على هامش اجتماع المجلس الوطني لحزب الاستقلال في نهاية الأسبوع قبل الأخير من شتنبر الماضي من أجل انتخاب الأمين العام الجديد للحزب ، وفي وقفة مع بعض رجال ونساء التعليم ، جاء في حديث السيد محمد الوفا وزير التربة الوطنية ما يلي : ” التعليم الابتدائي مايمكنش يكون عندنا فيه الاكتظاظ فالمغرب … عندنا التحرميات فالمغرب ” ويبدو أن السيد الوزير لم يكن ، في هذا الحديث الذي تنوقل وتوبع على الأنترنيت ، مجانبا للصواب بشكل كبير . لكن ما هي القرائن الدالة على ذلك ؟ الدليل على ذلك بكل بساطة هو ما يتكشف من خلال الزيارات التفتيشية المنجزة من طرف فرق مختصة من هيئات التفتيش بتتبع تنزيل القرارات الأخيرة لوزارة التربية الوطنية والمتعلقة على الخصوص بإعداد استعمال الزمن وفق التوقيت اليومي الجديد الذي تم اقراره بالتعليم الابتدائي والاطلاع على لوائح الأساتذة المرخص لهم للقيام بساعات إضافية بمؤسسات التعليم الخصوصي . وبخصوص التوقيت المدرسي الجديد فقد توصلت المؤسسات التعليمية الابتدائية بمراسلة وزارية في الموضوع تبعا لقرار الوزارة بإلغاء العمل بالمذكرة القديمة رقم 122 وتماشيا مع المقاييس الدولية وما هو معمول به في أغلب دول العالم ، فإن تدبير الزمن المدرسي الذي سيتم تطبيقه انطلاقا من الموسم الدراسي الحالي 2012/2013 سيصبح على الشكل التالي : 1 . بالعالم الحضري : يقضي بالدخول صباحا على الساعة الثامنة والخروج في الساعة 12 والدخول مساء على الساعة 14 والخروج في الساعة 16 و30 د ، طيلة أيام : الإثنين والثلاثاء والأربعاء صباحا فقط والخميس . أما يوم الجمعة فيكون الخروج صباحا على الساعة 12 و30 د والدخول مساء على الساعة 14 و30 د إلى غاية الساعة 17 . في حين يكون الأربعاء مساء ويومي السبت والأحد عطلة . هذا هو التوقيت الجديد الموحد الذي قررته الوزارة والذي تعمل لجان التفتيش على مراقبة مدى تطبيقه من طرف المدارس المتواجدة بالعالم الحضري . 2 . بالعلم القروي : أما بالعالم القروي فقد خول لمجالس المؤسسة والمفتشين إعتماد التوقيت الملائم للدراسة حسب المعطيات المحلية من حيث المناخ والجغرافيا وبعد المناطق السكنية عن المدرسة ، لكن بشروط مضبوطة ومحددة يعرفها المعنيون وعلى أساسها يضعون التوقيت المناسب . يبدو مما يرشح عن تلك اللجان من أنباء أنها وقفت على كثير من الحالات تدل على نوع من عدم التحمس من جانب بعض المدرين والمديرات وبعض رجال ونساء التعليم لتطبيق التوقيت الجديد حيث يتم اختلاق أعذار للتملص من تطبيق التوقيت الجديد الموحد بدعوى عدم قدرة المتعلمين على التحمل ، تارة ( وكأن المتعلم المغربي دون سائر المتعلمين في بلدان العالم ) وبحجة عدم وجود ما يكفي من الحجرات الدراسية أو وجود حجرات لكنها غير قابلة للاستعمال أو بحجة الحفاظ على أقسام التعليم الأولي بالمؤسسة الابتدائية تارات أخرى . لكن المعاينة والتدقيق في الأمور يدل على أن الكثير من هذه التحججات والأعذار لا تقوم على أساس متين . فكم من مدرسة كانت تقدم عن نفسها صورة وعن بنيتها التربوية معطيات تدل على عدم إمكان تطبيق التوقيت الجديد فيها بسبب النقص في الحجرات الدراسية وأثبتت عملية التفتيش عكس ذلك تماما ، أي أنها تتوفر على الحد الأدنى الضروري من الشروط لتطبيق هذا التوقيت . ولعل هذا ما يؤدي إلى القول بوجود نوع من افتعال المشكل حتى لا نقول التحايل . فإذا كانت المذكرة / القرار الوزاري بشأن هذا التوقيت هي بمثابة قانون وإذا كان عدم تنفيذها في بعض المؤسسات لا يستند إلى معطيات حقيقية ، فبم يمكن أن يوصف إذن ؟ وإليكم بعض الأمثلة عن أهم المبررات التي تقدم كحجج على عدم إمكان تطبيق التوقيت الجديد ، نقدمها هنا في شكل تساؤلات . مثال أول : هل يمكن الترافع بالنقص في الحجرات ونحن بإمكاننا أن نربح حجرات عن طريق ضم بعض الأقسام دون أن يؤدي ذلك إلى تجاوز العدد من التلميذات والتلاميذ الممكن الاشتغال به في كل قسم والذي بتجاوزه يكون القسم مكتظا فعلا ؟ وقد وقفت لجان التفتيش على حالات من هذا النوع ، إذ من المعلوم أن كل قسم إضافي ، بموجب حق أو بدونه ، تلزمه حجرة إضافية مما يقتضي تدبيرا أمثل لعدد الحجرات المتاحة بالعلاقة مع عدد التلاميذ بهدف توفير شروط تطبيق التوقيت الجديد وليس العكس . مثال ثان : هل يعقل التحجج بتخصيص قاعات دراسية للتعليم الأولي لكي لا يتم تطبيق التوقيت الموحد الجديد ؟ فعلى الرغم من قيمة وأهمية التعليم الأولي في الإعداد للتعليم الابتدائي إلا أنه يظل من الناحية التنظيمية والتشريعية مرحلة ما قبل مدرسية وغير مدمجة قانونيا بالتعليم الابتدائي . فالتعليم الأولي مطروح للإدماج بالتعليم العمومي حاليا على الأقل ، حسب الإمكان وليس الوجوب ، مما يعني أن الأولوية للعليم العمومي الرسمي . لا بأس إذن من استعمال حجرات قد تكون مخصصة للتعليم الأولي إذا كان ذلك سيؤدي إلى توفير شروط تطبيق التوقيت الجديد وليس العكس أي التذرع بالإبقاء على التعليم الأولي لتبرير عدم الاشتغال بهذا التوقيت . وذلك لأن الواقع يؤكد ، في كثير من المواقع بالوسط الحضري على الأقل ، أن خدمة التعليم الأولي متوفرة من حيث العرض خارج المؤسسة التعليمية العمومية على خلاف خدمة التعليم الابتدائي التي يفترض أن توفرها المدرسة العمومية وهي صاحبة واجب في هذا الشأن . مثال ثالث : أليس من غير المقبول أيضا أن يتم التذرع بعدم وجود حجرات كافية والمدرسة تضم حجرة أوأكثر غير مستعملة بدعوى أنها مهملة ومهجورة منذ مدة أو حجرة مستعملة لأغراض أخرى غير التدريس وهي أغراض يمكن تدبر تدبيرها بطريقة أخرى ممكنة ؟ فالتدبير الجيد للمؤسسة يقتضي أن يكون تنزيل هذا التوقيت الجديد مناسبة للعمل على إعداد وتهيئة وتحويل كل المتوفر من الحجرات بالمدرسة إلى حجرات قابلة للاستعمال كإجراء تدبيري مستعجل بالمتاح والممكن توفيره من الوسائل المالية في انتظار أعمال الإحداث أو التوسيع الكبيرة والمتوسطة العادية . عندما وقفت لجان التفتيش على الوضعية الحقيقية بالمؤسسات التعليمية توصلت إلى أنه يمكن تطبيق هذا التوقيت الجديد في كثير من المدارس التي لو تركت لحالها لما طبقت فعلا هذا التوقيت . فهل يدل هذا على أن الوزارة ينبغي ألا تثق كثيرا في ما يأتيها من هذه المؤسسات من معطيات وأنها إن أرادت معرفة الحقائق عليها أن تحرك جهاز التفتيش ؟ ما هو دور مصالح التخطيط والخريطة المدرسية على مستوى النيابات في هذا الموضوع ؟ إذا كنا سنحتاج إلى تدخل جهاز التفتيش كلما أردنا الحصول على معطيات حقيقية حول البنية التربوية بالمؤسسات التعليمة ، فما جدوى وجود هذه المصالح أصلا وما هي مصداقية العمليات الاحصائية المختلفة الدورية والسنوية ، التوقعية والنهائية التي تنجزها ؟ وإذا كانت الأسر المغربية قد تعاملت ، على العموم ، بالإيجاب مع هذا التوقيت الجديد على خلاف بعض المدرسات والمدرسين الذين أبدوا بعض الامتعاض ولسنا ندري لماذا ، فإن المطلوب من الناحية التربوية هو الاجتهاد في ظل البرامج والمناهج والكتب المدرسية الحالية من أجل العمل على تكسير رتابة التلقين والأنشطة التعلمية التي تتطلب الانتباه والتركيز الذهني بأنشطة ذات طابع حسي حركي وغيره من أجل تصريف أمثل لكم الزمن المتصل الذي يتضمنه هذا التوقيت . هذا في انتظار بناء تصور جديد للمناهج والكتب المدرسية الجديدة التي ستأخذ بعين الاعتبار متغير زمن التعليم والتعلم الجديد . لكن في انتظار ذلك الكرة الآن في مرمى التفتيش التربوي من اجل تأطير المدرسات والمدرسين ومساعدتهم على التنظيم الديداكتيكي للعملية التعليمية التعلمية في ظل هذا التوقيت الجديد . إلى جانب هذا هناك مسألة أخرى لا ينبغي إغفالها هي مسألة مراجعة سلة المواد المدرسة بالتعليم الابتدائي ليس فقط من حيث الجدوى والفائدة بالعلاقة مع الأهداف من تدريسها بهذه المرحلة من التعليم ولكن أيضا بالعلاقة مع مؤهلات وقدرات وطاقات الفاعل التربوي المسند إليه أمر تدريسها . ولا يمكن مقاربة مسالة سلة المواد الدراسة بمعزل عن حجم الغلاف الزمني المقرر وبخاصة بالنسبة للمدرس . والدليل الظاهر على أهمية هاتين المسألتين ودورهما الحاسم في صناعة المردودية الجيدة هو الاتجاه إلى العمل في الكثير من مؤسسات التعليم الخصوصي على تدبير هذا الأمر بشكل مختلف عما هو واقع في التعليم العمومي ، حيث يتم الحرص على عدم إسناد أكثر من مادة واحدة للمدرس الواحد مع مراعاة التخصصات ، عوض إغراقه في سلة متنوعة أو كوكتيل من المواد المتقاربة وغير المتقاربة وكتب مدرسية متعددة . ولعل هذا التحديد والتخصيص ، هو ما يصنع الفرق في النتيجة بين التعليمين العمومي والخاص ، إضافة ، طبعا إلى ضمان وتأمين الزمن المدرسي وزمن التعلم ، مما يدفع بالكثير من الأسر ، رغم ضيق ذات اليد أحيانا ، نحو التعليم الخاص في المرحلة الابتدائية على الأقل ، مع العلم أن التعليم الخاص الابتدائي ، على خلاف الأسلاك الأخرى ، يشتغل بموارده البشرية الخاصة .