تقديم: إن حسن تنظيم الزمن المدرسي يعد من العوامل المساهمة في نجاح العملية التعليمية التعلمية، و حسن التنظيم هذا لا يكون إلا بتغيير كيفية تناول و إدراك الزمن المدرسي، كعنصر ديناميكي، و كوسيلة تربوية فعالة، يقتضي اعتماد المرونة في تنظيمه و فقا لخصوصيات المناطق و المؤسسات التعليمية، فلعنصر الزمن أهميته الكبرى في تحقيق التجديد التربوي و الرفع من جودته، فالدخول و الخروج من المدرسة ليس أمرا معزولا بل هو ظاهرة اجتماعية اقتصادية و تربوية ذات أبعاد كثيرة و انعكاسات كبيرة على المجتمع بجميع مكوناته. سنقتصر في موضوع هذه الورقة على عنصر وحيد من عناصر تدبير الزمن المدرسي، و هو جدول الحصص الأسبوعية [استعمال الزمن]، و سنركز على صيغته المكيفة [ ما يسمى بالتوقيت المستمر] بالخصوص لراهنية الموضوع مع كل دخول مدرسي. أولا: نقط مُحِيلَةٌ على خلفية الموضوع. 1- تعتبر الحياة المدرسية فضاء وظيفيا مندجا في مكونات العمل التعليمي التعلمي، و يتشكل من مجموع العوامل الزمانية المكانية التنظيمية العلائقية التواصلية و الثقافية المكونة لخدمات التربية و التكوين، و كذا فضاء لحياة اعتيادية يومية للمتعلمين، يعيشونها أفرادا و جماعات داخل نسق عام منظم، و يتمثل جوهر هذا الفضاء في الكيفية التي يعيش بها المتعلمون تجاربهم الدراسية و إحساسهم الذاتي بواقع أجوائها النفسية و العاطفية. 2- من بين المتغيرات الأساسية و الجوهرية التي تظل مهمشة في التدبير البيداغوجي لنظام التربية و التكوين متغير الزمن، سواء من حيث علاقته بهندسة و تخطيط المنهاج [المناهج، البرامج، الكتب المدرسية، توزيع جداول الحصص، العمل الديداكتيكي و التربوي المباشر ...]، أو بالتنظيم و التدبير الإداري لعمل أطر التربية و التكوين عامة، مما يُشَرِّع الباب لطرح جملة من التساؤلات، من قبيل: ما هي الاختيارات و المبادئ المعتمدة في تحديد و تدبير الزمن البيداغوجي للسنة الدراسية؟ و هل هذا التحديد و التدبير يخضع لضوابط و معايير بيداغوجية علمية موضوعية؟ أم لضوابط و غايات تقنية اقتصادية أو إيديوسياسية؟ ... 3- إن كيفية تعاطي منظومة التربية و التكوين مع معطى الزمن يعكس عمق و حقيقة توجهات السياسة التعليمية ببلادنا، و التي يمكن استنتاجها من خلال الإجابة عن التساؤلات التالية: + كيف تتعاطى هذه المنظومة مع معطى الزمن في حالة: الأقسام متعددة المستويات، الأقسام المكتظة، العوائق المرتبطة باهتراء البنية التحتية و انعدام الوسائط التعليمية التعلمية، اشكالات الخريطة المدرسية، المعطيات السوسية اقتصادية للمحيط؟ ... + هناك اتجاها رسميا ينحو نحو تخفيض ساعات تمدرس المتعلمين و رفع ساعات عمل أطر التدريس مرتكزا على مبررات عدة، لكن على اعتبار التعليم عمل جسدي و عقلي-عصبي بالدرجة الأولى، و قد أتبثت بعض الدراسات العلمية أن هذا العمل أكثر إرهاقا من العمل الجسدي، لذا: ما سبب اختلاف و تفاوت ساعات عمل مدرسي مختلف الأسلاك التعليمية؟ هل هذا التفاوت مُؤَسَّسٌ على معايير بيداغوجية؟ أم على الشواهد التعليمية و المهنية؟ أم على حسابات التدبير المالي للمناصب و الميزانية العامة المخصصة للتعليم؟ ... ثانيا: جدول الحصص الأسبوعية. جدول الحصص الأسبوعية وثيقة إدارية تربوية، تشتمل على عنصرين مهمين متداخلين: 1- الجانب الإداري: فكل موظف تابع للإدارة يخضع لضبط أوقات الدخول و الخروج، و بما أن المدرسين لا يخضع وقت عملهم للتوقيت الإداري، فهم ملزمون بالتوفر على وثيقة رسمية تثبت أوقات الدخول و الخروج و الاستراحة، و تعتبر هذه الوثيقة العقد الذي يحفظ حقوق كل من الدولة و المدرس خصوصا في حالة وقوع الحوادث المدرسية أو حوادث الشغل. 2- الجانب التربوي: و يتضمن توزيع الحصص و المواد الدراسية على أيام و ساعات الأسبوع. ثالثا: صيغ جداول الحصص الأسبوعية و سبب تعددها. تطورت صيغ جداول الحصص الأسبوعية من الصيغة الأولى إلى الصيغة الثانية فالمكيفة و أخيرا إلى ما يسمى بالصيغة الثالثة، و الملاحظ أن كل هذه الصيغ عدا الأولى و المكيفة أُوجِدَت للخصاص المتراكم عبر السنوات في الحجرات الدراسية لا غير، مما يفرغ كل المبررات المتدثرة خلف مصلحة المتعلم التي تسوقها السلطات الوصية على القطاع من كل محتوى. [ لكون الصيغة التي تدفع لاعتمادها أُجِدَتْ بسبب الخصاص في الحجرات الدراسية و لم توجدها عملية البحث على مصلحة المتعلمين]. 1- الصيغة الأولى:تتطلب هذه الصيغة تخصيص حجرتين لكل ثلاثة مدرسين على الأقل، حيث تستغل الحجرة الدراسية من الساعة الثامنة إلى الساعة 12، و من الساعة 14 إلى الساعة 17. و هذه الصيغة هي الملائمة للأجواء التربوية السليمة و العادية، إذ تسمح بتوفير الحيز الزمني الكافي ل: التهوية اللازمة للحجرات الدراسية – أعمال النظافة – عملية دخول و خروج أفواج المتعلمين من و إلى المؤسسة التعليمية في أجواء تربوية مقبولة. 2- الصيغة الثانية: تم اعتمادها للخصاص المسجل في الحجرات الدراسية لا غير، و تقتضي استغلال الطاقة القصوى لكل حجرة، عبر تخصيص واحدة لكل مدرسين، و تستغل من الساعة الثامنة صباحا إلى الساعة السادسة مساء و 5 دقائق، مع اخلائها لمدة 10 دقائق تخصص للتهوية و النظافة و خروج و دخول أفواج المتعلمين، مما يحتم علينا التساؤل: هل 10 دقائق كافية لتهوية الحجرات الدراسية و تنظيفها و لدخول و خروج أفواج المتعلمين لثلاث مرات يوميا؟ أم أن هذه المدة هي إعداد مسبق لوضعية الازدحام الشديد أمام أبواب المدارس تكون نتيجته المنطقية الاكثار من الحوادث المدرسية و السلوكات اللاتربوية، مما يجعل من التأخر قاعدة طبيعية بل مرغوب فيها حتى لا يقع ما لا تحمد عقباه. 3- الصيغة المكيفة: ظهرت هذه الصيغة لأول مرة في المدرسة المغربية خلا ل الموسم الدراسي 1999/2000، في بداية عمل حكومة التناوب التوافقي، حيث ظهر انفتاح نسبي للإدارة المغربية، و تجاوب ظرفي مع نبض المجتمع لخصوصية المرحلة، و تقتضي هذه الصيغة استمرار عمل المدرس ل 4 ساعات و نصف الساعة يوميا مع حصتي التربية البدنية، و تخصيص حجرة واحدة لمدرسين، و هذا لا يعني بالضرورة استمرار تمدرس المتعلم لنفس المدة الزمنية بكيفية مسترسلة كما سنبين لا حقا. [ انظر نماذج الصيغة المكيفة لجداول الحصص الأسبوعية] 4- الصيغة الثالثة: أمام الخصاص المهول في الحجرات الدراسية و الذي لم يسبق له مثيل، إما بسبب الحملات المنظمة لمحاولة تعميم التعليم الإبتدائي دون توفير شروطه الأساسية، أو بسبب تأخر بناء أو إصلاح بعض المؤسسات التعليمية المهترئة، التجأ المسؤولون على القطاع إلى ما يسمى بالصيغة الثالثة، و تقتضي هذه الأخيرة تخصيص حجرة واحدة لكل ثلاثة مدرسين بمعدل ثلاث ساعات يوميا لكل واحد منهم، أي أقل من الحيز الزمني الرسمي المخصص لتمدرس المتعلم و عمل المدرس ...؟؟؟ رابعا:الخطاب الرسمي و تدبير الزمن المدرسي [جداول الحصص الأسبوعية]. بعض مما جاء في الميثاق الوطني للتربية و التكوين: تعتمد في تدبير الوقت في مجال التربية و التكوين القواعد التالية: - مراعاة الظروف الملموسة لحياة السكان في بيئتهم الاجتماعية و الاقتصادية و الثقافية. - احترام المميزات الجسمية و النفسية للمتعلمين. - توفير الوقت و الجهد المهدران في التنقلات المتكررة بدون جدوى. - اتاحة الوقت الكافي للمتعلمين حتى يتمكنوا من إنجاز الفروض و الأشغال الشخصية. خامسا: الأسباب الموجبة للصيغة المكيفة لجداول الحصص الأسبوعية إن لتدبير الزمن المدرسي انعكاساته المباشرة على ظروف التعلم و شروطه، لذا وجب أن يكون هذا التدبير مرتبطا و الجوانب العلمية و البيداغوجية و الاجتماعية و كذا المجالية، بغية ايجاد مناخ أفضل لاكتساب المهارات و القدرات و الكفايات التي تستهدفها المناهج التعليمية. و انطلاقا مما سبق، نستعرض بعض موجبات الصيغة المكيفة لجداول الحصص الأسبوعية: 1- موجبات مرتبطة بالمتعلم: + بعد المدرسة عن محل السكن: جعل اكتظاظ الفصول الدراسية و المدارس المتعلمين يتابعون دراستهم بمدارس بعيدة عن محل سكناهم، و لأخطار الطريق و المحيط أصبح لزاما على الأباء أو الأمهات مرافقة أبنائهم من و إلى المدارس... + ثقل المحفظة التي أصبحت تزن ضعف وزن المتعلم لأسباب تجارية صرفة، و يجمع عدد كبير من الأطباء على أن المحفظة الثقيلة كأي حمل ثقيل يؤثر على صحة الإنسان و الأطفال بأخص الخصوص، مما ينتج عنه: خلل في العمود الفقري – جعل العنق و الكتفين و الظهر أكثر عرضة للإصابة. + التقليل من تسكع المتعلمين في محيط المدرسة و في الطريق من و إليها، خصوصا أمام الممارسات المستشرية في هذه المجالات: انعدام الأمن – خطر الانحراف ... + تمكين المتعلمين من التوفر على وقت ثالث يتيح لهم تجديد طاقتهم و مزاولة أنشطتهم المنزلية و الموازية. + تقليل نسبة التأخر و الغياب المرتبطان بالبعد و بإكراهات أخرى اجتماعية و مجالية. 2- موجبات مرتبطة بأسر المتعلمين: من المعلوم أن مدينة طنجة تعد بحق مدينة عمالية لكثرة المناطق الصناعية فيها، كما تتربع على قائمة المدن المغربية الأكثر كلفة معيشيا، هذا الوضع حتم على جل أفراد الأسر الانخراط في سوق الشغل للتعاون على مواجهة أعباء الحياة، و يتجلى هذا الوضع بجلاء في الأحياء الشعبية بالضواحي –منجم اليد العاملة-. [بئر الشفا، بني مكادة، العوامة، مغوغة ...] هذا المعطى الاجتماعي و الاقتصادي للمحيط تولدت عنه انعكاسات مباشرة على متعلمي المؤسسات التعليمية، مثل: + الاعتماد على متعلمي المدارس الأطفال في بعض الأشغال لمساعدة ذويهم، مما يساهم في تفاقم ظاهرة الهدر المدرسي عبر التأخرات و التغيبات وحتى الانقطاع عن الدراسة. و هو الأمر الذي تخفف منه الصيغة المكيفة لجداول الحصص الأسبوعية لأنه يمنح الأسرة و المتعلم نصف يوم للتصرف. + التقليل من عدد مرات مرافقة الآباء و الأمهات لأبنائهم من و إلى المؤسسات التعليمية إلى النصف: أخطار الطريق و المحيط ... 3- موجبات مرتبطة بأطر التدريس: + بعد محل السكن عن مقرات العمل بحكم اتساع رقعة المدينة، مما ينعكس على شكل تأخرات و تغيبات متكررة تعود بالأساس إلى إكراهات وسائل النقل. + تمكين المدرسين من وقت ثالث لتجديد الطاقة و حسن الاستعداد القبلي، و مزاولة أنشطتهم الثقافية و الرياضية و ... الموازية. 4- موجبات مرتبطة بالمدرسة: + عدم كفاية الحيز الزمني بين دخول و خروج المتعلمين من و إلى المؤسسة لتهوية و تنظيف الحجرات الدراسية. + الازدحام الشديد أمام أبواب المدارس، فالوقت المخصص لهذه العملية في الصيغة الثانية لجدول الحصص الأسبوعية لا يتعدى 10 دقائق، مما يساهم في ارتفاع حالا الحوادث المدرسية، و التأخرات، و انتشار الممارسات اللاتربوية. 5- موجبات الترشيد: + اقتصاد الوقت و الجهد و الكلفة المهدرة في كثرة الذهاب و الإياب. + التقليل من نسب التغيبات و التأخرات و الحوادث المدرسية. + الحفاظ على البيئة. سادسا: نموذجان للصيغة المكيفة لجداول الحصص الأسبوعية: 1- النموذج الأول: يقتضي هذا النموذج عمل كل من المدرس و المتعلم ل 4 ساعات و نصف الساعة بطريقة مسترسلة تتخللها استراحة، و هذا النموذج هو الرائج: [ هذا النموذج خاص بأستاذ يدرس فوجين – الفوج الأول و الثاني- في حالة المستوى الأول أو الثاني لا يكون هناك أفواج أصلا] إضغط على الصورة لمشاهدة الحجم الكامل 2- النموذج الثاني: يقتضي هذا النموذج عمل المدرس ل 4 ساعات و نصف الساعة يوميا بطريقة مسترسلة، عكس المتعلم الذي يدرس على إيقاع مشابه لإيقاع الصيغة الثانية لجدول الحصص الأسبوعية. يقتضي هذا النموذج أيضا تدريس مدرسين لفوجين من متعلمي المسوى الأول و الثاني، و هو إجراء سهل الأجرأة و ذو فوائد جمة للمتعلمين، إذ سيخلصهم من رتابة الأسلوب الوحيد للمدرس الوحيد طول السنة الدراسية، أما باقي المستويات فلا يطرح في تطبيقه أي إشكال يذكر. [ ملاحظة: في النموذج التالي سنثبت مواعيد عمل مدرسين 1 و 2 و فوجين ألف و باء يعملون في حجرة واحدة]. إضغط على الصورة لمشاهدة الحجم الكامل سابعا: خلاصات عامة - ضرورة تفعيل دور المؤسسة التربوي و التعليمي عبر مجالسها، و تمكينها من هامش الحرية الذي يتيح لها التصرف في الأحياز الزمنية. - إن من أوجه أزمة التعليم اختزال الإدارة التربوية للمؤسسات التعليمية في مستوى تنفيذ القرارات البيروقراطية المملاة من فوق، في حين يجب التوجه نحو إدارة تربوية ديمقراطية منفتحة، تتوسل إلى القواعد الحديثة للتسيير و التدبير و منها الإشراك و الفاعلية المرسخة لقيم الثقة المتبادلة المتيحة فعلا لحرية الاجتهاد عبر تجريب المشاريع و البرامج و الأفكار باعتبارها الحل الأمثل لمشاكل قطاع التعليم. - من المعروف أن التعليم الإبتدائي أكثر انهاكا، و أكثر أهمية، لما له من وظائف بنائية أساسية تؤثر على فعالية و جودة الأسلاك التعليمية اللاحقة، لذا وجب إعادة النظر في عدد ساعات عمل المدرسين وفق خصوصية مهنة التعليم و ضمانا للفعالية و الإنصاف. - إن صناعة نهضة شعب و وطن لا يتم انطلاقا من حسابات مالية و تقنية ضيقة لتحقيق التوازنات الماكرواقتصادية على حساب قطاع مجتمعي حيوي كقطاع التعليم.