الوصية دين من دين الله وشريعة من شريعة الله، أوصى الله بها أنبياءه ورسله وأولياءه وأحبابه وسائر المسلمين خاصهم وعامهم، دين يتعبد الله به امتثالا وطاعة، عظيمة الشأن هي الوصية ولذلك ساق لنا القرآن الكريم الكثير من وصايا رسله وأنبيائه وأكد النبي الرؤوف الرحيم ذلك في شريف سنته صلى الله عليه و آله و صحبه وإخوانه وحزبه وسلم.1 وكذا الصالحون من الأمة وأوليائها ساروا على منهاجهم واقتفوا أثرهم، تعبدا وتقربا رضي الله عنهم أجمعين، محفوظة مبثوثة هي في كتب أئمتنا وسادتنا حرصا منهم على التزود والإفادة منها، هكذا درج الإمام المجدد، إمام الدعاة والتربية والجهاد الكامل الاقتداء بسيد ولد عدنان صل الله عليه وسلم فترك لمن بعده من أبنائه الطينيين والروحيين وسائر المسلمين وصية، صدق الرجل وجهاده وتفرده الزام أدبي ومعنوي للنظر في وصيته، فالإمام رحمه الله كان مهموما بأمة رسول الله صلى الله عليه وسلم كرس حياته لله والأمة، نصحا وإرشادا وبناء وجهادا على المنهاج النبوي تربية و تنظيما وزحفا، فعلى الله التكلان للنظر فيما تحمله هذه الوصية من نفائس ودرر. 1 – برهان التوفيق: التوفيق الالهي هبة يؤتيها الله لمن يصطفيه من عباده، اذ التوفيق النجاح في المسعى، والرشاد في الفكر والعمل، وهو كذلك جعل الله تعالى قول العبد وفعله موافقين لأمره ونهيه، معان سامقة ومطلب عزيز من أوتيه فقد أوتي من لدن الكريم الوهاب سبحانه خيرا كثيرا، تمام التوفيق وبرهانه في وصية الإمام المجدد رحمه الله تعالى بَيِّن ساطع البرهان، سجلت الوصية في شهر الحج الأعظم شهر ذي الحجة شهر أَوْدَع الله فيه من الأنوار واللطائف والقربات ما لا يعلم فضلها إلا الكريم سبحانه ،إنه شهر المباهاة لأن فيه يوم عرفات شهر الذكر والطواف والسعي، شهر يكفيه قدرا وجلالا أن الله تعالى أقسم بالعشر الأوائل وهي أفضل أيام الدنيا فصدق الله القائل “والفجر وليال عشر” 2 وصدق الحبيب المعصوم سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم (أفضل أيام الدنيا أيام العشر) 3 في أواخر شهر الحج الأكبر واستقبال شهر الله المحرم الحرام سجلت وصية الإمام المجدد وفي وقت ليس ككل الأوقات سجلت وصية المرشد المجدد رحمه الله تعالى، إنه الثلث الأخير من الليل وقت قيام الليل، دأْبُ الصالحين، وتجارة الصادقين المحسنين، وقت اقتباس أنوار الوهاب والفوز بعظيم العطايا والهبات، وصدق الله “أمن هو قانت آناء الليل ساجدا و قائما يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربه قل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون إنما يتذكر أولوا الألباب”. 4 دلائل ساطعة وأنوار بادية ليست صدفة من الصدف وإنما هو التوفيق الإلهي والعطاء الرباني عبر عنها صاحب الوصية رحمه الله تعالى بقوله: “هذا آخر ما يسر الله من وصية كتبت ليلة الأحد 25 ذي الحجة 1422 الساعة الثالثة والنصف تقريبا من ساعات الفضل والإجابة ساعة الثلث الأخير من الليل حين يتجلى ربنا بالعطاء السمح الجزيل” توفيق في المسعى ورشاد في الفكر و العمل، و موافقة العبد لربه قبس نستلهمه ونرجوه دائما سرمدا أبد الليل والنهار من الكريم المنان. 2 – افتقار لله دائم: هو باب عظيم من أبواب القرب إلى الله عز و جل، عبودية تامة كاملة لله تعالى، قلبا وجوارح، جمع بين الشوق الدائم والذكر الملازم. طرق وقرع للباب ووقوف دائم بالباب للفوز و الأنس والنظر إلى الملك الوهاب، هكذا هو حال أهل الله مع ربهم رضي الله عنهم أجمعين، في وصية الإمام المجدد والقدوة المرشد رضي الله عنه ورحمه ورفع مقامه يبدو هذا المعنى جليا بينا، كيف لا وهو رحمه الله تعالى الذي عاش حياته كلها حاثا مرددا داعيا منبها و منهضا أنني ما خلقت إلا لأكتب الإحسان وأحيي معاني الإحسان ، وأنه من لم يفز بالله فلا نهاية لحسرته، هكذا حاله رضي الله عنه . إن رجلا ممن “كانوا قليلا من الليل ما يهجعون، وبالأسحار هم يستغفرون” 5، و ممن “تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفا وطمعا” 6، لَهُوَ في الحقيقة التجسيد الكامل للافتقار إلى الله عز و جل ،افتقار المدرك لمعنى الافتقار وسر الافتقار. في وصيته رضي الله عنه ورحمه، القبس واضح، فالسامع والقارئ لها يجد نفسه من الوهلة الأولى أمام حال الذل والافتقار والانكسار في صدى الصوت وبين ثنايا الأحرف، إنه رضي الله عنه ورحمه يعتبر أن مرمى الوصية وغايتها؛ الترحم على ثاو في قبر الأسير لذنبه ،الراجي عفو ربه، و أنه مفتقر إلى عفو ربه مقر بذنبه، هكذا افتقار، هو ديدن الصالحين وأهل الله الربانيين، كل حركاتهم وسكناتهم هي لله انكسار وافتقار، قبس نستلهمه من الإمام المرشد رحمه الله تعالى، اتباعا للأثر واقتداءً بمن صدق وخبر رضي الله عنه ورحمه. يتبع ان شاء الله كوصية سيدنا نوح و إبراهيم و موسى وعيسى عليهم الصلاة و السلام. سورة الفجر الآية 1 رواه البزار و صححه الألباني في صحيح الجامع الصغير وزياداته ج :1حديث رقم 1133/ ص:253 سورة الزمر الآية 9 سورة الذاريات الآية 18 سورة السجدة الآية 16