إنه يوم أربعاء .. هذا ما توحيه الصور… صور اراها اللحظة أمامي .. ويبدوا أنها التقطت حديثا .. هي مجموعة صور تتوسط مقالا منشورا على صفحات موقع من المواقع الإلكترونية بالمدينة .. مقال عن سوق ” الأربعاء”… و”الأربعاء” هنا،هو ليس فقط مجرد إسم يتوسط أيام الأسبوع ، بل هو اسم يحمل دلالات ومعاني أخرى. في العمل تعودت دائما أن أرى زملائي يفرحون كلما حل يوم الأربعاء .. هم يقولون “أن نصف الأسبوع قد مضى” ولا يفصلهم على الإستمتاع بنهاية الأسبوع الا نصفه … لذلك تراهم يفرحون..والفرح عندهم قريب جدا منهم ..ليس كما نحن ،لا تاريخ لنا في معارك الفرح.. وأنا..لا زالت ذاكرتي في كل ” أربعاء” يصدح في ثناياها أصداء أصوات الخضارين والعشابين والجزارين ، وخطوات أهل السوق من وافدين وزائرين .. حين أسمع إسم ” الأربعاء” لا ينتاب ذاكرتي الا ” أربعاء” واحد ، أتنفس من خلاله دفء حطام الذكرى فتحملني الرياح وهي تعانق أوقاتي الى عوالم أخرى.. لا أرى أمامي سوى رصيف ” أربعاء ” واحد لا غير هو : “لارباع أورشمان “. الآن . وأنا أتصفح صور السوق أمامي ، اراه على نافذة كل ذكرياتي ، أمدّ الطرف بحنين وأغفوا ثم أعود لأختبىء بين قوسين من حكاياته … حكايات “لارباع أورشمان” . وأول حكاياته ، حكاية اسم دأبنا منذ الصغر على النطق به ، إرتبط بذاك السوق الأسبوعي للأهالي ، كونه ينظم كل يوم اربعاء ..”السُوق ألاَّرْبَاع “. ويوم “سُوق ألاَّرْبَاع ” لم يكن فقط يوما للتسوق بل كان يشبه يوم عيد أو يوم نزهة ، كان يحمل نكهة أخرى ، يوما غير عادي ؛ كان. كنا نبدأ اليوم – بعد نزهة سفر عبر “الكاميون”- بأن نمضي بعض الوقت في “المقهى” . هناك كنا نلتقي بالأصدقاء والأقارب نتبادل الأخبار. نجتمع حول كؤوس وأباريق الشاي المنعنع، مع فطائر “الإسفنج”. وبعد جلسة “المقهى” يبدأ كلُّ في قضاء حاجياته واقتناء ما يلزمه. أو بيع ما يرغب. فالزائر للسوق هناك كان نوعين .. الأول يأتي لشراء شيء ، والثاني لبيع شيء ، وفي الحالتين ،يكون البائع والمشتري يتقاسمان نفس شعور الراحة والفرح ، فالأول يعتقد أنه باع ما يريد بيعه وبسعر معقول ، والثاني يعتقد أنه اشترى ما يريده بسعر مناسب أيضا . وقد يكون هناك نوع آخر من الزوار وهم أولائك الذين يأتون فقط للتنزه والفرجة أو ربما لأشياء أخرى في نفسهم!!.. ولكن اليوم ، و بين كل هذا الركام المخزون ،هاهي ذاكرتنا تفضي ما لا تحتمل العين مرآه.. تتوارد الذكريات وتتوقف في اصطدام مدوي مع واقع مر معاش ليصبح للذاكرة بالتالي صمتا يشبه سكون السماء في عتمتها، بعد ما اخذت الامور منحى خطيرا في السنوات الأخيرة. منحى مغايراً بفعل السياسات الرسمية المتبعة في المنطقة.. منحنى تراجعياً مختلفاً و مغايراً للمنحنى الصعودي الذي من الفترض ان تسير عليه الأمور هناك. خاصة بعد محاولات عدة للأهالي لدق ناقوس الخطر بعد أن طالبوا مرارا وتكرارا صانعي السياسات بالالتفاف من أجل إنقاذ المنطقة من الانهيار . خاصة وأن هذه الجماعة (أركمان) والتي تمتد على مساحة 208,18 كيلومتر مربع و يبلغ عدد سكانها حوالي 21 ألف نسمة ، مدرجة حسب المنظور السياحي (المستقبلي) في خانة الواجهات السياحية المهمة جدا والغير مكتشفة وهو ما يعطي للقرية درجة إمتياز لا مثيل لها في المنطقة كلها. ولكن الرياح هناك لا زالت تسير عكس ما تشتهيه سفن أهل القرية. فزيارة خاطفة للسوق في القرية تؤكد وتُظهر الصورة ، وكل الصورة لما آلت اليه الأوضاع هناك . في الطريق نحو السوق يبدوا لك الطريق وكأنه بدون طعم ، حتى البوابة الكبيرة التي كانت توحي للزائر انه فعلا يدخل الى السوق لم يعد لها وجود .. والوجوه الجالسة على جنبات الطريق ليست هي نفس الوجوه التي ألفناها ، وأصحاب الدكاكين لا تعرف منهم أحدا… لا ترى الخضراوات والفواكه الطازجة التي كانت في كل مكان ، مفروشة على الأرض فوق أفرشة بلاستيكية أو على طاولات كانت عبارة عن صناديق خشبية تجلب فيها عادة الخضر والفواكه . تحول المكان وكل الدكاكين والمقاهي الى برك مائية . ذهب الكثير من الذين كنا نحبهم , ذهب التجار والجزارون والنجارون والحلاقون وآخرون كانوا بالفعل يؤثثون السوق. السوق الذي كان لوقت قريب يعج بالحركة ، كان هو القلب النابض للمنطقة والمناطق المجاورة ، كان أهله يجدون ضالتهم في ذالك السوق ،منه كانوا يشترون أغراضهم ، وفيه يطلعون على آخر المستجدات ، يبرمون الصفقات ، ويحددون المواعيد . لذلك لم ينمح هذا السوق من ذاكرة أهل شبذان حتى الآن . ولكنه اليوم اصبح حاله لا يسرعدوا ولا صديقا ، بعد أن ازدادت (وتزداد ) الأوضاع فيه تأزما، والتحديات حدة. بيوت و محلات كثيرة أغلقت أبوابها وهجرها أصحابها، وما تبقى من محلات قليلة ،فهي خالية من الزبائن إلا من أصحابها رازحين أمام أبوابها بانتظار الزبون الذي لا يأتي. أكثر ما يلفت انتباهك وأنت تتجول في سوق “الاَّرباع” هو غياب النظافة بل هي منعدمة تماما , الشوارع تملأها القمامة ومخلفات المواد الاستهلاكية. مخلفات حولت القرية كلها إلى مكاناً مفتوحاً للقمامة ، الأمر الذي يعطي وجها آخر للقرية و يخدش الجانب الجمالي فيها كسوقاً اسبوعيا حيوياً يرتاده الكثير من الناس للتسوق . في القرية كما في ” السوق ” لا يجد المواطن أحيانا لمن يشكي معاناته ، في غياب بعض موظفي الإدارات هناك إن لم نقل جلهم أو كلهم أحيانا !!والذين لا يزورون مقرات عملهم إلا ك ” عابرين سبيل ” ولا يراهم المواطن إلا مرات قليلة من باب إسقاط الواجب . أصبح السوق ملجأ للنفايات والكلاب الضالة والمعز والحمير والأبقار و..و .. وبين كل هذا وذاك ، لا زال أهالي القرية ينتظرون مشروع ” مارتشيكا” الذي طال انتظاره ، والذي لا زال حتى الآن يراوح مكانه…وما زالت أوراقه بين الجهات ذات العلاقة لم تر النور حتى تاريخه… ونظرا لهذ الإهمال القاتل من طرف الجهات المعنية ، فالناس كذلك أصبحت من دون اهتمام ، لا يفعلون شيء أوأنهم لا يستطيعوا فعل شيء ، باستثناء مبادرات شبابية خجولة قام بها عدد من شباب القرية ،غير أنها سرعان ما انطفأت…بل وحتى قبل أن تبدأ !!. الطريق من والى السوق أضحى عبارة عن مطبات وحفر ..انعدم الإسفلت منه بشكل كلي . أهل القرية يقولون أنه كان يفترض أن يتم العمل في القرية وفي شوارعها على الخصوص منذ مدة ضمن مشروع” مارتشيكا” وإعادة تأهيل وسفلتة طرق وشوارع القرية غير أن ذلك لم يحدث وتم تأجيله بوعود لإصلاحه الى أجل غير مسمى… خلاصة الحكاية وكما على لسان أهل القرية أن قريتهم لاقت تجاهلا كبيرا من جميع المسئولين ودون استثناء أحدا ، وطوال عقود كثيرة سابقة ، بل وكذلك من النواب من أبناء المنطقة ، وأعضاء المجالس المحلية ، والذين كان سكانها يدينون لهم بالولاء ويمنحونهم أصواتهم في الانتخابات من دون تردد . هو تجاهل قاتل ذاك الذي يلقاه المواطنون هناك ، وهم يأملون اليوم أن لا يمتد طويلا وأن يتدارك ” أولي الأمر” الأمور قبل أن تتطور الى ما لا تحمد عقباه. فمعاناة ومشاكل ” أرشمان” أصبحت كبحره ، يسبح فيه أهالي شبذان ،غارقين فيه في الوقت الذي أغمض فيه المسؤولين أعينهم عن مشاكله طوال السنوات الماضية .. رغم أنهم يسكنونه ولهم فيه عائلات وأبناء يجوبونه ذهابا و إيابا .. ليظل “ارشمان” وكل المناطق المجاورة له إشارة حمراء في طريق “قيادة كبدانة” .ولا أحد يعلم متى ” تخضر “فللإشارات هناك حكايات وحكايات ،لا أحد يعرف كيف تعمل ، هل هي مع عقارب الساعة، أو عكسها.هي أداة جامدة صماء لا تؤثر عليها عاطفة أو ضمير، هي ربما تكون منصفة أحيانا في توزيع الوقت بحسب البرمجة، ولكنها ظالمة ، ظالمة في العدالة والإنصاف ، لذلك على “المشاة” من أهل القرية أن يعلموا إن الروح غالية ،ولا ينبغي أن يحسنوا الظن في تقديرات تلك الإشارات خاصة منها تلك … الحمراء.