أكد التقرير العام للجنة النموذج التنموي، أن "المواطنون، لاسيما الشباب، واعون بأهمية الفن والثقافة، ويتوفرون على تكوين يؤهلهم لنقاش الأفكار والانفتاح على الآخر"، مشيرا إلى أن "الثقافة مدعوة إلى أن تغدو رهانا عالميا بالغ الأهمية في مجال الصعود الاقتصادي أو السيادة، وذلك بحكم الحاجة المتجددة والكونية إلى المعنى وإلى التماسك الاجتماعي، وبحكم التحديات العالمية التي تجعل من الضروري تثمين العناصر الناعمة والمحتوى والجودة"، موضحا "أن المغرب يعتبر بلدا غنيا بتنوعه الثقافي وعمقه التاريخي وتراثه المادي واللامادي". وفي هذا السياق، يضيف المصدر ذاته، يجب أن "تصبح الثقافة بالمغرب رافعة متعددة الأبعاد للرخاء الاقتصادي وللرابط الاجتماعي المتماسك وللقوة الناعمة في المجال الجيوسياسي: إنه رهان للوحدة الوطنية في عالقة مع الطلب على المعنى وعلى المعالم التاريخية والهوياتية، كما تشكل الثقافة أيضا موردا للنمو والاستثمار والتشغيل أكثر قربا من المجالات الترابية والحاجيات المحلية، ويمثل العمق التاريخي للمغرب ميزة يتعين استغلالها كرافعة والاستقرار على المستوى الإقليمي والإشعاع الثقافي والتعايش". وشدد التقرير ذاته، على أن "الثقافة تستجيب من منظور النموذج التنموي الجديد لمتطلب مزدوج للوحدة الوطنية والتنوع: يجعل النموذج التنموي الجديد من تنمية قدرات المواطن وازدهاره ومن تحرير المبادرات شرطا من شروط الإقلاع والريادة. ويؤكد الدستور على تنوع مقومات الهوية الوطنية من حيث مكوناتها وروافدها التاريخية والثقافية، المنصهرة مع عراقة واستمرارية الأمة المغربية وسيادتها الوطنية المتجذرة". ومن الأهمية أيضا، يشير المصدر عينه، "تشجيع المبادرات الصاعدة والابتكارات، والمقترحات الصادرة عن كل الفاعلين في الحقل الثقافي. لكن يجب كذلك هيكلة هذا الحقل الثقافي حول مقترح مركزي قوي يجعل من الثقافة مرفقا عاما مهما، بنفس أهمية الصحة والتعليم. وعلاوة على ذلك، فإن وسائل الإعلام العمومية، على الخصوص، مطالبة بأن تضطلع بمهمة رئيسية تجاه المواطنين المغاربة تتجلى في: الإعلام، وتنشيط النقاش العمومي، تعزيز الرابط الاجتماعي والنهوض بالتاريخ والثقافة الوطنيين". من أجل ذلك، تقترح اللجنة الإجراءات التالية: إدماج قوي للثقافة في المنظومة التربوية، وفي هذا الصدد، يتعين إدراج النقاشات والمناظرات الموضوعاتية التي تمكن من صقل ملكة النقد والجدل والحوار والانفتاح على الآخر كطرق لتعليم بعض المواد كالتاريخ والفلسفة وتعلم اللغات. ويتعلق الأمر أيضا بإدراج تعليمات اختيارية مرتبطة بالفنون، بشكل أكبر، في المناهج الدراسية وبتطوير شعب فنية منذ السلك الثانوي التأهيلي". وأوصت اللجنة في تقريرها ب"دعم دور الإعلام باعتباره أداة للإخبار والنقاش العام ومواكبة مسار تحوله الرقمي، كما يتعين دعم الإعلام (السمعي البصري، الإذاعي، الصحافة المكتوبة، والمنصات الجديدة). وعلى الدولة مواكبة هذه الدينامية في التغيير من خلال تعزيز التحول الرقمي لوسائل الإعلام ودعمها في البحث عن نموذج اقتصادي مطبوع بالابتكار والديمومة. والهدف، هو الوصول إلى قطاع دينامي ينتج محتوى ذا جودة ومن شأنه المساهمة فعليا في إشعاع المملكة على المستوى الدولي وتقوية السيادة الوطنية في مجال إنتاج الخبر والمحتوى الرقمي. واقترحت اللجنة، تقوية العرض الإعلامي الجهوي وذلك حتى تتمكن كل جهة من التوفر على قناة تلفزية، على الأقل، تخصص جزءا من برامجها للنقاش والأخبار والرهانات المحلية. كما دعا التقرير إلى تشجيع تطوير مبادرات ثقافية مبدعة، من خلال احترافية المسالك الثقافية، وولوج أمثل إلى التمويلات العمومية والطلبيات العمومية والتمويلات الخارجية. كما يجب توجيه الطلبيات العمومية في المجال الثقافي نحو محتويات أكثر جودة وأشكال أكثر إبداعا، ويجب أيضا أن تنفتح على فاعلين جدد. ويقترح، على الخصوص، تطوير علامات تميز بالنسبة للمحتويات ذات الجودة بما يسمح بإبراز فاعلين جدد، واحترام حقوق التأليف والملكية، وإضفاء الطابع الاحترافي على بعض قطاعات إنتاج المحتوى. ويتعين دعم السينما والموسيقى، بالخصوص، من حيث الإنتاج والتمويل، باعتبارهما رافعتين للقوة الناعمة. كما أوصى التقرير ذاته، بدعم وتنشيط إنتاج ثقافي وإعلامي مبتكر يتسم بالجودة، ويساهم في إغناء الحوار والتحسيس والإشعاع الدولي للمغرب. وتقترح اللجنة في هذا الصدد وضع علامة ميزة لفائدة الفاعلين والمبادرات الثقافية والإعلامية ودعم الانخراط الواسع للفعاليات في هذا المجال، وسيتأتى ذلك عبر إحداث منصة إعلامية للأخبار والتحليل والنقاش العمومي، يتكلف بها تجمع لوسائل الإعلام الخاصة الذي يستهدف الربح، وتكون مكملة للقطب العالمي العمومي، وكذا عبر إنشاء منصة رقمية للصناعة الثقافية الموجهة، على الخصوص، إلى إنتاج محتوى سمعي-بصري مبتكر يتسم بالجودة، وبتوجه إفريقي- متوسطي، وتندرج في إطار تعاون مع البنيات السينمائية والتلفزيونية الوطنية. ودعا التقرير ذاته، إلى إنشاء وتنشيط فضاءات ثقافية في مختلف المناطق، مع إعادة تثمين هذه الفضاءات وتنشيطها من طرف المجتمع المدني المحلي وفق أهداف تتمثل في تثمين التراث الثقافي المحلي، والتحسيس بالنقاش وتعزيزه ودعم الفاعلين الثقافيين والفنيين المحليين وتلقين مبادئ الممارسة الفنية أو التكوين فيها. وفي هذا الاتجاه، يمكن لهذه الفضاءات أن تعقد شراكات مع الفاعلين المؤسساتيين كقطاع التربية الوطنية والمعهد الملكي للثقافة الأمازيغية أو المعاهد الثقافية الأجنبية. وشدد التقرير، على "ضمان المحافظة على الموروث الوطني والذاكرة الجماعية وتثمينهما وتعزيز إشعاع التاريخ والثقافة المغربية على المستوى الدولي. ويمكن وضع إجراءات محددة على المستوى الجهوي والمحلي، من قبيل إنشاء متاحف مخصصة للتراث اللامادي ورقمنة كل المحتويات الثقافية اللامادية وتنظيم فعاليات منتظمة حول مواد ثقافية؛ وتقوية التعاون بين الحرفيين والفنانين والباحثين وأخيرا دعم المرشدين الثقافيين الجهويين المصنفين.