ان الكيفية التي تدبر بها الدولة المغربية لبعض ملفاتها يتحكم فيها انحيازها الطبقي المكشوف لفئة صغيرة على حساب الغالبية التي تكتوي بنار استئساد مظاهر المحسوبية والريع.. مع سحقها لكل المبادرات التنموية المبنية الهادفة إلى خلق اقتصاد وطني يقطع مع الوصاية الأجنبية. لذا من الطبيعي جدا أن تحظى مثل هذه التدابير اللاوطنية في الجانب الاقتصادي بمعارضة واسعة حتى ولو كان صوتها مبعثر بسبب سوء تنظيمها أو غيابه بالمرة. لكن اللاطبيعي هو معاداة الوطن تحت عناوين ومبررات واهية، والتي لا علاقة لها بمعاداة الحكام أو معاداة سياستهم، لأن الوطن للجميع، وفوق الجميع، وبالتالي خيانته مدانة، كما انها منافية للعقل والمنطق والقانون...وفي هذا السياق استحضر الرد العميق للفقيد ابراهام السرفاتي حين استدعي من قبل الرئيس الجزائري الراحل بوتفليقة لزيارة الجزائر، أجاب: ان ذهبت فسيكون بالاتفاق مع الملك. ان جواب السرفاتي الحكيم يعد رسالة يقول في مغزاها أنه بالرغم من معاناته مع الاستبداد الذي زج به في المعتقلات السرية والعلانية، فهو لن يسمح لنفسه أن يكون ألعوبة في يد النظام الجزائري. أما فيما يتعلق بالعداء المفتعل بين المغرب والجزائر حول الصحراء كعنوان بارز لكنه مبهم! ويحتاج إلى تفتيته من خلال توضيح بعض الحقائق التالية: أولا، يخطىء الكثير من المهتمين بهذا المشكل المفتعل بين البلدين حين يتم التأريخ لبدايته مع حرب الرمال سنة 1963م أو مع المسيرة الخضراء 1975م، بدليل أن الفقيه محمد البصري المعروف بعلاقاته الوطيدة مع القادة الجزائريين بحكم اديولوجيتهم القومية المشتركة، قال في حوار مع جريدة الإتحاد الاشتراكي أن أول ظهور لهواري بومدين على شاشة التلفزيون الجزائري كان إبان إشرافه على محاكمة بعض العسكريين بتهمة التنسيق مع عبدالكريم الخطابي لقلب نظام الحكم، علما ان هذا الأخير هو من كلف الشهيد حدو أقشيش بتدريب آلاف من الجزائريين أثناء حرب التحرير، بل يعد أول من أطلق الرصاص في جبال الأوراس بالجزائر سنة 1954م رغم انتمائه إلى المغرب. لكن من سخرية القدر ان نهاية الأبطال غالبا ما تكون مأساوية، وهو منطق يسري على الشهيد حدو أقشيش الذي اغتالته ميليشيات حزب الاستقلال بالمغرب. فلم تشفع له بطولاته في مقاومة الاستعمار، مثله مثل أبطال الجزائر الذين اغتالتهم المؤسسة العسكرية الحاكمة وعلى رأسهم الشهيد كريم بلقاسم المشرف المباشر على الهيكلة والتأطير في جهة التحرير. نعم، حرب الرمال فعلت فعلتها في النفسية العسكرية حتى أصبحت اليوم عقدتهم، لكن هذه الحرب كانت وليدة لمخطط خارجي فرض على البلدين، فمن جهة فرنسا لغمت المنطقة بعدما تلاعبت بحدودها، ومن جهة أخرى مصر الناصرية الطامعة في توسيع نفوذها عبر ترسيخ اديولوجيتها القومية بالمنطقة. وبالعودة إلى قضية الصحراء التي تتخذها الجزائر مطية لمحاربة المغرب في المحافل الدولية، لابد من سرد حقائق تعري زيف اسطواناتها حول مناهضة الاستعمار، حقائق نخلصها فيما يلي: * لم يسبق قط أن ادانت الدولة الجزائرية استمرار احتلال اسبانيا لسبتة ومليلية والجزر الجعفرية. * لم يسجل التاريخ أن منحت الدولة الجزائرية الدعم المادي والمعنوي لسكان الصحراء إبان الاحتلال الاسباني. * لم تنل القضية الفلسطينية من الدولة الجزائرية ربع ما منحته وتمنحه من الأموال الطائلة لمرتزقة البوليزاريو. وقد يقول البعض أن الجزائر في مواقفها الدبلوماسية وفي ممتلكاتها، فذاك شأن سيادي يخصها، ولكن ما قولهم في حادث جزيرة ليلى المغربية الذي أقحمت فيه الجزائر نفسها حين اعتبرته اعتداء مغربي على اسبانيا! بل اتهمته بنهج سياسة توسعية استعمارية!. وما قولهم أيضا في واقعة إجرامية لم يشهد التاريخ نظيرا لها سوى مع الانظمة الدموية البائدة، ويتعلق الأمر بطرد زهاء 350 ألف نسمة من المغاربة المقيمين بالجزائر بعد تجريدهم من الممتلكات وحشرهم في زنازن تمس من الكرامة الإنسانية...وقد تم طردهم بلا مبرر قانوني سوى تهمة الإنتماء إلى بلد استرجع أرضه من المعمر الاسباني!. وعلى سبيل الختام، يتوجب علينا التمييز بين الشعب الجزائري الذي يتطلع إلى الانعتاق من خلال حراكه المبارك، وبين كمشة من العسكريين استحوذت على الحكم بالمؤامرات وتتلاعب بمصيره، وتبذر أمواله على قضايا مجانبة للصواب،علها تغير مجرى التاريخ وتنفلت من المحاسبة الشعبية التي لا مفر منها. واهم من يحاول زرع العداوة بين الشعبين الشقيقين، وواهم أيضا من يعتقد أن الحضارة تصنع بالحقد.