مغاربة أبهروا العالم عددهم بالمئات يحكمون مراكز القرار الدولي وأحدهم “فتح” كوكب المريخ وآخر اليد اليمنى لبان كي مون في الوقت الذي كانت البعثة المغربية تحصد الأصفار والهزائم وفضائح المنشطات في أولمبياد لندن التي عاد منها رياضيونا بخفي نحاسية يتيمة كلفت خزينة الدولة 13 مليار سنتيم، كان مغربي آخر، اسمه كمال الودغيري، يحبس أنفاس الأمريكيين والعالم، وهو يترأس فريقا من خيرة علماء وكالة ناسا الأمريكية لعلوم الفضاء أشرف على واحدة من أكبر وأهم الفتوحات الاستشكافية في تاريخ الإنسانية، حين تمكن من وضع أول عربة آلية على سطح المريخ، بعد أن كان أشرف، رفقة زميله الهولندي، على تتبع وتحديد مسارها الذي بلغ طوله 570 مليون كيلومتر. بعد نحاج المهمة، قال كمال الودغيري لإذاعة هولندا العالمية «لقد اعتبرنا الناس مجانين، قالوا إن الطريقة الجديدة لن تعمل، لذلك كانت الفرحة كبيرة عندما تبين أن عمل سنوات ثبت نجاحه». وأضاف الودغيري، الذي يترأس فريق الاتصالات العلمية في مختبر الدفع النفاث ومنسق عملية الهبوط، «إن الجزء الخطير قد تخطيناه. إذ لا يمكن التحكم بالسبع دقائق الأخيرة ما بين دخول الغلاف الجوي والهبوط، وإذا فتحت المظلة بتأخير واحد بالمائة من الثانية سيؤدي ذلك إلى فشل المهمة». وليس الودغيري وحده من يضبط حركاته ومهامه بالجزء من الثانية، هناك عدد بلا حصر من المغاربة والمغربيات الذي يبهرون العالم بكفاءاتهم العلمية وشهاداتهم وتجربتهم الميدانية وبحوثهم ودراساتهم في عدد من المجالات الحيوية، أهلتهم إلى الوصول إلى أعلى المناصب على المستوى الدولي، آخرهم جمال بنعمر، ابن الناظور، الذي عينه بان كي مون، الأمين العام للأمم المتحدة نائبا له قبل أيام، أو نابغة آخر اسمه المختار المرابط، من ريف عبد الكريم الخطابي نفسه، الذي سبق لمحمد البرادعي، المدير السابق للوكالة الدولية للطاقة الذرية، تعيينه، مديرا لتنسيق إدارات أمن وسلامة الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وهي أول ترقية تمنح لمواطن مغربي داخل هذه المؤسسة الدولية العريقة. في الجهة الأخرى من العالم، استطاع المغربي أحمد بوطالب، أن يصل، بمجهوده وعصاميته إلى عمودية مدينة روتردام، أكبر مدن هولندا، التي وصلها وعمره لا يتعدى خمس عشرة سنة رفقة سبعة من إخوته. أما جمال الدبوز وجاد المالح، فوحدهما، يستطيعان إضحاك فرنسا «الرزينة» حتى يظهر منها ضرس العقل. مغاربة بلا عدد أو حصر، لا تستطيع أجهزة الدولة تحديد أماكنهم بدقة ولا نوعية كفاءاتهم ومعارفهم الخلاقة التي تبهر العالم، بعضهم ولد ونشأ وتربى في بلاد المهجر، بأوربا وأمريكا، وآخرون فضلوا «الحريك» إلى بلاد الله الواسعة، بعد حصولهم على شهادات جامعية عالية في تخصصات مختلفة، بحثا عن بيئة تحتضن مواهبهم ومتنفس بعيدا عن أسباب الإحباط والاختناق. «لا يوجد قط يهرب من دار العرس»، كما يقول المثل، لكن بعض نوابغ المغرب ذاقوا مسلسلا من المحن، وعانوا كثيرا في بلدهم الأصل من أجل التفاتة من مسؤول، أو وزير في حكومة، أو مدير في مؤسسة عمومية، أو خاصة. وفي هذا الإطار، يحكي المخترع المغربي الشاب، عبد الله شقرون، صاحب 35 اختراعا في المجال العسكري والمدني، كيف ظل يدق أبواب وزراء الصناعة والتجارة لاقناعهم بجدوى الاستثمار في اختراعاته، يقول « ليس هناك التفاتة ولا احتضان بالمرة، لقد اتصلت بثلاثة وزارء للصناعة والتكنولوجيا، الأول والثاني قالا لي «اخرج إلى الخارج وستجد ما تريد».. والوزير الأخير الحالي، عبد القادر عمارة، قال لي «ليس عندي ما أقدمه لك.. والواجب الذي كنا سنقدمه لك من براءة الاختراع والبحث الدولي قد أديته وأكثر، وأخبرني أن كل ما يمكن أن يفعله اتجاه اختراعاتي هو تثمينها فقط». إن لامبالاة المسؤولين واستهتارهم، بهذا الشكل الذي عبر عنه الشاب شقرون بامتعاض، يساهمان في ارتفاع منسوب هجرة الأدمغة والعقول إلى الدول الأجنبية التي تعرف كيف تستفيد منها وتوظف كفاءاتها لتطوير مجالاتها حيوية، بل إن دولة تضع شروطا تحفيزية ومغرية للأطر والكفاءات العليا للمساهمة في عجلة البحث والعلمي والتنمية بمستوياتها المختلفة. وأفادت آخر دراسة صادرة عن إدارة السياسات السكانية والهجرة بالقطاع الاجتماعي في جامعة الدول العربية، أن هجرة الأدمغة المغربية توجد في الرتبة الثانية على الصعيد العربي متقدمة على مصر ولبنان. وكشفت الدراسة عن إحصائية تفصيلية لتوزيع ونسب هجرة الأدمغة والكفاءات العلمية للدول العربية، إذ جاء المغرب في الرتبة الثانية بعد الجزائر بأزيد من 207 آلاف شخص في حين بلغ العدد بالنسبة إلى الجزائر 215 ألفا. واحتلت مصر الرتبة الثالثة بأزيد من 147 ألف شخص، فلبنان ب 110 آلاف، والعراق ب 83 ألفا، وتونس ب 68 ألفا ثم سوريا ب43 ألف شخصا، وفي المرتبة الثامنة جاءت الأردن ب 26 ألف شخصا، ثم السودان بما يزيد عن 17 ألف شخصا. وحسب الدراسة، فإن هجرة الأدمغة العربية والكفاءات العلمية تتفوق على نظيرتها المهاجرة من الصين والهند إلى الخارج رغم الفارق الرهيب في عدد السكان في 21 دولة عربية، إذ لا يزيد عدد سكانها عن 340 مليون نسمة، بينما يصل عدد سكان الصين لوحدها إلى 1.4 مليار نسمة والهند إلى 1.1 مليار نسمة. وتشير عدة إحصائيات لمنظمات مهتمة بهذه الظاهرة إلى أن الوطن العربي يساهم ب31 في المائة من هجرة الكفاءات من الدول النامية، وأن 50 في المائة من الأطباء و23 في المائة من المهندسين و15 في المائة من العلماء من مجموع الكفاءات العربية يهاجرون متوجهين إلى أوربا والولايات المتحدة وكندا بوجه خاص. هجرة الكفاءات المغربية للعمل في الخارج أو ما يصطلح عليه نزيف الأدمغة، موضوع يثير قلقا واسعا في الأوساط المهتمة، رغم محاولة الحكومة اتخاذ إجراءات تحد من الظاهرة وضمنها تشجيع الاستثمار في ميدان البحث العلمي، وإنجاز حاضنات لمساعدة خريجي المعاهد العليا، وتقديم مساعدات مالية لانجاز المشاريع، إلا أن الاستراتيجية أظهرت قصورا واضحا في معالجة الأمر، لتظل الدول المتقدمة علميا تستفيد من خبرات المئات من المغاربة المتميزين عبر العالم. يوسف الساكت جمال بن عمر… كبير الدبلوماسيين المغاربة اليد اليمنى لبان كي مون ورجل المهمات الصعبة في العالم “إرحل بنفسك من أرض تضام بها… ولا تكن من فراق الأهل في حرق… من ذُلّ بين أهاليه ببلدته فالاغتراب له من أحسن الخلق… فالعنبر الخام روث في مواطنه وفي التغرب محمول على العنق…”، هذه الأبيات الشعرية للإمام الشافعي ربما كانت نبراسا لأشهر دبلوماسي مغربي حاليا على الساحة الدولة، أنارت طريقه وألهمته الفرار من جحيم وطن ضاق بأبنائه فأذاقهم كل أشكال التعذيب والإذلال والمهانة وأغلق في أوجههم جل منافذ الحياة الكريمة. من كان يظن أن شقاء بن عمر وعذاباته في سجون الحسن الثاني ستتحول إلى شهرة ومجد مقيمين في أروقة الأممالمتحدة؟ ربما هو وحده وأستاذه الفرنسي الذي توسط له عند الحسن الثاني لإطلاق سراحه، وبعض من رفاقه على درب النضال في صفوف اليسار السبعيني من آمنوا بأن للرجل مستقبلا مشرقا ينتظره داخل المنظمات العالمية المعنية بالدفاع عن حقوق الإنسان وداخل أكبر منظمة أممية… لكنه نجح في أن يبلغ مدارج الشهرة والوجاهة العالميتين دون حاجة إلى قرابة عائلية أو مصاهرة أو ولاء وطاعة كاذبين. جمال بن عمر ثاني رجل اليوم في هرم الأممالمتحدة واحد من الذين لفظهم الوطن يوم كانت نيران سنوات الرصاص والجمر تأتي على الأخضر فيه قبل اليابس. ولد بالناظور سنة 1957، وانتقل لمتابعة دراسته الثانوية بالحمامة البيضاءتطوان. لم يكد ينهي المرحلة الثانوية بالمدينة الشمالية الساحرة حتى وجد نفسه مقتادا إلى مخافر الشرطة بالمدينة ومنها إلى المعتقل سيئ الذكر “درب مولاي الشريف” بالحي المحمدي بالبيضاء سنة 1976. كانت جريرة هذا التنقيل التعسفي من شمال المملكة إلى وسطها نشاطه وتعاطفه مع قوى ورموز اليسار، خاصة منظمة “إلى الأمام”… بهذا المعتقل سيفتح عينيه على الوجه القبيح لوطن ارتضى القائمون عليه أن يبطشوا بكل من فكر في أن يرفع عقيرته بالدفاع عن حقوقه وحقوق المستضعفين وأن يسائل مشروعية سياسات نظام الحكم القائم. بعد أشواط وجلسات التعذيب والتنكيل بأقبية درب مولاي الشريف سينتقل بن عمر رفقة عدد آخر من مناضلي اليسار إلى السجن المركزي بالقنيطرة لقضاء عقوبتهم السجنية. من هنا سيبدأ مشواره المليء بالتحصيل والكد. فمن داخل زنازين سجن القنيطرة سيحصل على شهادة الباكلوريا وبعدها شهادة الإجازة في الحقوق. لم يكتف بذلك، بل إن عزيمته وقوة شكيمته دفعتاه إلى الشروع في تحضير رسالة ماجيستير في الحقوق… عن طريق المراسلة بإحدى الجامعات الفرنسية. وهنا بدأ يلوح في أفق كربته شعاع أمل. فرسالة الماجيستير لم يكن يشرف عليها شخص آخر غير ميشيل روسي، الأستاذ الجامعي والفقيه الدستوري الذي ساهم في كتابة دستور الحسن الثاني لسنة 1996، الذي اشترط مقابل حضور لقاء مع الحسن الثاني خلال إحدى زياراته إلى فرنسا تلبية طلب لإطلاق سراح بن عمر. كان له ما أراد فأطلق سراح بن عمر سنة 1983. جمع أغراضه وكتبه من داخل زنزانة سجن القنيطرة وقصد الرباط، حيث مكث ببيت رفيقه في النضال وابن منطقته لحبيب بلكوش. عام وهو يطرق الأبواب بحثا عمن يساعده في استخراج جواز سفر.. من دون جدوى. طرق باب محمد بن عيسى المنتمي إلى حزب الأحرار والمقرب من رئيس الحزب آنذاك ووزير الدولة أحمد عصمان فوعده خيرا لم يُر له أثر إلى اليوم. قصد أيضا باب الاتحادي عبد الواحد الراضي، الذي اشترط عليه الالتحاق بحزب الوردة قبل أن يبحث له إمكانية استصدار جواز سفر.. لكنه رفض أسلوب المساومة هذا، فتوجه إلى باب “الزايغ” المحجوبي أحرضان.. من دون نتيجة كذلك. غمره شعور بالخيبة واليأس قرر معه أن يغادر هذه البلاد ولو سباحة. توجه إلى مدينة تطوان ليبدأ الاستعداد إلى مغامرة الهجرة السرية “الحريك”، لكن من سوء حظه أن وصوله إليها تزامن مع اندلاع أحدث الريف سنة 1984. اعتقل مرة أخرى عانى خلالها كل أشكال العذاب والألم. عشرة أيام من الاعتقال كانت كافية ليكفر وإلى الأبد بوطنه الأم. مباشرة بعد الإفراج عنه شرع في التنسيق مع بعض النشطاء الحقوقيين لمغادرة التراب الوطني. “حرك” إلى إسبانيا وهناك تكفل به فرع منظمة العفو الدولية، ومن هناك انتقل إلى فرعها بلندن حيث التحق بأطقمها العاملة على فضح خروقات حقوق الإنسان حول العالم. بلوغه منصب نائب الفرع تزامن مع زيارة قام بها الحسن الثاني إلى العاصمة البريطانية لندن سنة 1986. لم يجد بن عمر، ومعه فرع العفو الدولية، ما يستقبلون به ملك المغرب خيرا من وقفة احتجاجية تستنكر “استقبال دكتاتور خلف وراءه سجونا ومعتقلات عامرة بالسجناء السياسيين ومعتقلي الرأي”. سيتواصل مسلسل ارتقاء هذا الريفي داخل هياكل المنظمات الدولية. بعد لندن سيلتحق بمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة بجنيف. وهناك أيضا سيكون على موعد كبير مع التاريخ ليفضح خلاله واقع الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان بوطنه الأم. سنة 1995 سيتوجه وفد مغربي رفيع إلى الاجتماع السنوي للمجلس المذكور للدفاع عن سجل البلاد في حقوق الإنسان. لم يكن على رأس هذا الوفد سوى قدور اليوسفي أشهر جلادي درب مولاي الشريف، والذي كان لبن عمر نصيب من سياطه. كانت فضيحة كبيرة للوفد المغربي الذي عاد خائبا دون تقديم سجله أمام المجلس الأممي وحرم أيضا من امتياز فتح مركز لحقوق الإنسان تابع لمجلس حقوق الإنسان بجنيف. مسار طويل تقلب خلاله جمال بن عمر، المتزوج من أمريكية له معها أربعة أبناء، بين عدة مناصب داخل الأممالمتحدة، التي عمل موفدا خاصا لأمنائها إلى العراق وأفغانستان والبوسنة وكوسوفو وجنوب إفريقيا… فضلا عن عمله مستشارا للرئيس الأمريكي الأسبق جيمي كارتر في المعهد الذي يحمل اسمه، وبعدها مبعوثا خاصا لبان كي مون إلى اليمن للتوسط في حل الأزمة (سنة 2011) هناك. وتوج هذا المسار بتعيينه، في فاتح غشت الجاري، نائبا للأمين العام للأمم المتحدة مكلفا بالملف اليمني. كما عمل مستشارا لأكثر من 30 بلدا حول العالم في ما يتعلق بملفات حقوق الإنسان والحكامة وتعزيز السلم وحل النزاعات. محمد أرحمني نجاة بلقاسم… ناطقة باسم فرنسا لم يكن تعيين المغربية نجاة بلقاسم، مفاجأة لوسائل الإعلام والمراقبين السياسيين الذي رشحوا الناطقة باسم فرانسوا هولاند الرئيس المنتخب، خلال حملته الانتخابية. ومنح الوافد الجديد للإيليزيه حقيبة وزارة حقوق المرأة، الناطقة الرسمية باسم الحكومة الفرنسية، لنجاة فالو بلقاسم التي ازدادت في 1977 ببني شيكر قرب الناظور. وهاجرت نجاة بلقاسم٬ إلى فرنسا لتلتحق وعمرها لا يتجاوز أربع سنوات رفقة والدتها وشقيقتها الكبرى٬ بوالدها الذي كان مهاجرا يعمل في فرنسا، وحصلت على الجنسية الفرنسية وعمرها18 سنة. ويشكل المسار الذي سلكته بلقاسم ، نموذجا للارتقاء الاجتماعي، إذ كان والدها عاملا في أحد المصانع في منطقة البيكاردي شمال فرنسا. ومالت نجاة، التي نشأت في وسط فقير بأحياء الضواحي، إلى اليسار في السنوات الأولى من شبابها، قبل أن تنخرط في صفوف الحزب الاشتراكي الفرنسي بعد الزلزال السياسي الذي عرفته فرنسا في 21 أبريل 2002 وهزيمة مرشح الحزب الاشتراكي ليونيل جوسبان في الدورة الأولى. وكانت بلقاسم تنوي الترشح في الانتخابات التشريعية المقبلة في مدينة ليون، إلا أنها أعلنت تراجعها “من أجل التفرغ لمهمتها الوزارية”. وكانت المقربة من سيغولين رويال انهزمت في المدينة ذاتها في 2007 أمام مرشح حزب الاتحاد من أجل حركة شعبية دومينيك بيربان الموالي لنيكولا ساركوزي الذي خسر الانتخابات الرئاسية. وفي سياق متصل أعلن الوزير الأول جون مارك آيرو، ليلة تنصيبه، أن الوزير الذي سيخسر الانتخابات التشريعية “سيترك الحكومة فورا”. وإلى غاية دجنبر 2011، كانت ابنة بني شيكر٬ عضوا في مجلس الجالية المغربية بالخارج٬ وهي المهمة التي كانت محل انتقادات شديدة خلال الحملة الانتخابية من قبل منتخبة يمينية اتهمتها بالدفاع عن الهوية المغربية٬ في الوقت الذي عارضت فيه شعار الهوية الوطنية الذي رفعه كل من اليمين٬ واليمين المتطرف. ويعد تعيين بلقاسم٬ المتزوجة وأم لتوأم يبلغ عمره ثلاث سنوات، دليلا على “التنوع” بفرنسا٬ وتتويجا لمسارها المزدوج في النضال من أجل المساواة في الحقوق والفرص٬ وتخصصها في مجال وسائل الإعلام. ووصفت وسائل الإعلام الحكومة الجديدة ب”الحكومة نصف النسوية” وتحدثت عن “الوجه المغربي الرقيق الملامح لنجاة فالو بلقاسم” الذي سيمثل حكومة فرانسوا هولاند لدى وسائل الإعلام وينطق باسمها”. وحققت النساء اختراقهن الأكبر في مؤسسات الجمهورية الفرنسية منذ الحرب العالمية الثانية، وكان يجب انتظار دخول فرانسوا هولاند رئيسا إلى الإليزيه لكي يشكل جان مارك آيرو، رئيس وزرائه، حكومته الأولى مناصفة بين الرجال والنساء. جمال الخنوسي بوطالب…”الهولندي” الأول “اللي معجبوش الحال يهز الباليزا ديالو ويرجع فحالو لبلادو»، هكذا صرخ أحمد بوطالب، يوما، في جمع من المغاربة المهاجرين إلى هولندا، بعد تنامي موجات التطرف والإرهاب ضد المسلمين والإسلام، بعد أحداث 11 شتنبر 2001، قال ذلك وهو يعرف أنه لا يستطيع أن يتحرك بحرية دون حماية أمنية مشددة بعد إدراج اسمه في لائحة الموت، منذ مقتل المخرج السينمائي «فان غوخ». كان ابن بني سيدل بالناظور يعرف أن الهدوء والحكمة ورباطة الجأش والثقة في النفس مفاتيح أساسية للاندماج في المجتمعات الأوربية التي لن تشف بعد من مرض اسمه «الإسلاموفوبيا»، وبهذه المفاتيح استطاع بوطالب (48 سنة) امتلاك قلوب الهولنديين الذين منحوه أصواتهم، نهاية 2010، خلال انتخاب عمدة روتردام أكبر المدن الهولندية، أمام أزيد من 27 مترشحا، متقدما على منافسه السرش خيرت لير، العمدة الحالي لمدينة ماستريخت. وصل بوطالب إلى هولندا مع والدته وإخوته، في سن مبكرة، قادما من منطقة في الريف المغربي، للالتحاق بالأب الذي كان يعمل في هولندا. وبعد أن انتهى أحمد من دراسة الهندسة الالكترونية عمل فترة من الوقت مراسلا للإذاعة والتلفزيون، ثم متحدثا صحافيا باسم وزيرة الثقافة. سنة 1998، بدأ اسم بوطالب يظهر إلى العلن أكثر من خلال توليه منصب مدير معهد تطوير التعددية الثقافية «فوروم». وشارك في العديد من الندوات التلفزيونية عقب أحداث شتنبر 2001 في أمريكا، وهاجم التطرف واعتبر أن الانعزال الاجتماعي هو المسؤول عن التطرف وليس الدين. سنة 2004، اختير بوطالب مساعدا لعمدة امستردام العاصمة ومسؤولا عن ملفات التعليم والشباب والعمل. وظل في هذا المنصب حتى وقع عليه الاختيار لشغل المنصب الوزاري. وزادت شهرته عقب الحادث الشهير الذي شهدته امستردام في مطلع نونبر من السنة نفسها، وهو حادث مقتل المخرج الهولندي ثيو فان غوخ على يد أصولي هولندي من أصل مغربي يدعى محمد بويري. وكان لبوطالب دور كبير في الحفاظ على الاستقرار والهدوء في المدينة بين المسلمين والهولنديين. وفي اليوم التالي للحادث، ألقى بوطالب خطبة شهيرة في المسجد الكبير، ودعا فيها المسلمين الى الوقوف في وجه المتطرفين، ودعاهم إلى الدفاع عن قيم المجتمع الهولندي، ومنها حرية التعبير، وحرية العقيدة، ومبدأ المساواة. ابن الريف لم تنل منه حياة الأضواء والشهرة في أوربا، بل ظل متمسكا بجذوره المغربية، ووفيا لحياته العائلية، العائلة المتكونة من أربعة أبناء (طالبان جامعيان وابنتان صغيرتان)، وحتى لحظة فوزه بمنصب العمدة استقبلها بأعصاب هادئة عكادته. ويروي بوطالب في أحد حواراته أن زميلا له في الحزب كان معه حين وصل خبر اختياره لمنصب عمدة روتردام سأله: «لا أراك فرحا». فأجابه «الفرح في القلب»، مضيفا «لكني كنت أشعر بثقل المسؤولية وأفكر فيها ونسيت أن أفرح. قبل أن أرشح نفسي لهذا المنصب استشرت عائلتي، تحدثت مع أبنائي ومع أبي وأمي. قالوا بعد تردد: نحن معك، نحن وراءك، نحن أمامك ونحن إلى جانبك. قال لي أبي الذي يبلغ من العمر الآن 73 عاما: أدعو لك كل صباح، وهو يقرأ القرآن صباحا ومساء». واستقبلت أوساط المهاجرين على وجه العموم وخاصة المغاربة والمسلمون، بارتياح قرار تعيين بوطالب، كما رحبت به أحزاب اليسار الهولندي وعلى رأسها حزب العمل، الشريك الثاني في الائتلاف الحاكم، لكن أحزاب اليمين في المدينة التي يتعايش فيها أكثر من 160 مجموعة إثنية، انتقدت تعيين بوطالب الذي ينتمي إلى حزب العمل، لأنه يحمل الجنسيتين المغربية والهولندية، ويسكن في العاصمة امستردام. ووصف رئيس «حزب ليفبار روتردام» اليميني، بوطالب بأنه «قناص المناصب». هذا هو أحمد بوطالب الذي مازال يمتطي الدراجة التي يركبها مساء كل سبت، الدراجة نفسها التي حصل عليها هدية من زملائه في بلدية أمستردام أثناء حفل الوداع الذي أقيم له. ي. س