لم تدم طويلا فرحة الانفصاليين في تندوف، ومعهم الإعلام الجزائري، بزيارة زعيم الكيان الوهمي إلى إيرلندا التي حاولوا إلباسها "ثوبا رسميا"، بل واعتبروها "إنجازا دبلوماسيا" على حساب المغرب، إذ خرجت السفارة الإيرلندية في المغرب ببلاغ توضح من خلاله أنها لا تعترف مطلقا ب"جمهورية المخيمات"، نافية أن يكون لهذه الزيارة أي طابع رسمي، مؤكدة في الوقت ذاته تشبثها بدعم المسار الأممي لحل النزاع حول الصحراء. موقف سبق لدبلن أن عبرت عنه في نونبر الماضي عبر وزارة خارجيتها في جواب لها على سؤال برلماني طرحه كريس أندروز، عضو البرلمان عن حزب "شين فين"، بخصوص المساعدات الموجهة إلى مخيمات اللاجئين، قائلة إن "التمويلات الإيرلندية موجهة خصيصا لتوفير المساعدات الغذائية لساكنة المخيمات"، وليس لأي شيء آخر، مشددة على موقف بلادها الداعم لقرارات مجلس الأمن ولجهود المبعوث الأممي إلى الصحراء. كما سبق لإيرلندا أن صوتت لصالح قرارات مجلس الأمن الدولي بخصوص الصحراء إبان عضويتها غير الدائمة في هذه الهيئة الأممية، في وقت يرى فيه متتبعون أن التوضيح الإيرلندي السريع حول هذه الزيارة يترجم وعي الحكومة الإيرلندية، على غرار باقي الدول والحكومات الأوروبية الأخرى، بأهمية الحفاظ على علاقتها مع المملكة المغربية واقتناعها بعدم جدوى خيار "الانفصال" في ظل التحولات الكبرى التي يشهدها العالم اليوم. اقتناع ومفهوم جديد محمد عصام العروسي، مدير مركز منظورات للدراسات الجيو-سياسية والاستراتيجية، قال إن "ما أثير حول زيارة رئيس الكيان المزعوم إلى إيرلندا من استنكار شعبي وتأكيد دبلن بعد ذلك عن طريق سفارتها في المغرب تشبثها بالشرعية الدولية وبالقرارات الأممية ذات الصلة، يوحي بأن إيرلندا وكل الدول الأوروبية بل والمنتظم الدولي بأكمله أصبح مقنعا بأن خيار الانفصال في بعض المناطق ليس هو الخيار الأمثل لمجموعة من الاعتبارات والعوامل". وفي استعراضه لهذه الاعتبارات، ذكر العروسي، "وجود تحول في القواعد المعيارية للقانون الدولي الذي أضحى لا يؤمن بنظرية الاستقلال عن الدولة الأم وخلق دويلات صغيرة، بل يذهب في اتجاه التكتلات الإقليمية وصيانة سيادة الدول ووحدة أراضيها، إضافة إلى تعزيز مكانة الدول المركزية"، موضحا أن "هذا الأمر ينطبق على جبهة البوليساريو التي لا تعترف بها الأممالمتحدة كدولة وتفتقر لمقومات هذه الأخيرة ولا تعدو كونها حركة انفصالية، بل وإرهابية". في السياق ذاته، بين المتحدث أن "القانون الدولي غير من قراءته لمفهوم تقرير المصير الذي شابه الكثير من اللبس بعد بروز حركات التحرر الوطني في دول الجنوب، إذ أضحت القراءة الجديدة والمتقدمة لهاذا المفهوم تنبني على أشكال أخرى من الحلول التي يقدمها المنتظم الدولي للنزاعات الترابية والحدودية والنزاعات حول المناطق ذات الأبعاد الإثنية والهوياتية، وليس الاستقلال في حد ذاته"، مشيرا إلى أن "التحولات الدولية الحالية لم تعد تسمح باستمرار مثل هذه النزاعات، على غرار النزاع حول الصحراء". اقرأ أيضا... * موظفون في المغرب يحصلون على 100 امتياز بينما تحطم البطالة... * شرطي محامي يشعل خلافا بين الأمن و القضاء في المغرب؟ * هل سيستمر انخفاض اسعار الخضر بالمغرب خلال رمضان؟ * تونس والإمارات والسعودية تغزو موائد المغاربة في رمضان؟ وخلص مدير مركز منظورات للدراسات الجيو-سياسية والاستراتيجية إلى أن "تقرير المصير أصبح يتم من خلال أساليب جديدة للتدبير الترابي عبر آليات مستحدثة، على غرار نظام المقاطعات والمناطق استنادا إلى مفهومي اللامركزية والجهوية الموسعة، وهذا ما يقترحه المغرب في إطار مبادرة الحكم الذاتي التي تقدم بها سنة 2007 لحل النزاع المفتعل حول الصحراء المغربية، والتي ستظل الحل الوحيد المطروح على الأرض". بروباغندا مقابل الشراكة محمد سالم عبد الفتاح، باحث في شؤون الصحراء، قال إن "إيرلندا، وعلى غرار الكثير من الدول الأوروبية، وضعت النقاط على الحروف ووضحت طبيعة الزيارة الشخصية لزعيم الانفصاليين إلى أراضيها البعيدة كل البعد عن الطابع الرسمي الذي حاولت البروباغندا الانفصالية والأبواق الإعلامية للنظام الجزائري إلباسه إياها في محاولة لتوريط الحكومة الإيرلندية في هذا النزاع، وهو ما تداركته دبلن سريعا". وأضاف عبد الفتاح أن "إيرلندا شأنها شأن كل دول الاتحاد الأوروبي لا تعترف بالكيان الانفصالي الذي يتخذ من الأراضي الجزائرية مقرا له، وتتمسك بالشراكة الاستراتيجية المغربية الأوروبية التي تشمل عديد الاتفاقيات والمجالات، وعيا منها بأهمية إقامة علاقات جيدة مع الرباط في ظل التحولات الكبرى التي تشهدها الساحة السياسية والاقتصادية في العالم، ووعيا منها أيضا بأن هذه العلاقات لا يمكن أن تكون دون الخروج بموقف واضح من قضية الصحراء أو على الأقل تلافي كل ما من شأنه استفزاز المغرب". وأوضح المتحدث أن "حجم الشراكات التي تربط كافة الدول الأوروبية اليوم مع المغرب، سواء على المستوى الاقتصادي أو الأمني، والتي تشمل كامل أراضي المملكة، هي في جوهرها اعتراف بواقع السيادة الكاملة للمغرب على أقاليمه الجنوبية". وأبرز أن "إيرلندا وغيرها من الدول وإن لم تعترف صراحة بمغربية الصحراء، فهي تدعم المقاربة الأممية وقرارات مجلس الأمن التي تشيد كلها بالمبادرة المغربية للحكم الذاتي وتكرس سموها وواقعيتها على باقي المبادرات"، موردا أن "استقبال زعيم البوليساريو في هذا البلد جاء في سياق حزبي معزول، ولا يمثل الموقف الرسمي للحكومة الإيرلندية التي تحرص على ديمومة واستمرارية علاقاتها المتميزة مع الرباط". ولفت عبد الفتاح إلى أن "كل دول العالم تراهن اليوم على واقع الاستقرار والتنمية الذي يحققه المغرب في أقاليمه الجنوبية، وتحاول التخلص من أي روابط سياسية أو دبلوماسية مع الكيان الوهمي الذي تتقاطع أجندته مع أجندة عصابات الجريمة المنظمة والحركات الإرهابية التي باتت كل البلدان ترى فيها تهديدا حيويا لمصالحها القومية".