عاشور العمراوي/ من صفحة منير اليعقوبي بالفايسبوك عدنبي نسوق : عدنبي هي الصيغة المحلية /الريفية لاسمه الحقيقي عبد النبي نسوق هو لقبه لعلاقته الوطيدة مع السوق الذي هو رمز المجتمع، ويشهد الجميع ممن عرفوه عن قرب ، على دوره الإيجابي والتاريخي في إطار مقاومة جيش التحرير ضد الاستعمار ..خاصة في موقع بوزينب ومواقع أخرى على امتداد منطقة الريف. عدنبي مات ....عدنبي مات ....عدنبي مات...... هكذا تناقلت الألسن ذاك الصباح من سنوات ولت (21/02/1996) نبأ انطفاء النبضة الأخيرة من حياة هذا الإنسان/ الشمعة التي ظلت تنير ، لزمن طويل، الدواخل المظلمة من جسدنا المثخن بأتعاب " الزمن الخائب" المثقوب بنقرات مآسيه المتتالية ...فهو عدّنبي الذي اغترف من نبع المقاومة المسلحة بالريف أنبل ما شكل افتخاره واعتزازه الدائم وسط أشباح هلامية من " تريكة لكلاوي" وسمت هذا الزمن المتردي المدثر لقيم الشهامة والاستشهاد ...وبفضل ما ادخرته ذاكرته الخصبة ، من فطنة وذكاء نادرين ، عاش بقية حياته مستهزئا بكل ما آلت إليه تدحرجات التاريخ المضاد ..وبدون هوادة ، ظل ساخطا عن أوضاع العصر وحربائية ذويه...ولم يكن يمتلك سلاحا لذلك ، سوى جرأته الثابتة وكبرياءه العنيد ...عاش محميا بألفة أزقة ودروب بلدته الدائمة /إمزورن التي لفته في حنو أمومي يتعذر معه ذكر هذه البلدة إلا وعدنبي معها وفي صلبها ! عدنبي الذي يشهد التاريخ عطاءاته السخية وتضحياته الكفاحية وهو يخترق عباب النار والبارود لإنقاذ الجرحى من المجاهدين وإمداد الباقين بما وفرت يديه من مِؤن وعتاد؟ أم لأنه ال"عدنبي" / الضحية الأولى والأخيرة لطعنة التاريخ الغادرة التي أسلبته كل شيء جميل عدا عناده المستميت ؟؟؟ إنه كل هذه الصفات المتضادة في الآن ذاته...والتي توفق بعيدا في صياغتها صياغة فنية تهكمية مصبوغة بإكسير الحكمة اليونانية القديمة...حكمة ستظل راسخة في الذاكرة والوجدان...فلنستوعب حكم/ دروس عدنبي القاسية في الصبر والعناد والأنفة واللاّاستسلام ..والتي تم التقاطها وتدويلها، من دوننا، كبار الساسة عندنا خصوصا قولته الشهيرة : أمجار يقيم ذمجار بدرناس فوس واها " المنجل هو المنجل عينه وإن استُبدل مقبضه “ سْغُويّثْ خسوكا ذ ْوان واها ، قالزيث أزخومْ إتيد ازمّنْ/اعْصَان “طالبوا بالسكر والدقيق فقط ، فالزيت سيعتصرونها من بين ضلوعكم" أُنطاث بوثْخُونْشاي أُوانْ زيغاخْوانْتْ ، جمثنْتْ إثاوا ذْويّاونْ انخوم أزيْسنتْ أتّانْ “لا تلقوا بأكياس الدقيق بعد الإفراغ منها ، فاحتفظوا بها للأبنائكم وحفدتكم لجمع الصدقات “ أيطان إمزيانن ، تبارحند خوم إطان إمقرانن “تعالوا يا صغار الكلاب، فالكبار منكم ينادونكم “ موخْ كيس تاخيمْ؟ يُوزّو يَاكْ !!...رُوخْ صْباثاسْ واها... “ما هو إحساسكم إزاء كل هذا؟ إنه أشد غلاضة !! فما عليكم إلا بالصبر..." ...وغيرها كثير مما استتب بين جوارح أجيال بكاملها من حكم وألغاز نفاثة ساهمت إلى حد كبير في إنضاج الحس المشترك لأبناء جلدته سهلت مأمورية إعادة إنتاجها هما يوميا في سوق المبادلات الرمزية ...وبذلك غدا عدّنبي مِلْكا جماعيا لهذا الجيل الشاهد على حاله على امتداد هذه المنطقة الجغرافية والتاريخية المسماة بريف المغرب .... وتظل روحه كذلك تسري في شراييننا : أطفالا ، شبابا ، كهولا...لأنه العبرة في الإيثار ونكران الذات ونموذجا للتضحية ..عاش منتبها حذرا من شرك من آثر تدنيس ذات القيم ، وفي ازدراء تام لكل خضوع وخنوع ، ظل " منتصب القامة ، مرفوع الهامة" لذلك رٌمي به بين مخالب النسيان والهامش مقصيا منبوذا ....هكذا عرفناه ، وكذلك غادرنا على حين غرة ..ملفوفا بصمت رهيب !! ألصدفة رحيله مع فرحة العيد* وهيمنة الطقوس الاحتفالية على الشعائر الجنائزية !!؟ يرحل عدنبي نسوق تاركا اسمه منقوشا بإزميل تاريخ الريف على جباهنا..وها نحن نودعه الوداع الأخير بمرارة العتاب لذواتنا التي آثرت التفريط في عدنبي نسوق/ الإنسان والذاكرة والتي لم تكن لتستحضره إلا لماما ، فقط للاستمتاع والتسلية بخبراته وحكمه و بتهكمه الرائع مما آلت إليه أوضاعنا المتسترة وراء غشاوة الإيديلوجيات والأوطوبيات المتباينة ...وما كاد لينتبه الجميع إلى ضرورة عدنبي نسوق الحياتية والثقافية ..حتى فاجأتنا الفاجعة وكان فوات الأوان .....هكذا توارى إلى عمق التاريخ ليمتزج بأرواح من سبقه من رفاق الكفاح( في معركة بوزينب ، وقبلها في مواقع وبؤر مشتعلة من ريفنا المقاوم) عساهم يشكلوا أجمعين خير سماد تاريخي لانتعاش ذاكرتنا واستئناف آمالنا وطموحنا الجماعي الذي لا ولن ينضب ...في الغد المشرق الآتي...