عبر جلالة الملك محمد السادس، يوم الأربعاء الماضي في خطابه السامي بمناسبة الذكرىال 44 للمسيرة الخضراء عن أسفه لكون "البعض" لا يتعامل بجدية مع التحديات "الكثيرة والمعقدة" التي تواجه منطقة المغرب العربي. وقال جلالته إن "حرصنا على تحقيق تنمية متوازنة ومنصفة بكل جهات المملكة، لا يعادله إلا التزامنا بإقامة علاقات سليمة وقوية مع الدول المغاربية الشقيقة"، مؤكدا أن "الوضع الحالي بالمنطقة وبالفضاء المتوسطي يسائلنا جميعا، ويدعونا للتحرك الإيجابي، نظرا لما يحمله من فرص وتحديات". وأوضح جلالة الملك أن الشباب المغاربي يطالب بفضاء منفتح للتواصل والتبادل، مضيفا أن قطاع الأعمال، من جهته، يطالب بتوفير الظروف للنهوض بالتنمية، مشيرا إلى أن الشركاء، وخاصة الأوروبيين، يحتاجون إلى شريك فعال، فيما "ينتظر الإخوة الأفارقة جنوب الصحراء مساهمة بلداننا في البرامج والتحديات الكبرى للقارة". الخبير في العلاقات الدولي والأستاذ بمعهد الدراسات الافريقية بالرباط، الموساوي العجلاوي اعتبر أن الخطاب الملكي تحدث عن المجال الجغرافي لاتحاد المغرب العربي، على أساس أنه مجال يدعو إلى التفكير في إعادة إحيائه وإعطائه دينامية جديدة، لسببين.'' أولا، يوضح العجلاوي، " لأن هذا الإتحاد يعتبر جزء من العالم العربي. وفي هذا الصدد، عبر جلالة الملك عن أمله في أن يشارك اتحاد المغربي العربي في بناء النظام العربي الجديد. أي أن حضور هذا المجال الجغرافي على مستوى الجيوسياسي العربي أصبح معطلا. وهذه إشارة أكد عليها جلالة الملك في عدد من خطبه، خاصة خطاب الذكرى 43 للمسيرة الخضراء سنة 2018، حين طالب بآلية لفتح الحوار بين المغرب والجزائر. وفي خطاب أمس، أكد جلالته على السبب الذي يكمن وراء حالة الجمود التي يعرفها الإتحاد." ثانيا، يضيف العجلاوي، " فإن الشباب المغاربية يريد مجالا منفتحا دون حواجز، ثم هناك رجال اقتصادي يريدون فرصا إقليمية جديدة، تفتح لهم الآفاق حتى على الصعيد الإفريقي. بل إن جلالة الملك أشار إلى أن القارة الإفريقية تحتاج إلى هذا الإندماج الإقليمي في المغرب العربي من أجل بناء إفريقيا المستقبل. وبالتالي، فإن المجال الجغرافي للمغرب الكبير له أهميته على مستوى العالم العربي وعلى مستوى القارة الإفريقية." واعتبر العجلاوي، في تصريح خاص لموقع القناة الثانية، أن مسألة الإندماج المغاربي تعتبر هي الأقل من نوعها في العالم، وليس في إفريقيا لوحدها، مردفا أنه لا يجب ننسى أننا كمغاربيين، أنه "حين نتحاور مع الإتحاد الأوروبي، نتحاور كدول منفردة. ولو كان الحوار على كهيئة إقليمية، لحققت كل الدول المغاربية مكاسب كبيرة." لكن السؤال المطروح هو هل كل دول المغرب العربي مستعدة للعب هذا الدور. العجلاوي قال إن خطاب جلالة الملك أجاب عن هذا السؤال، مشيرا إلى أن "بعض الدول المغاربية لا تأخذ فكرة الإندماج الإقليمي على محمل الجد"، وهي إشارة ضمنية، وفق العجلاوي، إلى الجزائر، التي ترفض إلى حد الساعة تجاوز الخلافات من أجب بناء اتحاد مغاربي قوي من شأنه أن يعود بالنفع على دول المنطقة والقارة الإفريقية أيضا. وأشار العجلاوي إلى أنه بهذا الرفض، فإن الجزائر تضيع على الدول المغاربية فرصة الريادة الإقليمية. من جانبه، قال عبد الفتاح البلعمشي، رئيس المركز المغربي للدبلوماسية الموازية وحوار الحضارات، إن صاحب الجلالة الملك محمد السادس قدم في الخطاب السامي الذي وجهه، يوم الأربعاء، "قراءته الجيو-سياسية كي تكون المنطقة المغاربية شريكا دوليا فعالا، بالنظر إلى الإشكالات التي تعرقل هذا المسعى، دون إغفال الالتزامات الوطنية الصرفة في بلوغ هذا الهدف". وأكد البلعمشي، وهو أيضا أستاذ القانون العام بجامعة القاضي عياض بمراكش، في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء، أن الخطاب الملكي ينطوي على بعد استراتيجي قدم من خلاله جلالته تشخيصا دقيقا للاحتياجات والمتطلبات التي ينادي بها الشباب المغاربي لخلق فضاء للحوار. وأضاف أن الخطاب الملكي السامي "عرج، أيضا، على البعد المتوسطي والشركاء الأوروبيين الذين يتطلعون إلى شركاء فعالين في شمال إفريقيا". وقال البلعمشي، في هذا الصدد، إن جلالة الملك استحضر، أيضا، البعد الإفريقي، الذي يجعل المغرب ضمن الدول الداعية إلى موقع تفاوضي على المستوى الدولي بمجهوده الذاتي الذي عبر عنه جلالته انطلاقا من حصيلة الشراكات التي تعدت ألف اتفاقية، وأخذا بعين الاعتبار أن الاتحاد المغاربي أصبح ضرورة لبناء نظام عربي إقليمي جديد. وسجل البلعمشي أن هذه الرؤية الاستراتيجية هي تحصيل حاصل لمستقبل المنطقة، بناء على المعطيات والمؤشرات العلمية والواقعية، والتي لم يستثن منها جلالة الملك الرهانات المرتبطة بالمغرب، والتي يمكن حصرها، من خلال الخطاب الملكي، في دعم التنمية بمنطقة سوس-ماسة، التي اعتبرها جلالته المجال الذي يتوسط المملكة من الشمال إلى الجنوب، والتي تحتاج إلى تنمية وبنية تحتية قادرة على ربط شمال المملكة بجنوبها.