– رسالة الى صديقي ...المخرجمحمد بوزكو. أو حين تصير ملحمة « أنوال».. تجربة ثرية ورؤية إخراجية مثيرة للجدل! أنا الآن هنا صديقي لاشاطرك هذه اللحظات ونتقاسمها سويا كما تقاسمنا ذات مساءات الخبز والملح والتبغ والسهر والتعب تنفيذا لسنة زرعتها في نفوسنا عزة النفس واحترام الذات والكرامة والإباء والنخوة والغيرة التي ورثناها عن أجدادنا.. أتذكر ذاك الزمن جيدا..كنا نحن لازلنا ندافع عن فلسيطن ونغني مع إمام ومارسيل وقعبور وسعيد والميادين وكنتَ أنتَ بإدراكك المبكر لقيمة الهوية قد سبقتنا الى معانقة هموم الهوية و اللغة الامازيغية وتيفيناغ بل وكتبت كُتبا وروايات، حملت هموم الريف و رجالاته وتراثه ، واحتلت الهوية الامازيغية في وعيك دائما قمة الهموم والأولويات والاهتمامات... في وقت كان فيه هؤلاء الذين يقللون اليوم من كفاءاتك لا يقوون حتى أن يصرحوا بانتمائهم الامازيغي ،بل وكانوا يمتنعون حتى عن التحدث بلغتهم الامازيغية و يخافون من كل شيء؛ بل و لم يكن أمامهم إلا أن يكونوا "عرب" ... وكانو!! علمتنا التجارب صديقي أن ما بين العاشق و المعشوق عهد لا ينفصم.. وأنت العاشق، والريف المعشوق...هذا الريف الذي تعشقه وكم كنا نحب أن نستذكره ونحن في "غربتنا" في فاس.... الريف الذي صورته كاميرتك اليوم وجابت به العالم.. وأنت تمر بمحطات ووقائع جعلتك أكثر نضجا وإدراكا لمكامن النجاح الحقيقية...و النجاح الحقيقي لا يموت عند أهل العزم والإرادة الراسخة. لذلك كم أحزنني صديقي كل ذاك النكران والجفاء الذي غلب على بعض النفوس،من الذين كفَّروا جميلك، حرقوا كل جهدك ومجهودك، نسوا كل إنجازاتك ، بل و رموك بكل انواع الحقد الدفين.. لكن كم أثلج صدري كلامك الأخير..خاصة في فقرته الاخيرة "يهمنا كثيرا كأبناء الريف تاريخ منطقتنا، وهذا يدفعنا إلى محاكاة ذلك في الفيلم بكل مصداقية مع الاحترام التام لحقيقة الأحداث التي وقعت... وهذا التاريخ لن نقبل بأن يزايد به علينا أحد". نعم صديقي " و...هذا التاريخ لن نقبل بأن يزايد به علينا أحد"...كفيت صديقي ووفيت حقيقة الحال وقلت ما كان يجب أن يقال... واعلمْ أنك أقرب من أي وقت مضى من بلوغ المجد رغما عن من يرون أن النجاح في يدهم وهم من يملكون زمامه و يصنفون الناجحين على حسب هواهم. أحيانًا صديقي، فقط بدافع حب الفضول أتساءل لماذا نتجاهل جهود الآخرين ؟ تُرى.. لماذا افتقدنا هذا الجانب ؟ أو بمعنى أصح : لماذا نقصر في هذا الواجب..؟ هي أسئلة وأخرى كثيرة تتداخل في عقلي اللحظة وتتضارب عندي الإجابات..لماذا افتقدنا روح الوفاء والاعتراف لأهل النجاح ؟ صحيح أن هؤلاء لا ينتظرون منا كلمة شكر،لأنهم مدركون تماما انه يتحتم على الذي يرى نفسه يعمل بجد ويجتهد ألا ينتظر الاعتراف من غيره بذلك، فالزمان والوقت كفيلان بإثبات حقيقة عملهم و إبداعاتهم وإنجازاتهم المتميزة، لكن أليس من واجبنا -على الأقل- أن نساند هؤلاء بدل محاكمتهم... وإن لم يكن واجب علينا، فعلى الاقل من باب الذوق المتعارف عليه. لكن هذا قدرنا صديقي ،تعودنا هناك في ريفنا العزيز أنه إذا صنع أحدا منا معروفًا أو اجتهد في عمل ما أن لا ينتظر المساندة او الشكر من أحد..!! آخر الرسالة ، لا خَوفٌ عَليكَ صديقي ولن تُراعي ، لقد عودتنا أن همتك تبقى دائمًا عالية، ونظرتك للأمورثاقبة، ونيتك خالصة، وعزيمتك صادقة، تحقق الإنجاز تلو الإنجاز، ولا تلتفت لأعداء النجاح . وما يجعلك ناجحا أكثر ، هو إدراكك لفكرة واحدة، فكرة أنه ما من شيء أبدا بوسعه أن يحطم مجهودك ويخفي أثاره، بل على النقيض فكلما حاول البعض منعك من الارتقاء في درجات النجاح إلا وصار نجاحك أكثر سطوعا وبروزا. قُلْ، "شكرا" لكل أولئك الذين لا يكفون عن محاولاتهم لإجهاض نجاحاتك وامضي ... امضي في عملك واستمر في تميزك غير آبهٍ لكل من يحاول عرقلة مشوارك ، فنجاحك أكبر من أن تلتفت لكل من يحاول النيل منه. -آخر الكلام ... اعتراف لابد منه... ذات مساء غير بعيد كنا `نفرح` ،فقط حين كنا نسمع كلمة اوحتى همسة بالامازيغية في عمل من الاعمال التي تعرض على الشاشة سواء منها الكبيرة او الصغيرة، وكان يغمرنا كذلك نفس الفرح وربما اكثر إن لمحنا ممثلا فيه شيئا من الانتماء الامازيغي قد تكون "ريحة الشحمة ف الشاقور".. كما يقولون بين الممثلين المغاربة/العرب...لنهمس بكل حروف الفخر والاعتزاز قصائد الافتخار و الانتماء! بل ولم يكن يخطر ببالنا يوما أن تكون لنا افلام وسينما وممثلين يمثلون في غير المسرح المدرسي و في غير دور الشباب وعلى قلتها وانعدامها! فما بالك في قدوم ممثلين من اولائك الذين كنا نفرح فقط لرؤيتهم، ليمثلوا في أعمال من صنعنا! بعد أن اصبحت لنا اليوم سينما وممثلين واعمال درامية تلفزية وهلم... لعلي لا أكون مبالغا لو قلت بيقين جازم أن الفضل الكبير فيما وصلنا اليه اليوم في الريف من بلوغ هذا الفن الثقافي التشاركي الشعبي وهذه الصناعة السينمائية التي ولدت متعسرة إلى أن ازدهرت ، يعود الى هذا الانسان الذي يحاول البعض اليوم عرقلة مسيرته وبعدد من الطرق ! ، و لا لشيء سوى أنه عانق حلما قالوا عنه أنه ليس بمقاسه وانه أكبر منه!. بدأ وحيدا بأعمال بسيطة وبإمكانات شبه منعدمة إن لم نقل منعدمة تماما نجح في محاولات وفشل في أخرى ،تحدى كل الظروف التي كانت في محطات كثيرة محبطة تماما ،حتى مكنه شغفه وتحديه وعدم إستسلامه من دخول عالم السينما من اوسع ابوابه فمن تلك البدايات المتعثرة انطلقت موجة سينمائية جديدة في الريف ، انطلاقة بدت أشبه بالثورة الفنية على العقود السابقة التي طمست خلالها الهوية والثقافة الامازيغية. ومنذ هذه البداية المتأخرة التي جاءت بعد قرون من اكتشاف شعوب العالم للسينما، وضع قلمه جانبا وشرع في استخدام اللغة البصرية وكأنه أراد تعويض ما فات من تأخير، فانهمك في ترجمة كل مهاراته وإبداعاته لأعمال درامية و سينمائية، معتمدا في ذلك في البداية على التراث الثري بقصص التاريخ والحب واللوعة والبطولة والشجاعة، فضلا عن حكايات المآسي والاضطهاد ...والحروب والبطولات ؛ فتحقق للدراما الامازيغية الريفية حضور لافت في السنوات الاخيرة . . عالج في اعماله مواضيع حياتية هامة بإمكانات إنتاجية شبه منعدمة. قدم أعمالا مثقلة بالهموم والهواجس التي كانت تشغل بال الريفيين. ورغم شحّ الإنتاج والإمكانات البسيطة فإن التعاون الذي كان يؤمن به مع فريق عمله كان يذلّل كل المصاعب بل وحقّقت بعض الاعمال وفي أول ظهور لها جوائز في فعاليات و أماكن كثيرة ... بعدها أتى تتويج بعض افلامه في المهرجانات والتى لم يكن الطريق إليها محفوفا بالورود، فقد عانى الكثير من أجل الوصول لهذه المكانة المحمودة.! و من لا يواكب حركة التًاريخ يبقى دائما على هامشه...واليوم هاهو يعطينا موعدا آخر مع التاريخ، لكن البعض منا فضل التخلف عن الحضور.. موعد نجلس فيه معا لا لكى نتفاخر ونتباهى ب "أنوال " و برحلة الكفاح الطويلة لمولاي موحند، ولكن لكى نتذكر وندرس ونعلم أولادنا وأحفادنا جيلا بعد جيل، قصة كفاح ومرارة هزيمة وآلام النصر وآماله، لكن البعض منا يحاول جاهدا نسف الموعد وبعثرة اوراقه!.. بل وبعث رسالة مشفرة غير بريئة لتوسيع دائرة الخلافات ، او ربما لخلق نوع من التأثير والفزع في ما تبقى من الصفوف. فهل نحن أمام تضييق وتقييد لإبداعاتنا وحريتنا ، أمام فتح لباب الابداع والحريات على مصراعيه أمامهم! نعم لا أحد منا ينكر انه تحدي كبير ومسؤولية اكبر أن تتعامل مع شخصية بهذا الحجم التاريخي... لكنني مؤمن بتحديه وقدراته وقناعاته وانه قادرا أن يقدم الفيلم بالصورة التى تليق برصد ملامح هذه الشخصية التاريخية وهذه الفترة الزمنية الخاصة... وأنه واعٍ جدا بمدى ضرورة احترام الوقائع والأحداث التاريخية التي وقعت بشكل دقيق. وأنا لم يقلقني كل هذا الجدل الواسع الذي أثاره فيلمه الاخير اياه (أنوال) والذي لا يزال قيد التصوير، مباشرة بعد الإعلان عن انطلاق تصوير أولى مشاهده وأسماء الممثلين المشاركين فيه، فهذا امر صحي وتخوف مشروع ،بل ما يحز بالخاطر اليوم أن ارى من يقلل من مهاراته ويشكك في قناعاته وتذهب بها الظنون كل مَذهب.. ولا أدري بالضبط ، لماذا يصر هؤلاء على امتلاك الريف دون غيرهم، بل واحتكار التصرف في كل ما له علاقة بالريف !؟