تزامناً مع تخليد اليوم العالمي للفلسفة، تقف مجموعة من الفعاليات المهتمة بالشأن الفلسفي عند واقع تدريس الفلسفة بمنظومة التعليم الوطنية، من خلال مساءلة أدوار وأهداف اعتماد هذه المادة والمشاكل والعراقيل التي تواجه الدرس الفلسفي بالمؤسسات التعليمية. في هذا الصدد، حاور موقع القناة الثانية، رضوان ايت اعزى، باحث في الفلسفة وعضو مكتب الجمعية المغربية لمدرسي الفلسفة الصخيراتتمارة، ضمن فقرة "ثلاثة أسئلة"، للحديث عن تقييمه الشخصي لواقع تدريس هذه المادة والإشكالات والعراقيل التي تواجه مدرّسيها. نص الحوار: كيف تقيّمون واقع تدريس مادة الفلسفة اليوم بمنظومة التعليم الوطنية؟ الجميع اليوم يقر بأن تدريس الفلسفة مر من مخاض عسير، وكان تدريسها موضوع تجاذبات وصراعات بين مختلف القوى المجتمعية الحية تجاذبات بين الحداثيين المدافعين عن عند النمط من التفكير العقلاني والنقدي.. وبين المحافظين من المتخوفين والمتوجسين من الفلسفة. إن أشكال هذا الصراع تجلت على سبيل المثال لا الحصر في، مواجهتما تارة بالفكر الإسلامي وثارة أخرى بالتربية الإسلامية.... لكن من المؤكد كذلك أن العناية بهذا النمط من التفكير النقدي العقلاني والحر وتثمينه وبالتالي العناية بوضعية تدريس الفلسفة كانت من أولويات الإصلاحات التي باشرتها الدولة وخصوصا تلك التي جاء بها الميثاق الوطني للتربية والتكوين ومن بين أهم المكتسبات نذكر: فتح الفلسفة في السنوات الثلاثة من سلك الثانوي التأهيلي وتعميمها بين جميع الشعب. فتح الفلسفة في وجه الطلبة في الجامعات الجديدة وعدم اقتصار تدريسها على جامعتي الرباط وفاس. الانتقال من بيداغوجية الغايات والأهداف إلى بيداغوجية التدريس بالكفايات إصلاح منهاج الدرس الفلسفي التدريس بالمجزوءة وبالمفاهيم (عوض الموضوعات.) تحرير الكتاب المدرسي.. وهو ما يجعل المهتمين وضعية تدريس الفلسفة يمجدون التجربة المغربية مقاربة مع بلدان مغاربية أو عربية أخرى. بالعودة إلى منهاج الفلسفة نجده يقر منها الفلسفة على أن هذه الآخيرة مادة مدرسية متفاعلة مع بقية المواد المدرسية المقررة في التعليم الثانوي التأهيلي، ومتكاملة معها فكريا ومنهجيا وثقافيا، وأنها تساعد التلميذ على، تكوين نظرة متكاملة للمعارف والآراء التي يتلقونها، ممارسة التفكير النقدي الحر والمستقل والمسؤول، التشبع بقيم: التسامح، المساواة، النزاهة، السلم، المواطنة، الكونية ما هي أبرز التحديات والعراقيل التي، من وجهة نظركم، تؤثّر على قوة حضور تدريس هذه المادة والاهتمام بها؟ السؤال حول وضعية تدريس الفلسفة اليوم لا يستقيم خارج الوضعية العامة للمنظومة التربوية ككل والجميع يؤكد على أن واقع هذا الأخيرة ليس بصحة جيدة... ونفس الأمر يكاد ينطبق على وضعية تدريس الفلسفة. فبالرغم من جملة الإصلاحات والمكتسبات التي حققها تدريس الفلسفة بالمغرب إلا أنها ما تزال تتخبط في العديد من الاختلالات والمشكلات ... وإن كانت لم تعد مرتبطة بسؤال مشروعية وجدوى تدريسها وإنما تتعلق أساسيا بالتنميط والابتدال الذي باث يعيشه الدرس الفلسفي بإجماع مختلف المهتمين من مدرسين.... والابتعاد التدريجي عن مهمتها الأساسية وعن ماهيتها باعتبارها نمطا من التفكير النقدي الذي يسائل المسلمات والبداهات ويضعها موضع شك ونقد... وباعتبارها كذلك، "الفلسفة" داعية إلى التزام روح المبادرة والحرية والمسؤولية والعقلانية.... وغيرها من القيم الإنسانية الكونية... إن الاهتمام المتزايد بالجانب البيداغوجي للدرس الفلسفي (خصوصا بالنسبة للسنة الثانية باكالوريا) جعل هذا الأخير سجين أنماط وقوالب جاهزة للكتابة الإنشائية وبالتالي الانزياح عن جوهر وغاية الدرس الفلسفي. ما هي أبرز الاقتراحات والحلول التي ترون أن من شأنها رد الاعتبار لمادة الفلسفة وإيلائها المكانة التي تستحق في التعليم الوطني؟ إن المدخل الأساس لإعادة الاعتبار للدرس الفلسفي يقتضي فتح نقاش عمومي حول الموضوع عبر إشراك جميع الفاعلين وعلى رأسهم الجمعية المغربية لمدرسي الفلسفة والممارسين .... كما يلزم تقييم جدوى المقاربة البيداغويجية المعتمدة (التدريس بالكفايات) ومنهجية تنزيلها. وبما أن الدرس الفلسفي يحضر أكثر من خلال مادة الفلسفة في السلك الثانوي التأهيلي فلابد من الرفع من معامل المادة ومن عدد الساعات المخصصة لها. علما أن عدد الساعات المخصصة لها حاليا هو ساعتين ومعاملها لا يتعدى 2 بالنسبة لجميع الشعب وجميع المستويات، اللهم إذا استثنينا السنة الثانية باكالوريا شعبة الآداب المعال 3 وعدد الساعات 3 وشعبة العلوم الإنسانية عدد الساعات 4 والمعامل 4. يقتضي الأمر كذلك الاهتمام بالتكوين المستمر لمدرسي الفلسفة، والتفكير في إمكانية تدريس الفلسفة لمستويات السلك الثانوي الإعدادي... ولابد كذلك من خروج الدرس الفلسفي من أسوار المدارس والجامعات نحو الفضاء العام عبر تشجيع المبادرات التي تحتضنها التنظيمات المدنية المهتمة بالدرس الفلسفي وعلى رأسهم الجمعية المغربية لمدرسي الفلسفة...