رفضت اللجنة المنظمة للمهرجان المتوسطي بالناظور الطلب الغير المباشر الذي تقدم به الشاب مصطفى الملقب ب ” خُونَّ ” ( الحاصل على دبلوم التشرد بتقدير إمتياز مع مَرتبة النّسْيان منذ سنة 1990م، وحاصل على الدكتوراة في الإعاقة الجسدية والذهنية من جامعة ” المعاناة الإنسانية ” بمدينة أزغنغان إقليمالناظور )، للمشاركة في إحياء حفل غنائي بطعم المأساة مع أحد الفنانين، كأمثال الشاب فضيل و الشاب ريان وجلال شقَارة أو مع أيا كان … ضمن ليالي المهرجان، ورغم المحاولات الحثيثة من الشاب مصطفى المعاق لإقناع اللجنة المنظمة، ولو بإحياء السهرة مجانا دون أي مقابل مالي سوى منحه فرصة التعبير عن آهاته وآلامه التي لحقته لعقود من الزمن، وإيصال صوته لمن تغاضو النظر عنه وعن أمثاله.. و ما أكثرهم في إقليمنا العزيز..! إلا أن اللجنة رفضت ذلك بشدة، والسبب هو تجاهل المهرجان لمثل هؤلاء المشردين من إسماع أصواتهم، و أولئك الفقراء والمحتاجين من إظهار معاناتهم ، وكل من ضاقت به الدنيا في ربوع هذا الإقليم من إسماع أنينه وصرخاته، في زمن قست فيه القلوب وتحجرت العيون ..! وأصبح النظر إلى سيماء العذاب في أجسادهم وإلى الوهن في وجوههم حالة عادية، فمنهم من يكاد يهلك جوعاً، و ثلثهم مشلول، والباقى يفرشون العراء، و رغم ذلك فالمهرجانات تتوالى وتتتابع..! وتمد أياديها للقاء العالم ” الناظور في لقاء العالم ” فيما لم تمد لتطعم تلك الأفواه الجائعة و تؤوي اليتامى والمشردين وتحن على المعوقين وتفك العزلة عن الضائقين.. و ما زاد العجينة بلة..! حين تحول إعلامنا من الزجاج الشفاف الذي كان يُكشف الآخر من خلفه، إلى زجاج المرآة المطلي بالفضة يحجب الرؤية، فلا يرى الناظر إليها إلا نفسه ( روحي يا روحي ) كحالنا اليوم، وخير دليل على هذا مايسوقه الإعلام اليوم للمهرجان ” أبو المبذرين ” بدعوى الإنفتاح على العالم، وإستقطاب السياح الأجانب والجالية مع عملتهم الوعرة ، و الإشعاع الفكري و الثقافي في دمج الغَايْطَة مع السَّانْتِي . في حين يتجاهلون أن شمال المغرب عموما والناظور بالأخص، يَعرف العالم ويعرفه العالم منذ قرون من فنيقيين و وندال و بزنطيين و رومان و كل العرب، وأما بخصوص أبنائه ممن هم من الجالية فكل موسم عليه يتوافدون لمآزرة أسرهم ماديا ومعنويا، و زيارة الٌأقارب والأحبة.. وحتى إن هم غابوا ظلت الوعرة ( التحويلات المالية ) زائرة أهاليهم الشهرية. وأما بخصوص الثقافة، فهي نائمة في الحضيض لن يوقضها لا مزمار ولا بندير، ما دمنا بعادات وتقاليد الغرب متشبثين ( المأكل والمشرب والملبس وإحياء الأعراس….والمهرجانات ). وهنا تستوقفني الواقعة الغير المشهورة، ومناي أن تصير مشهورة على صفحة ” أريفينو ” .. عندما ذهب المكتشفان ” ستانلي ” و ” كاميرون ” إلى إفريقيا الوسطى، شاهدا بحيرة مالحة راكدة، ليس لها جداول ولا تتجه إلى مصب، فلم يُلْقِ العالمان لها بالا، إذ كانت بلا فائدة حقيقية، لكن البحيرة لم تكن ساكنة حقا، فقد لاحظا أنها بدأت تمد ذراعا في قلب التربة، وأخذ هذا الذراع القصير يزحف ببطء، ويشق لنفسه طريقا طويلا، ولم يمض من الزمن سوى ثمانية عشر عاما حتى إتصلت البحيرة بنهر الكونجو وإندفقت فجأة في صورة مجرى من المياه المتدفقة، وألقت البحيرة من مدخراتها في النهر بسخاء شديد، لكن البحيرة لم تفتقر، بل حدث بعد ذلك العكس تماما، فقد تحولت إلى بحيرة عذبة نقية مليئة بالأسماك، محاطة بأسراب لا تحصى من الطيور الإفريقية الجميلة، فضلا عن أنها أصبحت مصدر خير للكثيرين من البشر. وهذا الذي حدث في حياة البحيرة الإفريقية ينطبق أيضا على حياة الناس، فالعطاء ليس إنقاصا للخير لكنه إستثمارا له. فلو ضربنا العدد 350 مليون سنتيم في 18 عاما لأعطتنا دارا للعجزة و دارا لليتيم و دارا للمعاق و دارا للمتشرد …. ومشفى للمريض… زد على ذلك ، تشغيل حملة الشهادات المعطلين ، وغيرهم من الحرفيين…و…و…وإلى أن يتحقق هذا، سيكون لزاما علينا تنظيم أكبر مهرجان متوسطي شعاره ” الناظور في لقاء مع أبنائه “.