما هو في الحقيقة إلا استمرار لطريقة تدبير هذا الملف. و قد سبق لجريد "لوسوار/المساء" البلجيكية (شهر ابريل)، الواسعة الانتشار فان حضور الشباب البلجيكي في سوريا وظاهرة التطرف أحدثت ضجة في وسط الطبقة السياسية البلجيكية، إذ أوردت، بان هذا الموضوع سبب في خلاف عميق بين حزب الحركة الإصلاحية (يمين) و حزب المركز الديمقراطي الإنساني (وسط) الذي تترأسه وزيرة الداخلية الحالية. و أضافت المساء انذاك، بان البرلمانيين "ألان ديسفيكس" و "دوني ديكارم" من الحركة الإصلاحية هاجما بعنف وزيرة الداخلية و طريقة تدبيرها لهذا الملف متهمين إياها بان "خطوتها هاته جاءت متأخرة". في حين ردت عليهما وزيرة الداخلية "جويل ميلكي" بان اتهامات البرلمانيين "غير مقبولة، مغلوطة، ديماغوجية و انتخابية". تناقضات الموقف البلجيكي و الأوروبي للأسف أن الساسة البلجيكيين و الأوروبيين لا يناقشون اليوم إلا نقطة واحدة، ألا وهي كيفية التعامل مستقبلا مع أشخاص يتقنون حمل و استعمال كل أنواع السلاح و لا يتحدث أحدا لا أحزابا و لا برلمانا و لا حكومة على أن هؤلاء الشباب مهما كانت أصولهم، فإنهم ارتكبوا أعمالا غير مشروعة و أن غالبيتهم لكي لا نقول كلهم تلطخت أياديهم بدماء الأبرياء أو غير الأبرياء. لنتصور أن هؤلاء ذهبوا لقتال ضد القوات الأمريكية في افغانسان أو الاسرائيلية في الأراضي الفلسطينية المحتلة للصقت لهم فورا تهمة الإرهاب و قد يتم إدانتهم في تركيا قبل وصولهم إلى بلجيكا لكن عندما يتعلق الأمر بتدمير سورية و بنياتها التحتية و إضعافها و تحييدها من الصراع الدائر بالمنطقة فان القتال ضد شعب و لو انه يحكمه ديكتاتور فان الصمت و السرية هو سيد الموقف كما تطالب به وزيرة الداخلية البلجيكية اليوم. هل ستحاكم بلجيكا مقاتليها العائدين منذ اندلاع النزاع المسلح بين المعارضة و النظام في سوريا، و دعم الغرب للمعارضة إعلاميا، و سياسيا و ربما حتى عسكريا، تغاضت العديد من الدول الغربية من بينها بلجيكا عن شبابها المتوجه للقتال في سوريا. فرغم التحذير الذي وجهته مخابرات هذه البلدان و تدقيقها في هويات المتوجهين إلى الشرق الأوسط، إلا أن الدول الأوروبية تغاضت عمدا -أو في غرض في نفس يعقوب- عن توجه شبابها المتطرف دينيا نحو الشرق الأوسط. فالمتتبعون يتساءلون اليوم عن لماذا يكيل الغرب بمكيالين مع القضايا الدولية؟ أين هو مبدأ عدم الإفلات من العقاب من كل هذا؟ ماذا يمكن فهم من هذا الصمت بلجيكيا و أوروبيا؟ و لماذا يدبر هذا الملف بعيدا عن أعين الصحافة؟ ألا يمكن فهم بأن هذا النوع من التعامل " أي الكيل بمكيالين" يزكي مبدأ عدم الإفلات من العقاب، و يدفع العديد الناس إلى التشكيك في مصداقية الغرب. .