أحمد جزولي تعتبر ممارسة الحريات مسألة جوهرية في دولة الحق والقانون وفق ما تضمنه مجموع المواثيق الدولية لحقوق الإنسان وخصوصا العهد الدولي للحقوق الإقتصادية والإجتماعية والثقافية ، والعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية ، اللذان صدقهما المغرب يوم 3 ماي 1979. بعد مرور 33 سنة عن تصديق الإتفاقيتين، السؤال الأكبر ليس الإقرار المبدئي للحقوق، ولكن كيفية ضمانها من طرف الدولة وطريقة ممارستها من طرف المواطنين. وهذا ما يجعل الحقوق مضمونة أو غير ذلك. في مغرب مر عبر سنوات الرصاص ويعيش انتقالا ديمقراطيا متموجا محكوما بالضبط الأمني، وإتاحة ممارسة بعض الحريات بمقاس، لم تتمكن الدولة من الحسم في تصور ملموس حول عدة حقوق أساسية ومنها الحق في التظاهر. بالرغم من التصور القانوني المتقدم نسبيا (مقارنة بالسابق) الذي جاءت به تعديلات ظهائر الحريات العامة سنة 2002، كانت الإدارة الترابية عاجزة عن مسايرة التطورات التي جاء بها القانون، وكثيرا ما رأينا تدخلات عنيفة لتفريق محتجين وبأشكال بدائية من قبيل استعمل الضرب المبرح، وكأن المعتدى عليهم ليسوا مواطنين، وأحيانا يتم التعامل معهم وكأنهم ليسوا بشرا. وهذا مسيئ للسلطة، قبل أن يكون مسيئا للضحايا. إن الإقرار بالمواطنة للمواطنات والمواطنين يتطلب سلوكا مختلفا مع الفرد حتى لما يخرق القانون، وذلك باعتماد إجراءات يجب أن تكون قانونية، ومعروفة لدى الرأي العام والمسؤولين عن إنفاذ القانون (شرطة، درك، قوات مساعدة ...). ووفق نفس القوانين تتم المحاسبة على الخروقات بالنسبة للمكلفين بإنفاذ القانون، وأيضا بالنسبة لمن لا يمتثلون لنفس الإجراءات من طرف المحتجين. يبيح ظهير 1.58.377 بشأن التجمعات العمومية التظاهر بالطرق العمومية للهيئات المنظمة وفق القانون لاغير، ويقر بعض الإجراءات قبل تفريق المتظاهرين من طرف القوات العمومية (استعمال مكبر الصوت لتأكيد لاقانونية الحدث وتلاوة العقوبات ...) دون إقرار طريقة التفريق .. هذا النص لا يؤطر حق المواطنين غير المنظمين في ممارسة الإحتجاج بالطريق العمومي، في حين أن كل ما نراه هي هذه الإحتجاجات، والتي تفرق عادة بعنف وتخلف أثرا سيئا في ذهنية المشاركين فيها والمتابعين لها، وصورة سلبية للدولة على المستويين الوطني والدولي. تحدي اليوم، هو كيفية ضمان حق المواطنين في التظاهر، وإقرار طرق إنسانية لتفريق المتظاهرين عند الضرورة، والبدء في مشروع كبير للتربية على تدبير الإحتجاج، خصوصا بالنسبة للمكلفين بإنفاذ القانون، دون تجاهل ضرورة خلق ثقافة للإحتجاج الحضاري وإشاعتها وسط المواطنين. والأهم أن يتم الإشراك الواسع للمجتمع المدني وكل النشطاء في تطوير أية تعديلات لهذه القوانين والإجراءات. من المؤسف أنه وقع نوع من التطبيع لدى الرأي العام مع وضع غير طبيعي، وهذه هي النتيجة المباشرة لقوانين لا تتجاوب مع ما يفرضه الواقع من إشكالات. وليس كافيا أن يتم التأكيد من طرف مسؤولي الأمس واليوم على العبارة الشهيرة القائلة ب"حق المواطنين في التظاهر لكن في إطار احترام القانون"، لأنها عبارة بدون معنى في غياب الإجراءات التي تضمن لطرفي المعادلة ممارسة منسجمة مع القانون، وفي غياب تحصيل نوع من الإجماع الشعبي حولها لأنها تهم كل المواطنات والمواطنين. إن التطورات الإجابية التي يعرفها المجتمع المغربي على أكثر من صعيد، لا يجب أن تتجاهل تطوير ممارسة الحريات وأيضا تطوير تطبيق القانون بطرق حضارية تضمن حتى لمن يخرق القانون كرامته واحترامه كمواطن، لأن المواطنة لا تسقط تلقائيا بخرق الفرد للقانون مهما كانت درجة هذا الخرق، علما أن القضاء وحده هو من يجب أن تكون له الكلمة الفصل في تأكيد خرق القانون من عدمه، وليس السلطة الإدارية. يجب الإقرار أن حكومات ما بعد 1998 فشلت في حل هذه المشكلة المستعصية، ولم يدخل قمع المحتجين وتفريق المظاهرات بطرق لا إنسانية إلى أرشيف مغرب الحاضر، أو لنقل مغرب ما بعد هيئة الإنصاف والمصالحة. فهل تستطيع الحكومة الحالية إبداع الحل الملموس لمشكل قائم؟ تظاهرات الشوارع بشقيها الفوضوي حينا وقمعها الدموي أحيانا، تجعل من الحرية كائنا مشردا في الشارع العام، ربما مثل أطفال الشوارع، أي أن تكون ظاهرة تستحق التعامل معها ببعد نظر حقوقي أولا وأخيرا، لضمان حرية التظاهر بكرامة وحرية وتأكيد مفهوم الدولة القائمة على الحق والقانون، أي الدولة المسؤولة.