اصبح قلق العلمانيين و خاصة اليساريين و القوميين يتزايد يوما بعد يوم امام صعود الاسلاميين الى الحكم بعد ربيع الشعوب، ومن بين من ضخم في هذا القلق وسائل الاعلام المختلفة خاصة الاجنبية منها اذ نقرأ مثلا “الربيع العربي و الشتاء الاسلامي” نكاية “بالاسلام السياسي” و نعته بالجمود و البرودة في اتخاذ الفعل و المبادرة، و اذا كان هذا القلق يحمل جانبا من الصحة، فانها تخفي الجانب الآخر لهذه التيارات الحداثوية و المتمثل في ابداع ذاتي مستقل يترجم الى مشاريع اقتصادية و اجتماعية وسياسية بعيدا عن المقولات و المفاهيم الجاهزة و المستوردة من قبيل قال ماركس وفعل لينين( في صناعة حكم البروليتاريا) اوقال نيتشه وفعل بيسمارك (في صناعة الانسان و القومية الالمانيتين) و الكل يعرف طليعة البروليتاريا في الاتحاد السوفياتي و كيف استبدت بالحكم و استعبدت الفقراء باسم البروليتاريا بل و الكل يعرف ايضا كيف تحولت المانيا الى نازية باسم اشتراكية هتلر و عدمية نيتشه، هذا دون الحديث عن التجارب القزمية و الخطابات القومية(او القوممة نسبة الى القمامة) و المتمثلة مثلا في اشتراكية و قومية عبد الناصر الذي صفى المعارضين و زج بهم في السجون، اما عن الزعامات الشيوعية في العالم باسره فيكفي الحال ان ديكتاتيورية كوبا هي وليدة ثورة شيغيفارا، فما اسهل ان تهدم نظاما قائم على الظلم ولكن ما اصعب ان تبني نظاما بديلا قائما على العدل و الانسانية. اما جانب الصحة في مقولة القلق هذه عند العلمانيين و هي مردودة عليهم و حجة ضدهم كما هي حجة لهم ايضا فهي عدم وجود برنامج عملي ورؤية واضحة لدى “الاسلام السياسي” لتطبيقه على ارض الواقع، فمثلا كيف يمكن ترجمة تخليق السياسة و الاقتصاد الى ارقام و مؤسسات؟ و كيف يمكن محاربة اقتصاد الريع؟ وكيف يمكن التحرر من التبعية لمؤسسات بروتن وودز و الشركات العالمية؟ وتطبيق اقتصاد بديل يعتمد مثلا الزراعة المعاشية بما يسد افواه الجائعين؟ وسكن اجتماعي يحد من السكن في القبور؟ ووووووو ان هذا كله يتطلب و قتا و جهدا كبيرا و تضحية ايضا اذ الآلاف التي استطاعت ان تضحي بالدماء اثناء الثورة السلمية لبعض من الايام و الشهور و بالجوع والموت لعقود من الزمن يمكن لها ايضا ان تضحي بالخبز والسكن لبعض الوقت، لكن لايمكن لها ان تضحي بالسياسة و الا صارت ضدها ثورة مضادة تستديم معها حالة حليمة القديمة لدهور من الزمن،- ولقد عرفت فرنسا ثورتها المشهورة في 1789 لكن الوقت تطلب قرنا من الزمن لترجمتها على ارض الواقع الى جمهورية ديموقراطية و مستقرة و مع ذلك لم تنجح النجاح الحقيقي اذ خرج من رحمها اقطاعا جديدا واستعبادا في المصانع و استعمارا لجزء من العالم-، و كما يتطلب هذا جهدا ووقتا و تضحية فإنه يتطلب ايضا توحيدا للصفوف و الكلمة السواء و ترك المجال للشعب يقول رأيه فهو ليس قاصرا كما يدعي اصخاب (من الصخب) الاديولوجيات الضيقة”ذو التوجه الديني او العلماني” بل هو راشدا اشتد عوده و قادرا على المبادرة و البناء. و اخيرا من حقنا مساءلة الحركة السلفية “اخوانا وسلفيين” حول ترجمة شعار “الاسلام هو الحل” الذي رفعوه لسنين خلت و التي كانت تقول أيضا ان التعاقد مع صندوق النقد الدولي لايتماشى مع الاسلام الذي يحرم الربا و شجبوا ما سمي بمعاهدة السلام مع “اسرائيل” و غيرها من الاسئلة الحاضرة في الأفهام و الغائبة في الأعيان.